الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الإسلاميون: مقالة بعنوان "الأيادي القذرة للنظام التشادي في إبادة مسلمي أفريقيا الوسطى"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

2014-02-26

 

الرئيس التشادي إدريس ديبي


أم يحيى بنت محمد


لا يحدث شيء في القارة السوداء دون أن تكون الأداة الاستعمارية واقفة عليه وتشرف عليه بعين بصيرة، هذه المستعمرات السابقة جزء أصيل في السياسة الخارجية للدول الاستعمارية القديمة ومن يزاحمها على خيرات مستعمراتها.

 

لم تترك فرنسا مستعمراتها منذ ما يسمى زوراً بالاستقلال، فهي تتدخل متى ما أرادت بموجب ما يسمى "اتفاقيات الدفاع المشترك"، وقد تدخلت فرنسا في الفترة منذ 2011 وحتى اليوم في أربع دول هي ساحل العاج وليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى.

 

تتحكم فرنسا بأفريقيا الوسطى وتضمن هيمنتها عبر سلسلة من الانقلابات وجنرالات بلا جيش وطني يأتون ويذهبون بحسب مصالحها، وييسر لهم هذا الأمر مراكز قوى في المنطقة وعملاء من الطراز الأول يسبحون بحمدها ويأتمرون بأمرها.

 

اعتادت فرنسا على المواجهة وعدم إخفاء مغامراتها ومطامعها الاستعمارية ولم تأبه يوماً بضحايا هذه المغامرات، ولعل أحداث أفريقيا الوسطى مثال صارخ على دور الاستعمار في أفريقيا وإجرام المستعمر الفرنسي وعملائه.

 

تدخلت لتفرض الأمن في أفريقيا الوسطى (حسب إدعائها) فإذا بها تشرف مباشرة على موجة من العنف في الثلاثة أشهر منذ تدخلها وصلت لحد الذروة في صورة حرب إبادة على الهوية وإجلاء كامل لمسلمي أفريقيا الوسطى.

 

إن عداء وحقد فرنسا على الإسلام وأهله لا يخفى على أحد وله شواهد كثيرة في تاريخ هذه الأمة، والحديث عن أحداث حرب الاستقلال في الجزائر والمليون شهيد والغزو الغاشم في مالي والتدخل السافر في شؤون تونس حديث ذو شجون وفيه الكثير من العبر، ولكن سنتجاوزه في هذا المقال لكي لا ننشغل عن مصابنا في أفريقيا الوسطى وما تقوم به فرنسا وأدواتها من كيد ومكر على عيون الأشهاد.

 

عم الهدوء العاصمة بانغي وغيرها من المدن بعد أن غادرها سكانها من المسلمين هرباً من الأعمال الانتقامية التي تقوم بها المليشيات النصرانية (مناهضو بالاكا).

 

انحسر العنف لأن مرتكبيه أدركوا غايتهم فقد فر جل المسلمين من بانغي وشمال غرب وجنوب غرب البلاد وغيرها تاركين أرضهم للمجهول.

 

وذكرت السيدة جوانا مارينر من فريق منظمة العفو الدولية على حسابها في تويتر "أن آخر 130 مسلمًا من أصل الآلاف من سكان بلدة باورو (ولاية نانا- مامبيري) سيغادرن البلاد في 23/2/2014".

 

نفروا خفافاً لدول الجوار، وأصبحت القرى العامرة مدن أشباح خاوية في أحيان وفي أحيان أخرى استولى المغتصبون على أملاك المسلمين وحلوا محلهم محتفلين بأن المسلمين خرجوا بلا عودة، فيما تواترت الأخبار عن ارتداء أعضاء (مناهضي بالاكا) لملابس المسلمين المميزة ونهبهم لأموالهم وفرضهم للأتاوات. انتقل مشهد الأحداث من مشاهد القتل لقوافل النازحين وأحوال اللاجئين وكان آخر هذه المشاهد مغادرة نحو 3 آلاف مسلم في أفريقيا الوسطى الجمعة، العاصمة بانغي متجهين نحو دولة تشاد تحت حراسة تشادية. لم تكن هذه النتيجة مفاجئة لمن تتبع أزمة المسلمين في هذه الدولة الفقيرة الحبيسة، فبدا واضحاً منذ البداية أن مسلسل العنف سيؤدي لطرد المسلمين من البلاد وتوالت تصريحات المحللين لأهداف ونمط عمل هذه الحملة الشرسة لتؤكد أن الهدف هو إجلاء كامل للمسلمين من أفريقيا الوسطى.

 

أكدت "ماري- إليزابيث إنجر" رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في أفريقيا الوسطى، في حوار مع صحيفة ليموند الفرنسية، 8-2-2014 "أن عدة مدن يتم الآن تفريغها من مواطنيها المسلمين، حيث تقوم قوات مناهضي بالاكا بمحاصرة عدة مدن وبمجرد خروج أحد منها يتم قتله".

 

إن سياسة القتل بالسواطير وأكل لحوم البشر أسلوب ممنهج لتخويف الناس والدفع بهم للهروب، هذه السياسة ذاتها (مع تفاوت درجة الوحشية) انتهكتها مليشيات السيليكا ذات الأغلبية المسلمة ضد أعضاء وأنصار الأنتي بالاكا في فترة هيمنة الأولى على البلاد.

 

أشارت السيدة إنجر في اللقاء نفسه إلى أن متمردي جماعة سيليكا المسلمة كانوا "يتبعون سياسة الأرض المحروقة قبل رحيلهم إلى تشاد أو إلى معاقلهم في شرق البلاد، مما يدفع السكان المسيحيين إلى الفرار إلى الأدغال، إلا أنه وبعد فترة وجيزة تعود قوات مناهضي بالاكا لاستهداف الأقلية المسلمة مما يؤدى إلى قيامهم بهجرة جماعية إلى تشاد والكاميرون".

 

أكد الشيء ذاته نشطاء من قلب الحدث من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش غيرها من الهيئات. أصبح مجرد وجود المسلم في أفريقيا الوسطى مصدر خطر عليه وأصبحت الاعتداءات أمراً محتوماً ولم يحفظ لهم جيرانهم النصارى أي فضل وجميل بالرغم من أن المسلمين كان لهم دور بارز في حماية السكان النصارى من اعتداءات السيليكا في السابق.

 

لقد أصبح الحقد سيد الموقف وتحكمت الصيحات المنادية إلى إجلاء المسلمين من البلاد وإلغاء الوجود الإسلامي. واقتصر دور قوات حفظ السلام على محاولة حماية قوافل المسلمين الخارجة من أفريقيا الوسطى وتأمينها من اعتداءات مناهضي بالاكا المتربصين بهم، وأظهرت هذه القوات عبر مواقف متكررة التهاون والتقاعس عن حماية المسلمين، ولعل هذا يظهر في الحادثة الأخيرة التي نقلتها التايم ونيوز 24 بتاريخ (24/2/2014).

 

ذكرت الأخبار أن الأنتي بالاكا يتربصون بحوالي 800 مسلم احتموا بالكنيسة الكاثوليكية في بلدة كارنوت (ولاية مامبره كادرئ) ووقفت قوات حفظ السلام بينهم وبين الغوغاء الذين أحضروا عشرة جالونات من الجازولين، وأمهلوا المسلمين أسبوعًا لمغادرة أراضي أفريقيا الوسطى وإلا سيقومون بإحراق الكنيسة بمن فيها من نساء وأطفال.

 

من لهؤلاء المستضعفين الذين يروَّعون بالرصاص وبالحرق؟ هل يعول على قوات حفظ السلام أن تحميهم مع ما شهده العالم من تحجر أمام جرائم ترتكب أمام أعينها؟ وهل نعول عليهم بالرغم من تزايد انتقادات الهيئات الدولية لتخاذلها وفشلها في حماية المدنيين (ذكرت هذا منظمة العفو الدولية والهيومان رايتس ووتش وأطباء بلا حدود، وقد تناول الإعلام في الغرب وفي الشرق هذه التصريحات ومن آخرها ما ذكرته التلغراف "بحر دماء المسلمين في أفريقيا الوسطى يزداد بسبب تخاذل قوات حفظ السلام الدولية").

 

من للمسلمين في ظروف تجدد ذكرى أحداث رواندا ومجزرة سبرنتشا؟ لعل السؤال المُلحّ في مثل هذه الظروف هو أين مليشيات السيليكا من كل هذا، وما هي حقيقة هذه الهجمات الانتقامية من مليشيات السيليكا، ولماذا لم يكن للسيليكا أي دور في الأحداث الأخيرة؟ قامت الجماعات المقاتلة سيليكا (سيليكا تعني الائتلاف باللغة السانغوية وهي ائتلاف من مليشيات مناهضة لحكم الرئيس السابق بوزيزي تتكون من مسلمين ونصارى ووثنيين وإن كان أغلبية أعضائها من المسلمين)، قامت سيليكا بالانقلاب على النظام الحاكم في أفريقيا الوسطى في 24/3/2013 بدعم من تشاد حليفة فرنسا ذات الثقل في الوسط الأفريقي وبقيادة زعيمهم ميشيل جوتوديا الذي أعلن حل الجماعات المقاتلة في أيلول/سبتمبر 2013 إلا أن هذه الجماعات استمرت في أعمال القتل والترويع خصوصاً في القرى.

 

قامت هذه المليشيات التي جلبتها وأيدتها دولة تشاد بسلسلة من الأعمال التي ظاهرها حماية مصالح المسلمين ولكنها جلبت الأحقاد وألَّبت المليشيات النصرانية وأصبح هذا العداء للمسلمين رأيًا عامًّا بين النصارى في البلاد خاصة بعد الأساليب الوحشية التي مارستها في النيل من خصومها.

 

اقترن اسم مسلم بمليشيات موالية لتشاد ومحتمية بسلطة رئيس من أصل مسلم في بلد يُعَدّ المسلمون فيه أقلية وإن كانوا أقلية ناجحة وذات نفوذ اقتصادي. وبالرغم من أن وجود سيليكا لم يخدم الإسلام في شيء يذكر إلا أن نزع سلاحها من قبل فرنسا على يد قوات السنجريس جعل ظهر المسلمين مكشوفًا، وزاد من ضعف موقف المسلمين اختفاء سيليكا بعد أن ترك الرئيس ميشيل جوتوديا لمنصبه بطلب من الدول الإقليمية وتحت إملاءات فرنسية نفذها الرئيس التشادي الذي استدعى البرلمان في أفريقيا الوسطى للمثول في العاصمة لتشادية لحسم أمر الرئيس.

 

سارعت تشاد لإخلاء قادة السيليكا الذين فروا من أفريقيا الوسطى بعد أن أدوا مهمتهم وتركوا المسلمين المسالمين العّزل ليتلقوا ضربات أعضاء الأنتي بالاكا والهجمات الانتقامية من فترة هيمنة سيليكا، خرج أفراد السيليكا فارين تحت حماية القوات التشادية. لقد سلموا المسلمين للعدو نفسه الذي تحرشوا به وجوعوه ثم أطلقوه من قفصه لينهش لحوم المسلمين. وبالرغم من إنكار الحكومة التشادية لتهريب قادة السيليكا إلا أن باحثين من الهيومان رايتس ووتش تمكنوا من تصوير هذا المشهد المخزي على الفيديو ونشرت المنظمة المقطع لتدحض ما قالته الحكومة التشادية وتفضح تشاد ومن يقف وراءها.

 

الجيش التشادي يشرف منذ فترة على تحول الأوضاع في أفريقيا الوسطى؛ فهو الذي واكب حكم بوزيزي وجوتوديا ثم الرئيسة الحالية ووقف حامياً لمصالح فرنسا.

 

الرئيس التشادي ضمن خروجاً آمناً لأول رئيس من أصل مسلم في أفريقيا الوسطى. أي قيادات هذه وأي أمن يجلبه أمثال هؤلاء للمسلمين؟! زعيم سيليكا والرئيس السابق جوتوديا ينعم اليوم برغد العيش والأمان في منفاه في دولة بينين بينما تفر قيادات مليشياته لتشاد بحماية مركبات تشادية مدججة بالسلاح ويتلقى المسلمون العزل طعنات السواطير والحرق بالنار وتترك ذراري المسلمين فريسة للأوغاد والكلاب السعرانة لتنهش لحومهم.. ﴿أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.

 

الرئيس التشادي هو عراب هذه الأحداث في أفريقيا الوسطى وهو الأداة التي استخدمتها فرنسا الحاقدة، والنظام التشادي واكب التسلسل الخطير لعمل المليشيات الموالية للمسلمين وانقلاب رئيسهم ثم الحملة الإعلامية وتهييج الرأي العام ضده كونه من أصل مسلم وخلعه ومن ثم نفيه إلى بينين وجلب رئيسة نصرانية لترأس البلاد.

 

رئيس تشاد غدر بمسلمي أفريقيا الوسطى ودبر لهم بليل ليغرس خنجراً مسموماً في ظهرهم ويحمي نفوذ سيدته فرنسا. خانهم ولم يكن مُكرهاً؛ فهو صاحب قدرة ونفوذ في هذا البلد، وقوته هذه هي التي فرضت على البرلمان بأن يشد الرحال للعاصمة التشادية لحل مسألة حكم الرئيس ذي الأصول الإسلامية، وحين بدأ القتل لم ينطق ببنت شفة.

 

اقتصر الدور التشادي على إخلاء المسلمين من أفريقيا الوسطى من تنسيق لسرب الرحلات الجوية لتأمين للخط السريع بين بانغي وبنجامينا!.

 

لعل هذا الإخلاء والهروب السريع خدم مناهضي بالاكا وقوّى شوكة عصاباتهم الجبانة؛ فالمليشيات التي كانت تفتك بهم في الأمس فرت والفرار فضيحة وأصبحت سيليكا من بعد البطش طريدة مختبئة، وفتك مناهضو بالاكا بالمستضعفين العزل وهم على يقين من أنهم في مأمن. سياسة تشاد لا تختلف عن سياسة قوات حفظ السلام سواء سنجريس أو ميسكا حين تتباهي بتأمين خروج المسلمين بينما هي في الحقيقة تتباهى بتسهيل التطهير العرقي وتيسير الإبادة الطائفية وإخلاء البلاد من أهلها وأصحاب الحق فيها.

 

هكذا يدبر لأمتنا ويغدر بالمستضعفين ويتم إجلاء المسلمين من أرضهم لتحول قضية مسلمي أفريقيا الوسطى من حق شعب مسلم لمشكلة نازحين أخرى ويتم التفاوض عليها على أساس حق العودة وتسوية شؤون اللاجئين إلى تشاد والكاميرون وغيرها من دور الجوار.

 

يحسب البعض فإن هذا الإجلاء لأهل أفريقيا الوسطى مكرمة من تشاد وأنها تستضيف اللاجئين وتحمي القوافل المسافرة لتشاد وتؤويهم في أرضها بالرغم من أن الحكومة التشادية تنكرت لمصاب المسلمين، فهل تعيد مخيمات اللاجئين لأهل أفريقيا الوسطى ما فقدوه؟ وهل تظن الحكومة التشادية أنها تصلح ما أفسدته عبر هذه المخيمات؟ تدعي تشاد أنها تستضيف اللاجئين الفارين من قمع العصابات النصرانية بينما تنتشر الهيئات في الأراضي التشادية وتتوج الأمم المتحدة أكبر الحملات لجمع التبرعات للنازحين من أفريقيا الوسطى وقد جاوز عدد النازحين المليون شخص.

 

تدعي تشاد استضافة الفارين من القمع بعد أن حُطمت بيوتهم ودُمرت أعمالهم وبُددت ثرواتهم.. ألم يكن من الأجدى أن تحميهم في بيوتهم بما أوتيت من قوة وعتاد بدلاً من المغامرة بهم مع المستعمر وكشف ظهرهم للعدو المتربص؟ ثم كيف بالله عليكم تؤوي تشاد أو تستضيف النازحين وهي نفسها عالة على الهيئات المانحة؟! دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي نعم يا كرام، قد توقف سيل الصور التي تظهر وحشية الانتهاكات ضد أهلنا في أفريقا الوسطى، ولعل منكم من تأمّل أنها أزمة عابرة وقد انتهت، وظن أن الأمور بدأت تستقر وأن الله رفع الكرب عن أهلنا، ولكن الحقيقة غير ذلك.. لم تنته مأساة مسلمي أفريقيا الوسطى ولم تستقر أوضاعهم أو يتجدد عندهم الشعور بالأمن والسلام، بل على العكس من ذلك لقد اشتد الكرب وتأزم الوضع، فر الناس جموعاً بعد الهجمات الوحشية التي أتت على القرى العامرة فتركتها كالرميم وتعالت الصيحات المستنصرة بأمة الإسلام ومن في قلبه ذرة إنسانية قالوا وا غوثاه ولم يجدوا ملبيًا، بل إن غرس الأخ فيهم خنجراً مسموماً فتركوا البلاد بما فيها وتضرعوا لبارئهم.

 

﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾

 

 

 

أم يحي بنت محمد ، عضو بالمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

المصدر: الإسلاميون

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع