الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

زيارة ميرزياييف للصين

 

زار الرئيس الأوزبيكي شوكت ميرزياييف بكين مع زوجته زيراتخان، في 17 تشرين الأول/أكتوبر، وأجرى محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وخلال الرحلة، التقى ميرزياييف أيضاً برؤساء الشركات الصينية الرائدة: Ameri International، وСАМСЕ، وChina Energy، وState Grid. وشارك رئيس أوزبيكستان في حفل افتتاح المنتدى الدولي "حزام واحد، طريق واحد" وألقى كلمة في جلسته العامة. كما زار ميرزياييف الصين في أيار/مايو من هذا العام وشارك في قمة "آسيا الوسطى والصين". وفي ذلك الوقت، تم التوقيع على بيان مشترك بين الرئيس ميرزياييف والرئيس الصيني شي جين بينغ، وتم اعتماد برنامج تنمية الشراكة الاستراتيجية الشاملة للعصر الجديد بين البلدين في 2023-2027. وفي نهاية الزيارة الأخيرة تم التوقيع على 41 وثيقة، وتم الاتفاق على تنفيذ مشاريع جديدة بقيمة 25 مليار دولار تتعلق بالتجارة والصناعة والاستثمار.

 

لن نخوض في تفاصيل الاتفاقيات التي وقعها ميرزياييف خلال هذه الزيارة، ولكن لعلنا نحاول تسليط بعض الضوء على أن الصين ليست بعيدة عن روسيا وأمريكا وأوروبا الاستعمارية من حيث أطماعها وخطرها الكبير.

 

من الواضح لنا جميعا أن هناك عددا من المصالح التي تحاول الصين تحقيقها في آسيا الوسطى، بما فيها أوزبيكستان. فإن الصين باعتبارها أكبر مستهلك للنفط والغاز والعديد من الموارد الطبيعية الأخرى على مستوى العالم، تدرك قيمة الطاقة في هذه المنطقة جيداً، حيث إن أوزبيكستان، إلى جانب بلدان أخرى في آسيا الوسطى، بلد غني بالمعادن.

 

إن مشروع "حزام واحد، طريق واحد" الضخم هو مفهوم اقترحه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب على طول طريق الحرير التاريخي. ولهذا الغرض، من المخطط تحسين ممرات التجارة والنقل الحالية التي تربط أكثر من 60 دولة في آسيا الوسطى وأوروبا وأفريقيا، وإنشاء ممرات جديدة إضافية. ويعد خط السكة الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان الذي يبلغ طوله 454 كيلومترا أحد هذه الممرات. وإذا تم تنفيذ هذا المشروع، فسوف تصبح أوزبيكستان وقرغيزستان مركزاً للنقل.

 

من بين أسلحة "القوة الناعمة" التي تمتلكها الصين والتي يمكنها التأثير على سياسات الدول الإقليمية، بما في ذلك أوزبيكستان، هي إقراض الأموال. فوفقا لمعلومات موقع Lenta.ru في كانون الثاني/يناير من هذا العام، فإن ديون أوزبيكستان من البنوك الصينية تبلغ حوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب معلومات وزارة المالية الأوزبيكية في "مشروع الميزانية للمواطنين"، فقد وصلت ديون أوزبيكستان من الصين في عام 2020 إلى 3 مليارات دولار. وبما أن هذه القروض ربوية، فمن الصعب أن نحدد على وجه الدقة حجم ديون أوزبيكستان عند الصين حاليا؛ لأن المعلومات حول هذا الأمر ليست شفافة. فقد قال كريستوف تريبيش، الأستاذ في معهد الاقتصاد العالمي في كيل، إن بكين وحدها تعرف مقدار وبأية شروط قدمت الصين القروض للدول النامية، بما في ذلك بيلاروسيا ودول آسيا الوسطى. وفي دراسة بعنوان "قروض الصين في الخارج" نشرت في الأول من تموز/يوليو الماضي، قالت إن هذه القروض ليست شفافة، حيث إن حوالي 50% منها سرية.

 

ويمكن رؤية مدى خطورة هذه الديون من خلال هذه الحقائق؛ فعلى سبيل المثال، اضطرت سريلانكا إلى التنازل عن مينائها البحري الجديد تقريبا في هامبانتوت على الساحل الجنوبي للصين لمدة 99 عاما بعد أن عجزت عن سداد القروض الصينية. ودعونا لا نذهب أبعد من ذلك، فقد اعترف رئيس قرغيزستان، صدر جباروف، في عام 2021، أنه إذا فشلت قرغيزستان في سداد ديونها للصين، فسوف تضطر إلى تسليم محطة الطاقة الحرارية الكبيرة والعديد من الطرق المهمة إلى الصين. وفي عام 2011، لم يكن أمام طاجيكستان خيار سوى تسليم ألف كيلومتر مربع من أراضيها إلى الصين مقابل ديونها. وتخضع حوالي 80% من شركات تعدين الذهب في طاجيكستان لسيطرة مباشرة من الشركات الصينية... فمن يضمن أن هذا الوضع لن يحدث لأوزبيكستان غداً؟!

 

وفقا للخدمة الصحفية للرئيس، أشار ميرزياييف خلال المحادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أن النشاط الفعال لمعهد كونفوشيوس في طشقند وسمرقند يساهم بشكل كبير في الاهتمام المتزايد بتعلم اللغة الصينية بين الشباب. وهذا يعني أن الصين تحاول بجدية نشر ثقافتها ونظرتها للعالم بين الشباب المسلم، وهذا الآن يشكل خطرا أكبر.

 

كما تم التأكيد خلال المحادثات على أن الموقف من سياسة "صين واحدة" والحرب ضد "قوى الشر الثلاث" لن يتغير. وتشير الحكومة الصينية إلى "قوى الشر الثلاث" بأنها "الإرهاب والتطرف والانفصالية"، أي الإسلام.

 

ويتم سجن وتعذيب آلاف المسلمين في تركستان الشرقية التي تحتلها الصين في معسكرات الاعتقال بسبب هذه التهم الثلاث، ويطلق عليها "معسكرات إعادة التعليم"، حيث تتم "إعادة تثقيف" الملايين من الفتيان والفتيات المسلمين الأويغور والنساء وحتى الأطفال الصغار وكبار السن في معسكرات الاعتقال هذه التي بنيت في شينجيانغ منذ عام 2017! وفي بداية عام 2022، أفادت خدمة بي بي سي نيوز الروسية أن صور آلاف الأويغور في هذه المعسكرات سُرقت من خوادم الكمبيوتر الخاصة بالشرطة في شينجيانغ وتم تسليمها إلى بي بي سي. وبحسب تلك الملفات، يتم نقل "التلاميذ" في معسكرات الاعتقال هذه معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي ومقيدين بالسلاسل من سجن إلى آخر وحتى إلى المستشفى. وتم إلقاء الآلاف من الأويغور في معسكرات الاعتقال هذه بسبب إعفاء اللحى أو ارتداء الخمار أو حفظ آية من القرآن! وحتى بالنسبة لعدم شرب الكحول وعدم التدخين، هناك من يوصف بـ"الإرهابي" و"المتطرف" ويسجن! وتقول أيضاً إن 1.2 مليون من كبار السن من الأويغور وممثلي الأقليات التركية الأخرى يتم احتجازهم في معسكرات الاعتقال... فمن يستطيع أن يضمن أن الصين لن ترغب في أن يصيب مسلمي أوزبيكستان مثل هذا الوضع المأساوي غداً؟!

 

وهذه مجرد قطرة في بحر الجرائم التي ترتكبها الحكومة الصينية ضد مسلمي الأويغور! إن نظام ميرزياييف يتواطأ مع هذا المجرم ويغرق أوزبيكستان في مستنقع الديون التي يأخذها منه...

 

وهنا يطرح سؤال؛ هل ستتنازل روسيا، التي تعتبر آسيا الوسطى، بما في ذلك أوزبيكستان، "موطنها" بسهولة عن هذه المنطقة للصين؟ كلا، على الإطلاق؛ لأنه على الرغم من ضعف روسيا إلى حد ما بسبب الحرب في أوكرانيا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بنفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة من خلال منظمات مثل رابطة الدول المستقلة، والتعاون الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الزيارة التي قام بها ميرزياييف إلى روسيا في أوائل تشرين الأول/أكتوبر وقمة رابطة الدول المستقلة الأخيرة التي عقدت في بيشكيك. كل من الصين وأمريكا والغرب يدركون ذلك. كما أن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما أنها مصدر رئيسي للنفط والغاز والأسلحة. ويقول الخبراء إنه إذا انتقلت روسيا إلى المدار الغربي، كما فعلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، فسوف تُترك الصين وحدها في مواجهة الولايات المتحدة، محرومة من موارد الطاقة الرخيصة والقوة العسكرية. ولهذا السبب فإن شي جين بينغ على استعداد لتحمل العواقب غير السارة المترتبة على مصادقة بوتين. كما أن بوتين، الذي وقع في عزلة دولية، مهتم بالتعاون مع الصين. ففي الاجتماع مع شي، أشاد بوتين بإنجازات برنامج "حزام واحد، طريق واحد"، قائلا "الصين، تفعل ذلك تحت قيادتك". وشارك بوتين، الذي وصل إلى بكين في 17 تشرين الأول/أكتوبر، في حفل افتتاح المنتدى الدولي "حزام واحد، طريق واحد"، والتقى مع شي جين بينغ على انفراد وأجريا مناقشة طويلة. وهذه هي رحلته الثانية إلى الخارج منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة اعتقال بحقه في 17 آذار/مارس 2023. وقبل ذلك ذهب إلى قرغيزستان. وفي ختام زيارته عقد بوتين مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ سيوقعان قريبا خطة التعاون بين البلدين حتى عام 2030 في بيشكيك. وهذا يدل على أن التعاون بين الصين وروسيا سوف يستمر. وهذا ما تؤكده حقيقة أن بوتين، في اجتماعه مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 20 أيلول/سبتمبر، أكد على أن منتدى "حزام واحد، طريق واحد" يتماشى تماماً مع مصالح البلدين.

 

والتقى بوتين بشكل غير رسمي مع ميرزياييف وتوكاييف في بكين، بحسب ما أبلغ بذلك سكرتيره الصحفي ديمتري بيسكوف، وربما قام بشد "لجام" ميرزياييف وتوكاييف في هذا الاجتماع! لذا فإن الصين وروسيا تريدان تقاسم آسيا الوسطى، بما فيها أوزبيكستان - إلى حد ما - بينهما، وتريدان إبعاد الولايات المتحدة والغرب اللّذَين يتطلعان إلى هذا "الطعم" عنها قدر الإمكان.

 

ولا يمكن لنظام ميرزياييف إلا أن يخدم مصالح هؤلاء "الحيوانات المفترسة" الاستعمارية، وأن يحول أوزبيكستان إلى "فريسة" جاهزة لهم. وهذا ما يؤكده كلام نبينا ﷺ: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

واليوم، في فلسطين، بينما يقوم يهود المحتلون، المتعطشون للدماء، بإسقاط القنابل على المسلمين؛ كبار السن والنساء وحتى الأطفال الصغار، فإن نظام ميرزياييف، مثل الأنظمة الأخرى في منطقتنا، يراقب هذه المأساة مثل الشيطان الأخرس. وبعضهم حتى يمنع الدعاء للمسلمين في فلسطين ويعتقل من يدعو لهم! باختصار، تسقط أقنعة هؤلاء الحكام، وتنكشف هوياتهم الحقيقية.

 

لقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن أشد الناس عداوة للذين آمنوا هم اليهود أولا ثم المشركون. وقد أصبح نظام ميرزياييف صديقاً مقرباً جداً من عدونا؛ الصين المشركة. فهؤلاء الحكام ليسوا في صف الأمة، بل على العكس، هم غرباء عنها تماما. في الواقع، إن المذنب الرئيسي والمسؤول عن الكثير من الكوارث التي حلت بالأمة الإسلامية ولا تزال تحل هم هؤلاء الحكام والأنظمة الكافرة التي يطبقونها. ولذلك ينبغي على الأمة أن تلقي بهؤلاء الحكام العملاء مع أنظمتهم في هاوية سحيقة. وبهذا فقط تخرج الأمة من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وإن ذلك اليوم يقترب بإذن الله. قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾‏.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله محمود – أوزبيكستان

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع