الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الجنيه المصري يغرق ويُغرق مصر وأهلها في دوامة التضخم من جديد

 

ذكرت بوابة اقتصادنا على موقعها، الخميس 2023/11/16م، أن العقود الآجلة للجنيه المصري غير القابلة للتسليم أمام الدولار الأمريكي سجلت ارتفاعاً خلال الساعات القليلة الماضية بشكل ملحوظ، وذلك بالتزامن مع الارتفاع غير المسبوق للدولار بالسوق السوداء، في ظل وجود تكهنات واتجاه لخفض الجنيه أمام الدولار خلال الأسابيع والأشهر المقبلة حتى نهاية 2024، وأضافت أن أحدث بيانات للعقود الآجلة غير القابلة للتسليم "أجل عام" تبين وصول الدولار إلى مستوى الـ47 أمام الجنيه خلال الساعات القليلة الماضية لأول مرة في التاريخ، مقابل حوالي 39 جنيها في آب/أغسطس الماضي، وفقاً لبيانات بلومبيرغ، فيما وصل عقد الجنيه غير القابل للتسليم لمدة 3 أشهر إلى مستوى قياسي بلغ 37.7 جنيهاً للدولار، وفقاً لبلومبيرغ. وفي الوقت نفسه، ظل سعر الصرف الرسمي ثابتا عند حوالي 30.90 جنيهاً للدولار، بينما تجاوز دولار السوق السوداء حاجز الـ50 جنيهاً خلال الأيام الماضية.

 

رحلة طويلة للجنيه المصري منذ بدء التعامل به كعملة ذهبية حقيقية عام 1885م، وعندما أُنشئ البنك الأهلي المصري منحته الحكومة امتياز إصدار الأوراق النقدية القابلة للتحويل إلى ذهبٍ لمدة 50 عاماً، كما بُدئ في إصدار أوراق النقد لأول مرةٍ في 3 نيسان/أبريل عام 1899م، وظلت قيمة الجنيه مقابل الذهب ثابتة تقريبا وظلت العملة الورقية لا تتجاوز كونها ورقة نائبة أو عملة لها غطاء ذهبي، أي قيمة ثابتة على الدولة توفيرها فورا لمن يحمل هذه الورقة أو العملة ويريد استبدالها، وهكذا بالفعل فقد كان مكتوبا على الورقة نفسها التي أصدرها البنك الأهلي المصري وقتها (أتعهد بأن أدفع لدى الطلب مبلغ جنيه واحد مصري لحامله، تحرر هذا السند بمقتضى (الديكريتو) المؤرخ في 25 حزيران/يونيو سنة 1898، عن البنك الأهلي المصري، و"الديكريتو" تعني الفرمان)، أظهر عالم الاقتصاد الأمريكي ناثان لويس في بحث أجراه عام 2011، أن مصر ظلت أكبر دولة ذات غطاء نقدي من الذهب في العالم وتحديداً منذ عام 1926 وحتى أوائل الخمسينات وذلك على الرغم من قيامها بتخفيض قيمة العملة عام 1931 كباقي دول العالم في تلك الفترة، لتتفوق مصر على جميع دول العالم من حيث قوة العملة الخاصة بها بما فيها بريطانيا. ففي عام 1930 كانت قيمة العملة المصرية هي 4 جنيهات لأوقية الذهب الواحدة، أي أن الوزن الذهبي للجنيه المصري الواحد هو أكثر من 7 جرامات، بينما كانت قيمة العملة الأمريكية هي 20,67 دولاراً لأوقية الذهب الواحدة في العام نفسه. وفي تقرير أصدره مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن عام 1948 بعنوان "الإحصائيات المصرفية والنقدية منذ عام 1914 إلى عام 1941"، تبين فيه أن الجنيه المصري الواحد كان يساوي 8,3692 دولاراً أمريكياً منذ شهر شباط/فبراير عام 1934 إلى عام 1941. ومنذ عام 1939 وحتى الآن، أي خلال نحو 84 عاماً، ارتفع سعر صرف الدولار بنسب قياسية، حيث قفز ليسجل نحو 30.85 جنيهاً في البنوك، ما يعني تضاعف سعره بأكثر من 160 مرة، بخلاف سعر الدولار في السوق السوداء والذي تجاوز الـ50 جنيهاً، ولا زال في صعود مستمر، فما الذي يحدث في مصر؟ وما الذي سيؤدي إليه ارتفاع سعر الدولار بهذا الشكل؟ وما هو العلاج الحقيقي وكيف يكون؟

 

إن الذي يحدث هو غرق كامل للعملة المصرية، وتضخم يتزايد بمعدلات متسارعة، وانهيار سريع لاقتصاد البلاد، وسرقة ممنهجة لثروات البلاد ومدخرات الناس وجهودهم، فمصر بلد يستورد ما يزيد عن 90% مما يستهلكه الناس، حتى الغاز أصبحت الدولة تستورده من كيان يهود! ومصر الأولى عالميا في استيراد القمح، بخلاف باقي ما يستهلكه الناس من زراعات ومنتوجات وصناعات خاصة الثقيلة منها كالآلات والسيارات؛ ما يجعل من ارتفاع سعر الدولار كارثة تحل بمصر وأهلها، ويجعل عائل أسرة بسيطة يحتاج لمزاولة عملين أو أكثر لتوفير حاجات أسرته الأساسية في دولة راتبه فيها لا يصل إلى 150 دولاراً شهرياً بينما يحتاج فعليا لما يقارب الـ500 دولار ليعيش حياة كريمة.

 

إن المعادلة صعبة في حقيقتها، فنمو الأسعار فوق احتمال الناس ويلتهم ما لديهم ولا يمكّنهم من ادخار أي شيء، ولولا أن للناس أرزاقاً مكتوبة لماتوا جوعا أمام هذه السياسات الكارثية، فالأزمة هي أزمة الرأسمالية التي تحكم وتصنع الفقر والفقراء وتلتهم مدخرات الناس وتسرق جهودهم.

 

إن الحل الوحيد الذي يقضي على التضخم ويضمن القوة لعملة أي بلد هو العودة لقاعدة الذهب والفضة كعملة حقيقية لها قيمة في ذاتها، أو تصبح العملة ورقة نائبة عن الذهب والفضة كما كانت في السابق فيما قبل التفريط في احتياطي الذهب وقبل فك ارتباط العملة المصرية بالذهب وربطها بالدولار لما يزيد عن 60 عاماً، فهل تستطيع مصر ذلك وكيف؟

 

قبل أن نشرع في معالجة المشكلة يجب أن نعلم أنها تعالَج بوصفها مشكلة إنسانية لا بوصفها مشكلة مادية ولا حتى اقتصادية، وتعالج من باب رعاية الناس على أساس الأحكام الشرعية المستنبطة من الإسلام بعد فهم الواقع وتصوره تصورا صحيحا ثم استنباط الأحكام الشرعية التي تناسبه من أدلتها استنباطا صحيحا، وهنا تبرز قضايا عدة أهمها:

 

أولا: مسألة توفر الذهب والفضة في الأسواق بما يتناسب مع حجم التداول، وهذا الأمر لا بد فيه من الاعتماد أولاً على ما هو موجود ضمن حدود الدولة، في خزينة الدولة، وفي أيدي الناس من التجار والصاغة، وعامّة الناس، وفيما هو موجود في باطن الأرض. وإذا لم تكفِ الكميّة الموجودة داخل حدود الدولة - وغالباً أنها لا تكفي - فإن الدولة تلجأ إلى الخارج، فهذا الأمر لا بد فيه من تفهيم الناس ضرورة ذلك أولاً، ثم ضمان حق الناس مقابل ما أخذ منهم، إما عن طريق عقارات، أو أراض من أملاك الدولة، أو عن طريق سندات تحفظ حقهم لحين توفر الذهب والفضة، أو الثروات الزائدة مستقبلاً، ولا بد للدولة أن تستخرج من باطن الأرض الذهب والفضة، فلا تخلو مصر من مناجم الذهب والفضة، وبما أن المسألة ليست تجارية، بل مصيريّة، فلا تبالي الدولة إن كانت الكمية قليلة أو كثيرة أثناء عملية البحث والتنقيب. وإن مصر وحدها تستطيع أن تضع قاعدة الذهب والفضة كعملة بما تمتلك من مناجم للذهب؛ فوفقاً لدراسة قام بها المرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن مصر تحتضن حوالي 270 موقعاً لإنتاج الذهب، بينها حوالي 120 موقعاً ومنجماً معروفين تم استخراج الذهب منهم قديماً، وحسب تقرير لمجلس الذهب العالمي الصادر لشهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2022 لاحتياطات الذهب في البنوك المركزية العالمية، جاءت مصر في المرتبة الـ34 عالمياً باحتياطي قدره 125.9 طناً. (صدى البلد)، بخلاف ما يملكه الناس من مشغولات ذهبية كزينة أو مدخرات.

 

ثانيا: معالجة ما يوجد في أيدي الناس من عملات، وهنا نحتاج إلى فترة انتقالية يتم فيها الاعتماد على ما هو موجود بين أيدي الناس من عملات كمرحلة انتقالية لازمة، وضرورية لتهيئة الأمور من ناحية عملية وفنية، وليس معنى ذلك إقرار بالحكم الخاطئ الفاسد في مسألة النقود، ولكنها ضرورة تقدّر بقدرها حتى يتم التمكن من الأمر الشرعي بشكله الصحيح ويتم توفير النقود الشرعية البديلة وإنزالها للتداول، وفي هذه المرحلة يجب أن يراعى ما في يد الناس من عملات وقيمتها الشرائية والتي يجب أن تحدد مقابل سلع بقدرها حتى لا يخسر الناس أموالهم ويقع عليهم ضرر جراء تطبيق الحكم الشرعي.

 

ثالثا: معالجة مسألة القيمة الشرائية (أو ما تسمى بالقيمة التبادلية) للذهب والفضة كنقود، مقارنة مع السلع والخدمات الأخرى، وهذا الأمر يتحكم فيه العرض والطلب، وحاجة الناس، دون تدخل من الدولة بالتسعير، وإن احتاج الأمر لتدخل في بداية الأمر كنوع من الرعاية لشؤون الناس لا علاقة له بتسعير السلع حتى يعتاد الناس على التعامل بالذهب من جديد فإنه لا بد من تدخل الدولة في هذه المرحلة الحرجة الحساسة، لتحدد قيمة الدينار التبادلية، مقابل السلع والخدمات الموجودة، والطريقة التي نراها هي عدم إعطاء العملة الذهبية أكثر من قيمتها السوقية، أي قيمة وزنها من الذهب والفضة، فمثلاً وزن الدينار 4.25 غرام من الذهب الخالص، وهذه كانت تساوي كذا وكذا مقارنة بسلع حيويّة، فتقدر الدولة ذلك في بداية الأمر للناس، ثم تترك الأمور بعد ذلك لتسير في نصابها الصحيح.

 

كل ما سبق من عرض هو جزء من النظام الاقتصادي الذي وضعه الإسلام والذي لا يمكن تطبيقه وإقراره إلا من خلال دولة الإسلام وفي ظلها؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع