- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح253 ) تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُهَيِّئُ الدَّولَةُ الـمَكتَبَاتِ وَالـمُختَبَرَاتِ وَسَائِرِ وَسَائِلِ الـمَعرِفَةِ فِي غَيرِ الـمَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 179: تُهَيِّئُ الدَّولَةُ الـمَكتَبَاتِ وَالـمُختَبَرَاتِ وَسَائِرِ وَسَائِلِ الـمَعرِفَةِ فِي غَيرِ الـمَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ لِتَمكِينِ الَّذِينَ يَرغَبُونَ فِي مُوَاصَلَةِ الأَبْحَاثِ فِي شَتَّى الـمَعَارِفِ مِنْ فِقْهٍ، وَأُصُولِ فِقْهٍ، وَحَدِيثٍ، وَتَفسِيرٍ، وَمِنْ فِكْرٍ، وَطِبٍّ وَهَنْدَسَةٍ، وَكِيميَاءَ، وَمِنَ اختِرَاعَاتٍ وَاكتِشَافَاتٍ وَغَيرِ ذَلِكَ، حَتَّى يُوجَدَ فِي الأُمَّةِ حَشْدٌ مِنَ الـمُجتَهِدِينَ وَالـمُبدِعِينَ وَالـمُختَرِعِينَ.
المادة 180: يُـمْنَعُ استِغلَالُ التَّألِيفِ لِلتَّعلِيمِ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِهِ، وَلَا يَملِكُ أَحَدٌ مُؤَلِّفاً كَانَ أَوْ غَيرَ مُؤَلِّفٍ حُقُوقَ الطَّبعِ وَالنَّشْرِ إِذَا طَبَعَ الكِتَابَ وَنَشَرَهُ. أَمَّا إِذَا كَانَ أَفْكَاراً لَدَيهِ لَـمْ تُطْبَعْ وَلَـمْ تُنْشَرْ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ إِعطَائِهَا لِلنَّاسِ كَمَا يَأْخُذُ أُجْرَةَ التَّعلِيمِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ التَّاسِعَةُ وَالسَّبعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولاً: المادة 179: دَلِيلُهَا قَولُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَقَاعِدَةُ: ( مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ) فَإِنَّ الـمَكْتَبَاتِ وَالـمُخْتَبَرَاتِ وَسَائِرَ وَسَائِلِ الـمَعرِفَةِ هِيَ مِنْ شُؤُونِ الأُمَّةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَرعَاهَا. فَهُوَ مَسئُولٌ عَنهَا، وَإِذَا قَصَّرَ يُحَاسَبُ عَلَى تَقْصِيرِهِ. وَهَذِهِ الوَسَائِلُ لِلمَعْرِفَةِ إِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى إِيجَادُ الاجتِهَادِ فِي الفِقْهِ إِلَّا بِتَوفِيرِهِ، أَو مِمَّا لَا يَتَأَتَّى إِيجَادُ الاختِرَاعِ فِيمَا يَلزَمُ لِإِعدَادِ القُوَى إِلَّا بِهِ، فَإِنَّ تَوفِيرَهَا فَرْضٌ عَلَى الخَلِيفَةِ عَمَلاً بِقَاعِدَةِ "مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ"، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُسَهِّلُ أَمْرَ الاجتِهَادِ وَالاختِرَاعِ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي رِعَايَةِ الشُّؤُونِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَلْبِ الـمَنَافِعِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ وَاجِباً، فَإِنْ كَانَ لَدَى الدَّولَةِ مَالٌ قَامَتْ بِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَلِذَلِكَ كُلِّهِ كَانَتْ تَهيِئَةُ الـمًكتَبَاتِ وَالـمُختَرَعَاتِ وَسَائِرِ وَسَائِلِ الـمَعرِفَةِ مِمَّا عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُوَفِّرَهُ، أَيْ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تُهَيِّئَهُ.
ثانياً: المادة 180: دَلِيلُهَا هُوَ جَوَازُ أَخذِ الأُجْرَةِ عَلَى التَّعلِيمِ، وَإِبَاحَةُ العِلْمِ لِلنَّاسِ. أَمَّا جَوَازُ أَخذِ الأُجْرَةِ عَلَى التَّعلِيمِ فَثَابِتٌ مِنْ قَولِ الرَّسُولِ r : «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللهِ». ( رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ) ، فَغَيرُهُ مِنْ بَابِ أَولَى أَنْ تُؤخَذَ الأُجْرَةُ عَلَى تَعلِيمِهِ، وَأَيضاً ثَابِتٌ مِنْ جَعْلِ الرَّسُولِ فِدَاءَ الأَسِيرِ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ تَعلِيمَ عَشَرَةٍ مِن أَبنَاءِ الـمُسلِمِينَ، فَهُوَ استِئْجَارٌ لِلتَّعلِيمِ. وَالتَّألِيفِ هُو كِتَابَةُ العِلْمِ، أَيْ إِعطَاءُ العِلْمِ مَكْتُوباً فَهُوَ مِثْلُ إِلقَائِهِ شَفَوِياً.
فَالعِلْمُ إِمَّا أَنْ يُعْطَى لِلنَّاسِ بِالـمُشَـافَهَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُعطَى بِالكِتَابَةِ، وَفِي كِلْتَا الحَالَتَينِ كَانَ أَخذُ الأُجْرَةِ عَلَيهِ جَائِزاً. وَلَكِنَّهُ إِذَا أُلقِيَ لِلمُتَعَلِّمِ شِفَاهاً أَو كِتَابَةً صَارَتِ الـمَعرِفَةُ الَّتِي أَخَذَهَا الـمُتَعَلِّمُ مِلْكاً لَهُ. فَلَهُ الحَقُّ فِي إِلقَاءِ هَذَا العِلْمِ لِغَيرِهِ شِفَاهاً أَوْ كِتَابَةً، وَلَهُ الحَقُّ فِي أَخذِ الأُجْرَةِ عَلَيهِ. فَالَّذِينَ تَعَلَّمُوا القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ لَدَى أَسْرَى بَدْرٍ لَـمْ يَبْقَ لِـمُعَلِّمِيهِمْ أَيُّ حَقٍّ لَدَيهِمْ سِوَى الأُجْرَةَ الَّتِي أَخَذُوهَا، وَصَارَ لِهَؤُلَاِء الـمُتَعَلِّمِينَ أَنْ يُعَلِّمُوا غَيرَهُمُ القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ بِأُجْرَةٍ مِنْ غَيرِ إِذْنِ مُعَلِّمِيهِمْ، وَمِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونَ لِـمُعَلِّمِيهِمْ أَيُّ حَقٍّ. وَأَيضاً فَإِنَّ العِلْمَ مِنْ حَيثُ هُوَ مُبَاحٌ، وَمَعْنَى إِبَاحَتِهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ أَخذُهُ جَائِزاً لِكُلِّ النَّاسِ، وَمُبَاحٌ أَخذُ الأُجْرَةِ عَلَيهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يُبَاشِرُ تَعلِيمَهُ، وَلَيسَ مِنَ الـمُعَلِّمِ الَّذِي عَلَّمَهُ فِي الأَصْلِ فَحَسْبُ.
وَمِنْ هُنَا كَانَتِ الـمَعرِفَةُ مِلْكَ العَالِـمِ بِهَا، وَلَيسَتْ هِيَ مِلْكَ الَّذِي عَلَّمَهَا فَحَسْبُ، وَهِيَ مِلْكُ العَالِـمِ بِهَا مَا دَامَتْ عِندَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً عَلَى تَعلِيمِهَا لِغَيرِهِ، وَلَهُ أَنْ يُعَلِّمَهَا لِغَيرِهِ بِالـمَجَّانِ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بِأَنْ عَلَّمَهَا لِفَردٍ أَوِ لِـجَمَاعَةٍ، أَوْ تَحَدَّثَ بِهَا فِي الطَّرِيقِ، أَوْ أَوْصَلَهَا لِلنَّاسِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ صَارَتْ مُبَاحَةً لِـجَمِيعِ النَّاسِ عَمَلاً بِأَدِلَّةِ إِبَاحَةِ العِلْمِ العَامَّةِ، وَصَارَ لِـمَنْ أَخَذَهَا فَرداً أَو جَمَاعَةً أَنْ يُعْطِيَهَا لِـمَنْ يَشَاءُ، سَوَاءً أَذِنَ صَاحِبُهَا الَّذِي عَلَّمَهَا أَمْ لَـمْ يَأْذَنْ، سَخِطَ أَمْ رَضِيَ. وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّهُ لَا يَملِكُ أَحَدٌ حَقَّ التَّألِيفِ لِأَنَّهُ عِلْمٌ، فَهُوَ مَا دَامَ عِندَهُ لَهُ أَخذُ الأُجرَةِ عَلَيهِ، فَإِذَا أَعطَاهُ لِلنَّاسِ شِفَاهاً أَو كِتَابَةً بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنَ الوَسَائِلِ صَارَ مُبَاحاً لِـجَمِيعِ النَّاسِ، وَصَارَ مُبَاحاً لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ لِغَيرِهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ الأُجْرَةَ عَلَى تَعلِيمِهِ. فَجَعْلُ حَقِّ التَّألِيفِ لِلمُؤَلِّفِ هُوَ تَحرِيمٌ لِلمُبَاحِ: تَحرِيمٌ لِلْعِلْمِ فِي مَنْعِ أَخذِهِ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَتَحرِيمٌ لِأَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَيهِ فِي مَنْعِ تَعلِيمِهِ بِأُجْرَةٍ إِلَّا بِإِذْنٍ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَملِكَ أَحَدٌ حَقَّ التَّأْلِيفِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.