الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

الديمقراطية فكرة فلسفية غربية ذبحت على مشارف غزة

 

 

الديمقراطية، كلمة يونانية الأصل مركبة تركيبا ملفقا، غريبة في أصلها، مستهجنة في منبتها، متباعدة عن واقعها، مستوحشة في دلالتها، متنافرة في معناها، براقة من حيث الشكل، منفرة من حيث المضمون. فهي مغلفة بغشاء محموم وطلاء موهوم، أقحمت على واقعها إقحاما، فأرغمت الناس على الامتثال لها إرغاما، وذلك بعد مخاض عسير وصراع مرير بين فلاسفة أوروبا ورجال الدين، أنتج ولادة قيصرية للعقيدة العلمانية المتعفنة التي غُلّفت بغلاف العِلم وصارت أساسا لكل فهم، ومنه فهم كيفية حُكم الشعوب، فظهر دين الدجال الجديد كأعظم لوثة فكرية وكارثة سياسية عرفها التاريخ البشري الحديث: إنها الديمقراطية! (الشيخ فتحي سليم، بتصرف)

 

فقد استُحضر المفهوم الهلامي للديمقراطية من الفلسفة اليونانية وأسقط إسقاطا كحل وسط وكردة فعل عنيفة غاضبة على رجال الدين، لا لعلاج الواقع وإنما للتخلص منه، ولا لبحث الكيفية الصحيحة لحكم الشعوب، وإنما لإنهاء التحكم في الشعوب باسم الدين (النصرانية)، ففصلوا الدين عن الحياة باسم الديمقراطية، وانسحب ذلك على جميع الأديان، فحاربوا كل دين، وعوضوا تسلط رجال الدين بتسلط رجال اللادين، وجاؤوا بفكرة خيالية لا واقع لها، وهي أن تحكم الشعوب نفسها بنفسها، واستحدثوا لذلك آليات لا زالوا مختلفين حولها إلى الآن، تقوم جميعها على الاحتيال والتلفيق وقلب الحقائق وتحكم الفئة النافذة من رؤوس الأموال، والأكثر شذوذا من ذلك أنهم قدسوا هذه الفكرة وآلياتها حتى غدت دينا جديدا تتصارع من أجله الأطراف السياسية المؤمنة بالديمقراطية، خدمة لرأس المال الذي أصبح - من خلال المال والإعلام - يتفنن في تغليف القوانين والتشريعات المُراد تمريرها بغلاف الصراعات الأيديولوجية اللامتناهية. فحلت الأيديولوجيات السياسية في الغرب محل الأيديولوجيات الدينية، وعوضت الصراعات بين الأحزاب الاشتراكية والأحزاب الليبرالية تلك الصراعات السابقة بين البروتستانت والكاثوليك.

 

يقول الباحث ب. أديلمان بهذا الصدد في كتابه (إنسان الجماهير) ما يلي: "لقد حلّت السياسة محل الدّين، ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية. بمعنى آخر، أصبحت السياسة دينا مُعلمنا، وكما في الدّين فقد أصبح البشر عبيدا لتصوراتهم الخاصة بالذات".

 

وبعد أن صنعوا هذا الصنم وصاروا له عابدين، قاموا باحتكار العلم والنور والتقدم، فنعتوا من يخالفهم بالجهل والظلامية والتخلف عن ركب الحضارة، وكأنه لا يوجد في العالم سوى الحضارة الرأسمالية بل وكأن البشرية لم تعرف نظاما للحكم إلا عند ولادة الديمقراطية.

 

وهنا يمكننا إعادة تعريف الديمقراطية، من كونها فن خداع الشعوب، وهي غطاء يحجب وجه الاستعمار الذي تتميّز به الدول الديمقراطية، وبعبارة أخرى، هي استعمار مقنّع، البقاء فيه للأقوى، وهذا الاستعمار هو من يضع معايير الديمقراطية ويقرر ما إن كان ذلك البلد ديمقراطيا أم لا.

 

وفي الوقت الذي افتتنت فيه شعوب أوروبا وابتهجت بهذا المولود الجديد، وكأنهم يكتشفون السحر، كانت دولها تباشر أبشع عمليات الإبادة الجماعية لملايين البشر من شعوب القارة السمراء، تمهيدا لاستقبال الديمقراطية وآلياتها على أنقاض الجثث والجماجم التي لا تزال فرنسا (منبع الديمقراطية) تحتفظ ببعضها في المتاحف إلى اليوم.

 

ربما يجدر بنا التذكير أيضا في هذا السياق، كيف انتقلت الديمقراطية من أوروبا إلى أمريكا التي كانت مجرد مستعمرة بريطانية إلى حدود 1776م، ولكن العقيد في الجيش البريطاني جورج واشنطن قرر أن يخوض حروبا دامية استمرت 6 سنوات، فرض من خلالها نفسه كأول رئيس لأمريكا الديمقراطية المستقلة، قبل أن يقوم بمسرحية الاستقالة من منصبه كقائد أعلى للجيش القاري، ويسلم سلطاته للكونغرس كدلالة على وجود حكم مدني.

 

يهمنا التذكير أيضا أنه بين هذه الدول الديمقراطية، حصلت حربان عالميتان، راح ضحيتهما أكثر من 20 مليون شخص في الحرب الأولى وأكثر من 60 مليون شخص في الحرب الثانية، حيث ألقت فيها الولايات المتحدة الأمريكية (حاملة لواء الديمقراطية عالميا) قنبلتين نوويتين على اليابان (هيروشيما وناجازاكي) تسببتا في محو أكثر من 200 ألف شخص من السجل المدني.

 

بهذا الحجم من الدموية، ومع تزايد شركات النفط والسلاح، تم تشكيل العالم الديمقراطي الذي نعيشه اليوم، والذي لا تزال فيه أمريكا شرطي العالم، وهي من يحدد قواعد اللعبة الديمقراطية ومعاييرها بمنطق القوة لا غير.

 

وأما ربيبتها دولة يهود التي اغتصبت الأرض ودنست المقدسات ولم تترك جريمة إلا وارتكبتها ضد الأبرياء من أهل فلسطين طوال 75 عاما، فتعرّف عندهم بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذا الاعتبار وحده كاف لفهم طبيعة الديمقراطية وحقيقتها وعقلية حماتها وحملة لوائها ممن يضعون المعايير الديمقراطية ويوزعون شهادات الاستحسان على دول العالم "المتخلف"...

 

نعم، ربما يكون الأقرب أن نتحدث عن شريعة الغاب في عالم الذئاب حين نتحدث عن الديمقراطية في عالمنا اليوم، ولكن في الغاب شريعة بلا شرعيين وفي الديمقراطية مشرعون بلا شريعة ولا قانون يضبطهم، بل هم من يضعون القانون وهم من ألغى قوة القانون ووضعوا مكانه قانون القوة.

 

وأما الإرهاب والانقلاب والانتخاب، فهي مكملات غذائية ضرورية (حسب الحاجة) لقانون القوة الذي يقوم على تزوير عقول الناخبين في حالة الغفلة، وعلى فرض سياسة الأمر الواقع في حالة الوعي على حقيقة الديمقراطية، وضريبة هذا الوعي هي الدم الذي يريقه الأقوياء دفاعا عن صنم الديمقراطية. وحتى بمنطق الأغلبية، فالديمقراطية تناقض نفسها حين تنتصر للشذوذ الفكري والجنسي ولكل مظاهر التحلل والإباحية التي لا تعترف بخطوط حمراء، ولا غرابة بعدها أن يقدَّم الشواذ لحكم البلدان الديمقراطية، التي تكون فيها الحرية والديمقراطية توأمين.

 

ربما آن لشعوب الغرب أن تدرك أمام المذبحة الأخيرة في غزة، أن الكنيسة الجديدة هي مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، بل هو مركز "بابوي" جديد يقوم عليه جمع من رجال اللادين يتحكمون في مقدرات الشعوب ويستعبدونهم بوحي من أهواء رؤوس المال الذين يريدون للعالم أن يركع لهم وأن يدين لديمقراطية بغيضة ذبحت على مشارف غزة، وسلخ عنها كل غطاء وهمي، حين رفضت حق أهل فلسطين في تقرير مصيرهم لعقود وساندت هذه المرة حق كيان يهود المزعوم في الدفاع عن نفسه بارتكاب أفظع الجرائم التي ترفضها الفطرة البشرية السوية.

 

ولذلك انحصر دور مجلس الإرهاب هذا في صب البترول على نيران الحروب المشتعلة لتزداد اشتعالا، ويلتهم لهيبُها الأخضر واليابس في هذا العالم، لصالح من يحتكرون الصناعات الثقيلة كالصواريخ والأسلحة النووية، لأن الحروب كانت ولا تزال السوق الحقيقية الرابحة لهذه الأسلحة الفتاكة المدمرة التي تنشر بها أمريكا الديمقراطية على وجه الأرض. ربما لا تكفي مصطلحات مثل "الانتقائية" و"ازدواجية المعايير" للتعبير عن حجم النفاق السياسي الغربي الصارخ في التعامل مع أحداث غزة، ولا يقف هذا النفاق المغلف بالديمقراطية على أمريكا، بل تنافسها في ذلك بقية الدول الديمقراطية، ونكتفي كمثال بذكر بريطانيا المجرمة، التي أغمض رئيس وزرائها عينيه عن الحرب لستة أشهر، ثم حين قتل ثلاثة بريطانيين على أيدي كيان يهود، صرح بأنه مصدوم من حمام الدم في غزة ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار!

 

ولذلك فالديمقراطية، هي خلية سرطانية وجب استئصالها من الأذهان على عجل لإنقاذ البقية المتبقية من البشر، ولتنعم البشرية بحياة إنسانية ليس فيها استعباد لبني الإنسان. قال سيدنا عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".

 

ختاما، ولمن يقدس هذا الصنم في بلادنا، فإنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدقة وموضوعية [وهي التي نشأت في أثينا من بلاد اليونان، وأخذت اسمها من كلمة (ديموس - كراتوس) المركبة، وتعني السلطة للشعب]، دون الإشارة إلى أن المقصود بالشعب في مجتمع أثينا، لم يكن عامة الشعب، بل ظهرت الديمقراطية في هذا العصر الجاهلي (قبل ظهور الإسلام وقبل ميلاد المسيح) بين فئة الأقوياء، حيث كان المجتمع مقسما إلى عسكريين وعبيد مجبرين على طاعة أسيادهم في الجيش، وكانت الديمقراطية حلا جاء به الجيش "الشعبي" لفض الخصومات داخله وآلية لاختيار الحاكم بالأغلبية من داخل الجيش، وهذا هو الشعب في نظرهم، أما بقية الناس فهم عبيد ومجرد رقم في معادلة الديمقراطية اليونانية القديمة. ولذلك لم يخطر ببال أحد من المسلمين طوال قرون ومنذ عهد النبوة، أن يفكر في واقع الديمقراطية أو أن يلتفت إلى أقذر فكرة عرفها تاريخ البشرية، إلا بعد الغزو الحضاري الغربي لبلاد الإسلام.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع