الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الرزاز والمديونية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرزاز والمديونية

 

 

الخبر:

 

قال رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز لقد نجحنا نهاية العام الماضي، ولأوّل مرّة منذ عام 2008م، بتحويل اتجاه المديونيّة من الزيادة إلى الانخفاض، كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي إذ بلغت نسبتها 94%، بعد أن وصلت مع نهاية عام 2017م إلى 94.3%. جاء ذلك في صفحته على منصة فيسبوك يوم الثلاثاء 2019/1/22. وقد نوه الرزاز إلى أنّ عبء المديونيّة لا يقاس بالرقم المطلق، بل بنسبتها من الناتج المحلّي الإجمالي؛ وذكر أن الأردن يسعى للحصول على قرض جديد من البنك الدّولي ليتمكّن من تسديد قروض أخرى مؤكدا أنه لا مساومة في معالجة المديونيّة، وسيعمل على خفضها دون زيادة على الضرائب أو فرض المزيد منها على المواطنين.

 

 

التعليق:

 

ليس غريبا على الرزاز أن يقلل من شأن حجم المديونية الذي تجاوز 40 مليار دولار، ويلجأ للحديث عن نسبة المديونية إلى حجم الناتج المحلي، والذي وصل إلى 94% في الأردن. ولعله يريد أن يقول إن كثيرا من الدول قد تجاوز دينها حاجز الـ100% من حجم الإيرادات والناتج المحلي مثل اليونان وإيطاليا واليابان. وبالتالي فإن الأردن ليس بدعا من الدول المدينة. وهذه خدعة يستعملها السياسيون خاصة وأن الناس في المجتمعات التي أصبحت تعتمد على القروض الربوية في تمويل حتى غياراتها الداخلية، ينظرون إلى المديونية على أنها الوسيلة الأنسب لتمويل أمور حياتهم الداخلية.

 

وأصبح عرفا لدى كثير من الناس بفعل سيطرة الأعراف الربوية أنه ما دام مجموع الدين يساوي 2 إلى 3 أضعاف دخل الأسرة السنوي فإن حالة الأسرة تعتبر مستقرة ولا حاجة للقلق! ما يعني أن الأسرة التي يبلغ حجم الدين المترتب على شرائها بيتاً وسيارة وأثاثاً وغيرها من مستلزمات العيش أقل من ثلاثة أضعاف الراتب فإن الأسرة لا تشعر بالضغط المالي، إذ إن الراتب الشهري يغطي الدفعات المترتبة على الأسرة للبنوك الدائنة. وأصبحت هذه أعرافاً في المجتمعات التي قبلت أو خضعت لإرادة البنوك والأنظمة التي تحميها، وهي غالبية شعوب العالم.

 

إنه وإن كان هذا العرف السائد هو خطأ محض وخطر محدق يتهدد كينونة الأسر والأفراد على حد سواء، إلا أن الخطورة الكبرى هي التي تتهدد الدول والحكومات والتي توحي بأن حالها أفضل من حالات الأسر والناس الذين يحكمونهم، خاصة إذا بينوا أن نسبة مديونيتهم لمجموع الدخل القومي أقل من 100% كما هي الحال في حكومات الأردن المتعاقبة ومنها حكومة الرزاز. فحين يقول إن نسبة الدين لدينا تعادل 94% من حجم الدخل القومي، ولا عبرة لحجم الدين الكلي، فهو يلمح إلى هذه الناحية من المعادلة التي اعتاد عليها الناس.

 

وهذا خطأ وخطر من ناحيتين؛ الأولى أن قياس الحكومة على الأسر والعائلات قياس خاطئ؛ إذ إن الحكومة تعتبر الدخل القومي هو دخلاً لها ومن أموالها، وهذا خطأ محض؛ وذلك أن الدولة ليس لها من الدخل القومي إلا ما تحصل عليه على شكل ضرائب من الدخل والذي لا يتجاوز بأقصى حالاته 30% من مجموع الدخل. وإذا أضيف إلى ذلك أن غالبية الدخل القومي وما يزيد على 80% من الدخل محصور بأيدي أقل من 1% من المتنفذين وعمالقة المال والذين بدورهم لا يدفعون إلا النزر القليل من الضرائب فهم أقدر الناس على التهرب من دفع الضرائب. وهذا يجعل دخل الحكومة أقل من 10% من الناتج المحلي، خاصة إذا أضفت إلى ذلك تخلي الحكومة عن موارد مالية كثيرة كانت قد باعتها تحت ستار الخصخصة. ما يعني حقيقة أن نسبة الدين الكلي لدخل الحكومة وليس للدخل القومي يزيد على 900% أي أن حجم الدين الكلي يعادل أكثر من 9 أضعاف دخل الحكومة الحقيقي. وهذا ليس غريبا إذ إن أمريكا تعلن عن 75% نسبة مديونيتها إلى الدخل القومي، إلا أنه وحسب مجلة فوربز المتخصصة في الشؤون المالية تقدر النسبة الحقيقية بحوالي 408%، أي حوالي 7 أضعاف الرقم الذي يطيب للحكومة أن تعلن عنه.

 

لذلك فإذا أرادت الحكومة في الأردن أن تبقي على نسبية المديونية إلى حجم دخل الحكومة بحدود الـ100% فعليها أن ترفع دخلها 8 أضعاف على الأقل، أي يجب عليها أن ترفع من نسبة الضرائب التي تستطيع الحصول عليها، ما يعني أنها يجب أن ترفع الضرائب على أفقر طبقات الشعب الذين يعتمدون على الرواتب القليلة ولا يستطيعون التهرب من الضرائب. وبالتالي فإن ما قاله الرزاز على صفحته "في المحصّلة، نؤكّد لكم أن لا مساومة في معالجة المديونيّة، وسنعمل على خفضها دون زيادة على الضرائب أو فرض المزيد منها على المواطنين" يعتبر قولا إنشائيا لا قيمة له ولا واقع، بل يخالف كل الحقائق على الأرض ولا غرض منه سوى التضليل والمخادعة للناس وتمرير القرض الجديد الذي لا يوجد له أي سند مالي ولا ضمانة إلا جيوب الناس التي أصبحت فارغة بل يملؤها الفقر والعوز والقهر، ولم يعد في جعبة أصحابها إلا الموت على يد السياف أو الخروج من قبضة السياف.

 

أما الناحية الثانية فإن نسبة الـ94% الحالية دون إعادة تقييمها إلى ما يقارب 900% تعتبر نسبة خطيرة على اقتصاد أي دولة وتحول دون النمو الحقيقي للاقتصاد حسب تقارير اقتصاديي جامعة هارفارد الذين اعتبروا أن اقتصاد أمريكا مقدم على التوقف عن النمو تماما حين يصل حاجز الـ90% حيث قد وصل الآن إلى 82% من حجم الناتج المحلي، ولا يزال يقترب من حاجز الـ90% شيئا فشيئا. والأردن قد تجاوز هذه الحاجز منذ فترة، ولا عجب أن نمو الاقتصاد الحقيقي في الأردن قد توقف منذ أمد، وهو في تراجع مستمر، ولم تُجْدِ حتى الآن أعمال الحكومات المتعاقبة من رفع الضرائب ورفع الأسعار، ورفع الدعم عن السلع، واختراع ضرائب جديدة كفرق أسعار الوقود وغيرها. ولم تعد هناك حاجة في الأردن إلى محللين اقتصاديين ليشخصوا مدى السوء الذي وصلت له البلد من الناحية المالية والاقتصادية، إذ إن تعبير الناس المستمر في لقاءاتهم ودواوينهم وصفحاتهم ودوارهم الرابع أكبر من أي دراسة وأوضح من الشمس في رابعة النهار.

 

وبعيدا عن التحليلات الاقتصادية وما وصل إليه الأردن بل ما وصل إليه العالم من حافة الانهيار المدوي والذي سيأكل الأخضر واليابس، فإن الربا الذي غرق فيه الأردن وهو جزء من عالم ربوي ماحق، إن هذا الربا ليس له مصير إلا المحق وضنك العيش وغضب من رب السماوات والأرض ليس له كاشف ولا منه واق وليس من دونه ولي ولا نصير. فهل يعقل العالم مدى سحق الهاوية التي يقودهم إليها النظام العالمي الرأسمالي الجائر؟ وهل يعي المسلمون مدى مسؤوليتهم عن حال شعوب الأرض وهم جزء منها، وقد جعلهم الله شهودا على البشر كما قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾؟ وقال أيضا: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد جيلاني

 

 

آخر تعديل علىالسبت, 26 كانون الثاني/يناير 2019

وسائط

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj السبت، 26 كانون الثاني/يناير 2019م 20:06 تعليق

    حكومات انهكت شعوبها بالمديونية حسبنا الله فيهم جميعا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع