- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح254) السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "السِّيَاسَةُ هِيَ رِعَايَةُ شُؤُونِ الأُمَّة دَاخِليّاً وَخَارِجِيّاً". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 181: السِّيَاسَةُ هِيَ رِعَايَةُ شُؤُونِ الأُمَّة دَاخِليّاً وَخَارِجِيّاً، وَتَكُونُ مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ وَالأُمَّةِ. فَالدَّولَةُ هِيَ الَّتِي تُبَاشِرُ هَذِهِ الرِّعَايَةَ عَمَلِيّاً، وَالأُمَّةُ هِيَ الَّتِي تُحَاسِبُ بِهَا الدَّولَةَ.
المادة 182: لَا يَجُوزُ لِأَيِّ فَردٍ، أَو حِزْبٍ، أَو كُتلَةٍ، أَو جَمَاعَةٍ، أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَلَاقَةٌ بِأَيِّ دَولَةٍ مِنَ الدُّوَلِ الأَجنَبِيَّةِ مُطْلَقاً. وَالعَلَاقَةُ بِالدُّوَلِ مَحصُورَةٌ بِالدَّولَةِ وَحْدَهَا، لِأَنَّ لَهَا وَحْدَهَا حَقُّ رِعَايَةِ شُؤُونِ الأُمَّةِ عَمَلِيّاً. وَعَلَى الأُمَّة وَالتَّكَتُّلَاتِ أَنْ تُحَاسِبَ الدَّولَةَ عَلَى هَذِهِ العَلَاقَةِ الخَارِجِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ الوَاحِدَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 181: هَذِهِ الـمَادَّةُ تَعرِيفٌ لِلسِّيَاسَةِ، وَهَذَا التَّعرِيفُ عَامٌّ عِندَ جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ هُوَ وَصْفٌ لِوَاقِعِ السِّيَاسَةِ مِنْ حَيثُ هِيَ. فَهُوَ كَتَعرِيفِ العَقْلِ، وَتَعرِيفِ الصِّدْقِ، وَتَعرِيفِ السُّلْطَانِ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الـمَعَانِي الَّتِي هِيَ وَاقِعٌ مَوجُودٌ عِندَ جَمِيعِ البَشَرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لَا يَختَلِفُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مُدْرَكٌ، وَإِنَّمَا يَختَلِفُونَ فِي أَحْكَامِهِ. وَفَوقَ ذَلِكَ فَهُوَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ فِي مَادَّةِ (سَاسَ، يَسُوسُ، سِيَاسَةً) بِمَعْنَى رَعَى شُؤُونَهُ، قَالَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ: (وَسُسْتُ الرَّعِيَّةَ سِيَاسَةً أَمَرْتُهَا وَنَهَيتُهَا) وَهَذَا هُوَ رِعَايَةُ شُؤُونِهَا بِالأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
وَأَيضاً فَإِنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي عَمَلِ الحَاكِمِ، وَالوَارِدَةَ فِي مُحَاسَبَةِ الحَاكِمِ، وَالوَارِدَةَ فِي الاهتِمَامِ بِمَصَالِـحِ الـمُسلِمِينَ يُستَنبَطُ مِنْ مَجمُوعِهَا هَذَا التَّعرِيفُ، فَقَولُهُ r : فِي الحَدِيثِ (الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ، وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَار): «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ». وقوله r : «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَّنَّةَ» وقوله r : «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا». (رَوَاهُ مُسلِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ). وَقَولُهُ r : «وَمَنْ أَصْبَحَ وَهَمُّهُ غَيْرُ اللهِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَمَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ». (رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي الـُمستَدْرَكِ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه). وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ r عَلَى: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)
وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ r قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». (رَوَاهُ البُخَارِيُّ). فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا، سَوَاءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِالحَاكِمِ فِي تَوْلِيَةِ الحُكْمِ، أَمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأُمَّةِ تُحَاسِبُ الحَاكِمَ، أَمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالـمُسلِمِينَ بِعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ مِنَ الاهتِمَامِ بِصَالِحِهِمْ وَالنُّصْحِ لَهُمْ، كُلُّهَا يُستَنبَطُ مِنهَا تَعرِيفُ السِّيَاسَةِ، بِأَنَّهَا رِعَايَةُ شُؤُونِ الأُمَّةِ فَيَكُونُ تَعرِيفُ السِّيَاسَةِ الَّذِي عَرَّفَتْهُ هَذِهِ الـمَادَّةُ تَعرِيفاً شرعياً مُسْتَنبَطاً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
ثانياً: المادة 182: دَلِيلُهَا قَولُهُ r : «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ). وَالشَّرعُ أَعْطَى مُبَاشَرَةَ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ عَمَلِيّاً رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً لِلحَاكِمِ وَحْدَهُ؛ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّعِيَّةِ أَنْ تَقُومَ بِعَمَلِ الحَاكِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَ الـمُسلِمِينَ أَنْ يَقُومَ بِعَمِلِ الحَاكِمِ إِلَّا بِتَولِيَةٍ شَرعِيَّةٍ، إِمَّا بِبَيعَةٍ مِنَ النَّاسِ إِنْ كَانَ خَلِيفَةً، وَإِمَّا بِتَولِيَةٍ مِنَ الخَلِيفَةِ، أَوْ مَنْ جَعَلَ لَهُ الخَلِيفَةُ حَقَّ التَّولِيَةِ مِنْ مُعَاوِنِينَ وَوُلَاةٍ. أَمَّا مَنْ لَـمْ يُوَلَّ لَا بِالبَيعَةِ، وَلَا بِتَولِيَةِ خَلِيفَةٍ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُومَ بِشَيءٍ مِنْ مُبَاشَرَةِ رِعَايَةِ شُؤُونِ الأُمَّةِ لَا فِي الدَّاخِلِ وَلَا فِي الخَارِجِ.
وَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ تَوضِيحِ هَذَا الحُكْمِ مِنْ حَيثُ الدَّلِيلُ، وَمِنْ حَيثُ الوَاقِعُ الَّذِي يَنْصَبُّ عَلَيهِ الدَّلِيلُ. أَمَّا الدَّلِيلُ فَإِنَّ السُّلطَانَ قَدْ جَعَلَهُ الشَّرعُ لِلحَاكِمِ فَحَسْبْ، وَجَعَلَ سِيَاسَةَ النَّاسِ لِلحُكَّامِ فَحْسَبْ. يَقُولُ الرَّسُولُ r : «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ). فَجَعَلَ الخُرُوجَ عَلَيهِ خُرُوجاً مِنَ السُّلطَانِ، فَهُوَ إِذَنْ الَّذِي يَملِكُ السُّلطَانَ لَا غَيرُهُ. وَيَقُولُ الرَّسُولُ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ). وَمَعنَاهُ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الـمُسلِمُونَ تَسُوسُكُمُ الخُلَفَاءُ. فَعَيَّنَ مَنْ يَسُوسُ الـمُسلِمِينَ. وَمَفُهُومُ هَذَا أَنَّ غَيرَ الأَمِيرِ لَا يَكُونُ سُلْطَاناً، وَأَنَّ غَيرَ الخُلَفَاءِ لَا يَسُوسُونَ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سِيَاسَةَ الرَّعِيَّةِ إِنَّمَا هِيَ لِلحَاكِمِ، وَلَا تَكُونُ لِغَيرِهِ. وَأَيضاً فَإِنَّ عَمَلَ الرَّسُولِ r هُوَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُرُ السُّلطَانَ وَالقِيَامِ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ بِهِ بِوَصْفِهِ رَئِيسَ دَولَةٍ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُوَلِّي مَنْ يَقُومُ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ السُّلطَانِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِ سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ، فَوَلَّى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الـمَدِينَةِ حِينَ كَانَ يَخرُجُ لِغَزْوَةٍ مِنَ الغَزَوَاتِ، وَوَلَّى الوُلَاةَ وَالقُضَاةَ وَجُبَاةَ الأَمْوَالِ، وَمَنْ يَقُومُونَ بِمَصْلَحَةٍ مِنَ الـمَصَالِـحِ كَتَوزِيعِ الـمِيَاهِ، وَخَرْصِ الثِّمَارِ، وَغَيرِ ذَلِكَ. فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى حَصْرِ السُّلْطَانِ وَحَصْرِ سِيَاسَةِ النَّاسِ بِالحَاكِمِ، أَيْ بِالخَلِيفَةِ وَمَنْ يُوَلِّيهِ الخَلِيفَةُ، أَوْ بِالأَمِيرِ وَمَنْ يُوَلِّيهِ الأَمِيرُ. وَالسُّلطَانُ هُوَ رِعَايَةُ شُؤُونِ النَّاسِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً، وَسِيَاسَةُ الرَّعِيَّةِ الوَارِدَةُ فِي قَولِ الرَّسُولِ «تَسُوسُهُمْ» هِيَ رِعَايَةُ شُؤُونِ النَّاسِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ رِعَايَةَ شُؤُونِ النَّاسِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً، أَيِ القِيَامُ بِمَسْئُولِيَّةِ الحَاكَمِ محَصوُرَةٌ بِالحَاكِمِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيرِهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا مُطْلَقاً. لِأَنَّ الشَّرعَ أَعْطَى السُّلطَانَ وَأَعْطَى سِيَاسَةَ النَّاسِ لِلْخَلِيفَةِ وَلِمَنْ يُوَلِّيهِ الخَلِيفَةُ. فَإِذَا قَامَ بِأَعْمَالِ الحـُكْمِ وَالسُّلطَانِ وَتَوَلَّى سِيَاسَةَ النَّاسِ أَيُّ فَرْدٍ غَيرُ الإِمَامِ وَغَيرُ مَنْ وَلَّاهُ كَانَ فِعْلُهُ هَذَا مُخَالِفاً لِلشَّرعِ فَكَانَ بَاطِلاً، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَرَاماً، وَمِنْ هُنَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيرِ الخَلِيفَةِ، وَغَيرِ مَنْ يُوَلِّيهِ الخَلِيفَةُ، أَيْ غَيرِ الحَاكِمِ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الحُكْمِ وَالسُّلطَانِ، فَلَا يَقُومُ بِرِعَايَةِ شُؤُونِ النَّاسِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً، أَيْ لَا يَسُوسُ النَّاسَ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ عَمَلُ الحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيرِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.