الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

رد تونس على اقتحام غزة: غابت الطلقة الشجاعة، فأين الكلمة الأمينة؟!

 

ربما يجب أن يكون المتابع على قدر كبير من الغباء والسذاجة حتى يُقنع نفسه بأن النظام في تونس متضامن فعلا مع غزة وفلسطين، وأنه صار يغرد خارج سرب أنظمة الملك الجبري التي تعمل على احتواء كل حراك داعم لتحرير أرض الإسراء والمعراج من براثن يهود، وعلى امتصاص غضبه وتوجيهه إلى حيث يريد النظام الدولي، العدو الأول للإسلام والمسلمين، مع الحفاظ على واقع التجزئة والتقسيم التي جاءت بها منظومة سايكس بيكو المهترئة، والأهم الحفاظ على تلك العروش والكراسي المعوجة التي قد يزلزلها غضب الشعوب وانكشاف حجم الخيانات، وهذا ما اضطرها أحيانا إلى الدعوة إلى مسيرات تفريغ شحنات الغضب وربما قيادتها بالرايات الوطنية "المقدسة" التي قد يستوجب الولاء لها تنكيس راية رسول الله ﷺ والتباهي بذلك عبر الإذاعات "الوطنية".

 

ولذلك فإن التطبيل المبالغ فيه للموقف التونسي الذي صوره البعض على أنه استثناء في المنطقة، لا يتطلب حملة تفسيرية لفهم أبعاده، خاصة إذا عدنا إلى تاريخ الزعماء الوهميين الذين صنعهم الاستعمار على شاكلة عبد الناصر والقذافي وياسر عرفات، ممن تاجروا بقضية فلسطين وهتفوا باسمها، حتى كادت الشعوب تصدق أنهم يسعون فعلا إلى تحريرها. مع أن الواقع أثبت أن أصحاب تلك الحناجر الصادعة بحق أهل فلسطين، هم أول من سلم فلسطين وأهل فلسطين على طبق من ذهب لأعداء الأمة لتتم تصفية قضية فلسطين، بدولة هزيلة على حدود 67، لا تسمن ولا تغني من جوع، وفق الرؤية الأمريكية للمنطقة.

 

ولا يتطلب الأمر طول شرح وعمق بيان لحقيقة الموقف التونسي الذي يتغطى وراء صراخ مصطنع وشعارات رنانة من قبيل "التطبيع خيانة عظمى"، كانت ولا تزال جزءاً من حملة انتخابية لرئيس يتهيأ لخوض انتخابات 2024، فقد عودنا حكام الضرار برفع راية فلسطين الوطنية، والهتاف بتحريرها والتزلف إلى الشعوب بذكرها في كل موكب رسمي، احتفاء بما أنجزه سايكس وبيكو من تكريس لحالة الفرقة والتبعية.

 

ولكن حسبنا هنا أن نشير إلى "الرد المزلزل" الذي جاء على لسان قيس سعيد ضمن اجتماع مجلس الأمني القومي إثر استهداف مستشفى المعمداني في غزة، حيث استغل اللحظة التي سقط فيها مئات الأبرياء وتقطعت فيها أشلاء الأطفال، ليصرخ ويزمجر مجددا، ويقول بأنه "لم يجتمع من أجل الشجب والتنديد، وإنما ليؤكد ما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تؤكده كل يوم، وهو العهد على مواصلة مسيرة النضال بالكلمة الأمينة، المعبرة عن الطلقة الشجاعة من أجل تحرير كامل الوطن المحتل، بالجماهير العربية مُعبّأة ومنظمة ومسلحة، وبالحرب الثورية طويلة الأمد أسلوبا، حتى تحرير كل فلسطين"!

 

طبعا بعد هذا القصف الكلامي المدوي الذي أرعب كيان يهود حسب بعض الروايات المطبلة للنظام، لن يجرؤ أحد على مساءلة الرئيس عن أسباب غياب الطلقة الشجاعة وعدم تحريك جيشه لنصرة المستضعفين في غزة وتلبية نداء الواجب مع أن الله سبحانه يقول: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، فغبار التعاطي الإعلامي مع هذا الخطاب قد حجب حقيقة الموقف الخياني المضلل، كما أن الجيش الذي أعزه الله بالإسلام وكانت له اليد الطولى في مواجهة ودحر "إرهاب" نسجت خيوطه مخابرات الدول الأجنبية المتربصة بتونس، قد أوكل إليه النظام العلماني مهام أخرى، من قبيل حراسة الشركات البترولية الأجنبية ونقل النفايات!

 

ولذلك قد يكون الأولى الآن هو الوقوف عند ما اعتبره الرئيس "كلمة أمينة" تستمد أمانتها من منظمة التحرير الفلسطينية، الأداة الاستعمارية الأولى في تصفية قضية فلسطين، بل سبب إنشائها منذ 1964.

 

إن الحديث عن مجازر ودماء وأشلاء، هو حديث معلقين صحفيين لا من يقودون في بلادهم قوات مسلحة وجيوشا نظامية تتضمن فرقا خاصة وقوات نخبة ذات صيت عالمي، وإن التخاذل عن نصرة أهل غزة لا يبرره تخاذل بقية الأنظمة، حتى صرنا نشاهد حكامنا وهم يتنافسون على خذلان أهل غزة، في وقت تتداعى فيه القوى الصليبية على الأمة كما تداعى الأكلة إلى قصعتها!

 

ففي الوقت الذي ترسل فيه القوى الاستعمارية وفي مقدمتهم أمريكا، أسلحة وصواريخ وقاذفات وطائرات وحتى بارجات حربية عملاقة، لدعم كيان يهود في حربهم القذرة ضد أهل غزة، نجد قادة القوات المسلحة في بلادنا يرسلون الغذاء والدواء ويطلبون من شعوبهم الدعاء! يعينهم في ذلك أشباه علماء هم دعاة على أبواب جنهم، يبررون هذا الحجم من العجز والتخاذل تحت عنوان "طاعة ولي الأمر"! ثم بعد هذا كله وما يتطلبه من طمس للحقائق وسكوت عن الحق، تظل "المساعدات الإنسانية" التي أرسلها قادة النضال والتحرير المزعوم إلى فلسطين على حدود غزة، تنتظر الإذن بالتحرير من قادة يهود! ألا ساء ما يحكمون جميعا.

 

فعن أي كلمة أمينة يتحدث الرئيس، وهو يتبنى خطاب سائر الخونة من أشباه الحكام نفسه، ممن يقف مصطلح كامل فلسطين في قاموسهم عند حدود 1967؟! وأين الأمانة عند كل من يريد دفن عقود من النضال لأهل فلسطين في مقبرة حل الدولتين الذي يعطي شرعية لكيان يهود على معظم الأرض المباركة، ويبقي الفتات للمسلمين برعاية دولية من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي؟! ألم تسمعوا يا سادة قول الشاعر الفلسطيني رحمه الله وهو يقول منذ عقود:

 

أعيرونا مدافعكم ليومٍ، لا مدامعكُمْ

أعيرونا وظلُّوا في مواقعكُمْ

بَني الإسلامِ، ما زالت مواجعنا مواجعكُمْ

مصارعُنا مصارعُكُمْ

إذا ما أغرق الطوفان شارعنا

سيغرق منه شارعُكُمْ؟!

 

ما يتجاهله معشر المطبلين في بلدنا، هو أن الرئيس الذي تناسى قيادته للجيش وراح يتحدث عن جماهير معبأة ومسلحة، لم يختلف عن سائر رؤساء هذا الزمان ممن يستجدون المجتمع الدولي للتدخل، فهل يُقبَل ممن يزعم دعم قضية فلسطين أن يدير ظهره لمن يستنجده ويستنصره ثم يذهب ليستجدي قادة التحالف الصليبي ويتمسح على أعتاب المجتمع الدولي؟!

 

ألم يقرأ قوله سبحانه: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾؟ ألم يقرأ قوله ﷺ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ»؟ فإلى متى يستمر حكامنا في استجداء من يشرف على قتل إخواننا في غزة، إما بالصمت على جرائم الإبادة أو بالمشاركة الفعلية فيها؟!

 

والسؤال الأهم، هل أرض الإسراء والمعراج هي ملك يمين هؤلاء الحكام حتى يُفتي فيها كل من يحاول الحصول على الزعامة وكسب الشعبية من خلال التمسح بقضية فلسطين؟ ثم هل يُتهم من يسوّق للحل الأمريكي بدولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية، بدل تلبية نداء أهل غزة الجريحة بغير الخيانة العظمى؟

 

إن غزة تستنصر جيوش المسلمين عاجلا غير آجل، وتشكو إلى الله تخاذل الحكام ممن جعلوا من مأساة أهلنا في الأرض المباركة موسما للمزايدات السياسية والمتاجرة الرخيصة بقضية فلسطين، فظلوا ينتظرون إراقة شلالات من الدماء ليضعوا السم في الدسم ويسوّقوا للحلول الاستعمارية التي تهدف إلى تصفية قضية فلسطين، وأمثلهم طريقة من اقترح تهجير سكان غزة إلى صحراء النقب! ثم يظهرون أمام شعوبهم في مظهر الزعماء الأبطال المنتصرين للقضايا العادلة! ألا تبت أيدي كل المتخاذلين المتآمرين.

 

أما جيشنا الأبي في تونس، فقد نال شرف المشاركة في حرب أكتوبر 1973 الشهيرة، وقد تنادى جنوده الأبطال لتلبية نداء الواجب، فقاتلوا أعداء الله مقبلين غير مدبرين، وقد بلغ صوت التكبيرات عنان السماء، ورغم أن الجيش المصري قد استطاع تحطيم أسطورة خط بارليف الدفاعي، إلا أن أمريكا تدخلت لتحول النصر إلى هزيمة ثم تفرض شروط الحرب وتقود الجميع نحو سلام مزعوم مخيب للآمال وخيانة عظمى تواطأ فيها حاكم مصر.

 

وإنه اليوم على نصرته إخوانه وتغيير المعادلة لأقدر بإذن الله، متى اعتصم بحبل الله وحده ووعى على مكائد أمريكا، بل إن تحركه وتلبيته للنداء سيكون لها حتما ما بعدها بإذن الله، وملهما لبقية جيوش المنطقة.

 

ختاما، أهل غزة لم يطلبوا غير تحرك المخلصين في الجيوش وهم كثر بفضل الله، لا يمنعهم إلا تآمر الحكام الخونة مع أعدائهم، وإن الحد الأدنى من مواقف الدعم والتضامن مع أهل غزة، يقتضي قطع العلاقات مع رأس الكفر أمريكا وغلق سفارتها وتعليق الاتفاقيات الخيانية معها، وفي مقدمتها تلك الاتفاقية العسكرية المشؤومة مع نظام قيس سعيد والتي لا نعرف عنها شيئا منذ توقيعها في 2020/09/30!

 

أما عن الأرض المباركة، فقد كانت في يد الخليفة عبد الحميد الثاني رحمه الله ولم يسمح بأن تصبح قضية وقال إنها ملك المسلمين... لأنها ليست ملك الرويبضات من الحكام حتى يسوق لنا أحدهم حلول المجتمع الدولي المنافق، أو يحمل لواء حقوق الإنسان نيابة عن أسياده وأوليائه، إنما هي ملك للمسلمين جميعا والمطلوب هو تطهيرها من رجس يهود، ولا يطهرها إلا الطاهر التقي النقي، أما من أصابته لوثة الرجس والعمالة والنجاسة الغربية من دعاة حروب التحرير الوطنية، فحري به تطهير نفسه أولا، قبل الحديث عن التحرير، فتحرير المسجد الأقصى شرفٌ عظيم لا يناله الحكام العملاء ممن تعلقت قلوبهم بالرايات الوطنية، بل يناله عبادٌ لله يجاهدون في سبيل الله تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا يخافون في ذلك لومة لائم، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾.

 

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع