الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكفر المتأسلم؛ آخر أسلحة الغرب

"العلمانيةُ الكافرةُ بلبوس الإسلام"!

 

حبالى ومثقلات ليالي زمن خونة الدار اللئام، يلدن كل عاهة وآفة وممسوخ ومتشوه، ما من عقل ضيق معتل غلب عليه الكيد لهذا الدين، وأفسده تقليد الصليبيين الحاقدين ونزع به شر لؤم طبعه شر منزع، واستنزفه وأوبقه فساد خُلقه بعدما استهوته ضلالات علمانية الغرب وغوايات تفحش أنظمتها. فجاءنا في اسم المفكر العالم وهو متلبس بأفعال أهل الجهل، لن تجد له سيمة إلا في مناقضة الإسلام العظيم والإلحاد في سنة نبيه ﷺ والتطاول على شريعته. ولتجدن أحدهم وما في السفلة أسفل منه، فخذ منه الإفك والتحريف والتجديف كعلم للتفسير، والإلحاد والإنكار كعلم لأصول الإيمان، والجرأة والوقاحة كمدخل للفقه، ومع كل هذا القبح وكأنك بهم جميعا أبناء طيالسة متى نطقوا الضاد أفحشوا اللحن ومتى خاضوا في لسان العرب ولغة الوحي أتوا بمخاريق القول قوافيا.

 

فالساحة اليوم في ظل الحرب الحضارية المستعرة ضد الإسلام، تعرف سيولة فكرية جارفة استدعى فيها الغرب كل إفكه وزيفه وتجديفه وتحريفه وتلبيسه وتضليله، وأخرج من أقداحه كل أنصابه وأزلامه، واستنفر من جحوره كل ضب نتن، يبغي به فتنة المسلمين وتزييف وعيهم وهدم إيمانهم وتحطيم إسلامهم، عبر تلبيس حق الإسلام العظيم بباطل وضلالات علمانيته الكافرة الفاجرة، بتزييف مفرداته وتزوير مصطلحاته وتحريف أصوله وقواعده وضوابطه، وإعادة فرز ومسخ أفكاره ومفاهيمه وأحكامه، والمشاغبة في تحريف دلالاته ومعانيه واللحن في لغته.

 

وكل هذا الكد والجهد والسعي النكد هو لتذويب أفكار الإسلام ومفاهيمه وأحكامه في نسق الغرب المعرفي العلماني بغية علمنته (إسلام معهد راند الأمريكي "الإسلام الحداثي الديمقراطي"، وإسلام معهد التغيير العالمي التابع لرئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير بإمارات صبية زايد الأشقياء "الديانة الإبراهيمية")، ثم نخل ونسف ما استعصى تذويبه عبر بدعة وفرية وزندقة إنكار سنة نبيه ﷺ لطمس بيانه والمشاغبة والتشويش على حقائقه.

 

وها قد رمانا الغرب بكل عتل جواظ وكل متنطع متهوك وكل خواض مرجف وكل بائس غليظ الفهم، وكل لئيم خبيث السريرة وكل أفاك مدلس وكل منافق كذوب، وكل رويبضة خوان وكل حثالة عبيد الدرهم رخيصي الذمم، كل منهم يريد إسلاما على مقاس زيغه وطيشه وزندقته، والمهمة المنوطة بهم جميعا هي تمييع أفكار الإسلام ومعارفه الفكرية والثقافية، كمدخل لتجريده من قدسيته وتفرده وتميزه ومبدئيته عبر استباحة حمى وحيه ونهك سياجه المعرفي وخرم دائرة حصنه الفكري والثقافي وإحداث شقوق في بنائه التام الصنعة والتشويش على حدية أصوله وقواعده، يليه تفكيك مفردته ومصطلحه ثم إعادة شحنه بدلالات ومعان من خارج دائرته، وبعدها يكون التركيب والصياغة والتوليد بما ينسجم مع الأنساق والقوالب المعرفية العلمانية الغربية الكافرة.

 

وهذا الاقتحام لحمى الإسلام واحتلال دائرة معارفه وإحلال رؤى العلمانية الكافرة الفلسفية والثقافية داخلها، يتم عبر عملية تمويه وتعمية لإخفاء حقيقة المنتج العلماني الذي تم توليده قيصريا، ويتكفل التمييع لحقائق الإسلام وصياغة المنتج العلماني بمفردات ومصطلحات إسلامية بغية التمويه والتعمية، أي يتم توليد أفكار وأحكام علمانية المضمون والمبنى إسلامية الشكل والأسلوب (كفر مأسلم؛ علمانية محلية بلبوس الإسلام).

 

وأخطر ما في هذا التشويه الفكري والتزييف الثقافي والمسخ الحضاري هو إذاعة وإشاعة المسخ الحداثي العلماني بمفردات ومصطلحات من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية بعد أن تم تجويفها وإفراغها من دلالاتها ومعانيها، ويقدم هذا الكفر المتأسلم كفهم واجتهاد ضمن دائرة الإسلام ومن داخل حدود معارفه، ويصدر لنا ونقذف به كإنتاج من داخل فكرنا وثقافتنا وكمادة لدراستنا وتثقيفنا، وهكذا يتم إلباس رقاعة ضلالة العلمانية لبوس الشرع، ودعمها بأسناد من فقه الهزيمة وسحق الواقع، ثم تدوين غواية وكفر فلسفتها وثقافتها بمفردات ومصطلحات وتراكيب إسلامية.

 

وهذه الميوعة والتمييع يستخدمها الغرب العلماني كلغم من ألغام حرب الأفكار وكمدفع من مدافع الحرب الحضارية الكبرى للتصدي لتحدي الإسلام القاهر، غايته هدم البناء المعرفي الفريد والمتميز للإسلام ونقض أركانه وتدنيس صفائه ونقائه، واحتلال دائرة فكره وثقافته وإحلال ضلالته العلمانية محله، لتشويه المسلمين فكريا وثقافيا ومسخهم حضاريا بعد أن يئس من إقناعهم بكفر علمانيته وطريقة عيشه بعد كده النكد لقرن من الزمان خلا، ثم هو يسعى لمواجهة تحدي الإسلام القاهر لمنظومته البائسة المفلسة وحضارته المأزومة لشل حركة الإسلام المبدئية والجذرية في تغيير وجه العالم، عطفا على ذلك سعيه لطمس وطمر بديل الإسلام الحضاري العالمي الذي يتهدد كفر وضلال علمانية الغرب وجوديا. والميوعة والتمييع هي أداة تفخيخه وفعله ووسيلة زرعه للغمه، فالميوعة هي نسف للمبدئية وتلويث لصفاء الفكرة الإسلامية وتدنيس لنقائها وطمس لطريقتها.

 

فالميوعة لغة من جذر ماع، وماع الشيء سال وجرى، وقيل ماع الرجل فتر وحَمُقَ، وقيل تَمَيَّعَ الحق أي ذهب وضاع وتحول أمر المطالبة به من الجد إلى الهزل، ومَيَّعَ الفكر أفسده وحَوَّله عن مجراه الحقيقي، وهذا الذي يعنينا كمعنى في موضوعنا عن تمييع الإسلام وتحريف أفكاره وأحكامه ونقض مبدئيته وتشويه فكره وثقافته.

 

إن من أخطر ميادين الحرب الحضارية الدائرة على أرضنا من مشرق الشمس إلى مغربها هي المعارك الدائرة في فلك الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية وغايتها التفكيك والتمزيق والتزوير والتشويه والتحريف والمسخ والنسف والتدمير والهدم. والذي زاد الأمر خطورة هو التمييع الممنهج والمتعمد لقضايا الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، عبر تحطيم الحواجز الحضارية الإسلامية الحادة الصارمة والموانع الثقافية الحدية وتهشيم تلك الصلابة الفريدة والمميزة للبناء الفكري الإسلامي، وتحويل الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية إلى سوائل مائعة قابلة للخلط والاختلاط بأجسام فكرية وثقافية من خارجها (مفاهيم العلمانية الغربية هنا تحديدا)، عطفا على هذه الميوعة الهشاشة الفكرية والضعف الثقافي لمثقفي زمن الانحطاط وخريجي المدرسة الثقافية الغربية، ما جعل المعضلة الفكرية تتفاقم والتشوه الفكري يستفحل عند هذه الفئة.

 

أما وقد صار حقا وواجبا تفكيك ألغام هذه الحرب الفكرية الصليبية العلمانية وكشف فخاخها، فلا بد أولا من تأكيد حقيقة عقائدية؛ أن العقيدة الإسلامية باعتبارها عقيدة وقاعدة فكرية وقيادة فكرية فهي أساس الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية. ثانيا لا بد من تحرير المصطلحات للخروج من نفق تلك الميوعة الكاذبة الخاطئة المتعمدة لمعاني الفكر والثقافة والإسلامية تحديدا. وثالثا لا بد من وعي حاد وصارم على حقيقة موقف العلمانية من الدين، وهنا تحديدا لا بد من إدراك تام أن العلمانية حين تنظر للدين تنظر له كنقيض لها يجب استئصاله، فهي بالأصل عدو له وقامت في أوروبا على أنقاض كنيسته بعد أن حطمت سلطانها وهشمت فلسفتها، ومتى تعذر الاستئصال لجأت العلمانية إلى العلمنة القسرية للدين عبر تجريده من قداسته ثم أنسنته ليفي بالغرض العلماني، فيصبح طيعا لينا للتلاعب بنصوصه ونسف مرجعيته وشل حركته وفعله، فالعقيدة العلمانية في فصل الدين عن الحياة تستبطن استئصال الدين كغاية نهائية.

 

وعليه فمن الخلل المعرفي وعطب الإدراك تصور العلمانية تنتج معرفة إسلامية، فغزارة النصوص الشرعية والاقتباسات المعرفية الإسلامية ليست دليلا على إسلامية المنتج الثقافي والفكري، ولكن القاعدة الفكرية الأساسية المتحكمة في الفكر والثقافة هي التي تعطي للمعرفة الفكرية والثقافية لونها الخاص وهويتها الثقافية. فالصفة الإسلامية والعلمانية للفكر والثقافة ليستا وصفا اعتباطيا أو جزافيا، بل تدلان على الارتباط العضوي والحيوي بين الفكر والثقافة والمرجعية الفكرية أي العقيدة، فالعقيدة هي روح الفكر والثقافة وسر حياتهما وحركتهما وفعلهما في السلوك البشري.

 

فالثقافة الإسلامية لها مدلول معين ومتميز وخاص، فهي المعارف التي كانت العقيدة الإسلامية سببا في بحثها، وترجع الثقافة الإسلامية كلها إلى الكتاب والسنة فعنهما وبفهمهما وبموجبهما اكتسبت جميع فروع الثقافة الإسلامية. والفكر الإسلامي هو نتيجة التفكير على أساس العقيدة الإسلامية، فالتفكير بقضية أو مسألة ما هو بحث في واقعها لإعطاء رأي فيها، والرأي هنا أي الحكم على القضية والمسألة هو الفكر، ويصح القول إن الفكر هو نتيجة التفكير أي الوصول إلى رأي في المسألة والقضية المطروحة للبحث وإصدار حكم عليها. والفكر الإسلامي هو إصدار الحكم من زاوية العقيدة الإسلامية، وهذا الرأي أو الحكم يرتكز إلى وجهة نظر معينة وهي العقيدة الإسلامية تحديداً. فالعقيدة الإسلامية هي مركز دائرة الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، وهي كذلك سياج محيطها. فالعقيدة الإسلامية هي الأساس والسبب وزاوية الحكم في قضايا الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية.

 

فالصفة الإسلامية للفكر والثقافة هي البصمة العقائدية لإثبات الانتساب لدائرة الإسلام كفكر وثقافة، والعقيدة الإسلامية حاكمة وناظمة ومهيمنة على كل قضايا الفكر الإسلامي وكل معارف الثقافة الإسلامية.

 

فدائرة الإسلام لا تستوعب نقيضها ولا تهادنه ولا تتعايش معه، كما أن دائرة العلمانية الغربية لا تستوعب نقيضها ولا تهادنه ولا تتعايش معه، وكل تلك الشعارات العلمانية الجوفاء عن حرية العقيدة والرأي هي شعارات من داخل المنظومة العلمانية وليس من خارجها، فالحرية في أن تكون علمانيا أي داخل دائرة العلمانية فاركض كما تشاء ضمن المتاح علمانيا، وليس متاحا أو من تلك الحرية الموهومة نقض العلمانية وإعادة البناء على غير أسسها (فالدعوة للمجتمع الإسلامي والحياة الإسلامية والحضارة الإسلامية والخلافة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية والفكرة والطريقة الإسلامية) مُجَرَّمٌ علمانيا ويصنف في خانة الإرهاب والدعوة إلى الكراهية، ليس لأنه إرهاب أو كراهية بل لأنه نقيض العلمانية ويَتَهَدَّدُها وجوديا وكون الإسلام يمثل بديلا مبدئيا حضاريا عنها.

 

فالعلماني الغربي والمعلمن المحلي عندما يتناول قضايا الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، لا يتناولها كمادة علمية عملية تشكل عقل وسلوك دارسها، بل يتناولها كمادة للتفكيك وإعادة صياغتها علمانيا. فيؤتى بالنص الشرعي ويعمل فيه بأدوات العلمانية لانتزاع مفاهيم ومضامين علمانية مع قشرة من المفردات الإسلامية، فالنصوص الشرعية والاقتباسات المعرفية من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية في الكتابات العلمانية هي لخدمة النتائج العلمانية ولإعادة تفسير النصوص الشرعية علمانيا، والغاية العلمانية هي تذويب الدين (الإسلام تحديداً) في حمض العلمانية لإنتاج دين معلمن (على شاكلة الإسلام الحداثي الديمقراطي لمعهد راند الأمريكي، والديانة الإبراهيمية).

 

فالمعلمنون في بلاد المسلمين عربا وعجما، والمعدلون من الإسلاميين أصحاب الاعتدال والوسطية والتدرج، وزنادقة منكري السنة أولئك الذين كنوا أنفسهم قرآنيين وأصحاب القراءات العصرية والتفسيرات التنويرية، ومشايخ حظائر الاستعمار ومثقفو السلطة، وحكام وساسة الأمر الواقع، كل هذا الركام هو مجرد أداة سخرة وتوظيف في المسألة العلمانية الغربية، وعامل سخرة في وظيفة العلمنة الاستعمارية.

 

يجب كذلك أن يكون جليا بديهيا، أن حشو النصوص العلمانية بالآيات والأحاديث والاقتباسات من المعارف الإسلامية لا يلحق النص العلماني بدائرة الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، ومعيب وشنيع ما يصنعه البعض عن ضعف وهشاشة ثقافية، بإلحاق هكذا مسخ علماني وتشوه معرفي بدائرة الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية. ناهيك عن الخبثاء الذين يقحمونها كيدا ومكرا.

 

فكتابات مكسيم رودينسون وجاك برك وأركون من فرنسا والعروي والجابري وفاطمة المرنيسي من المغرب والشرفي من تونس ونصر حامد أبو زيد من مصر وإدوارد سعيد ووائل حلاق من أمريكا وغيرهم، كلها تصنف في خانة الإنشاء والإنتاج العلماني وضمن دائرة المعارف العلمانية، والجذر الفلسفي لها ومرجعيتها الفكرية هي العلمانية الغربية.

 

فمثلا لا حصرا فمكسيم رودينسون مؤرخ ماركسي فرنسي، تخصصه علم الاجتماع والدراسات الشرقية. وكتاباته "الإسلام والرأسمالية" و"الإسلام سياسة وعقيدة" و"بين الإسلام والغرب" و"جاذبية الإسلام"...كلها كتب من المكتبة العلمانية ومن دائرة المعارف العلمانية، فكتابه "محمد، سيرة نبي الإسلام" هو هدم لقداسة النبوة ونسف للوحي وليس تمجيدا للرسول ﷺ، وذلك عبر جعل النبوة إلهاما ونبوغا إنسانيا ما ينزع عن النبي طابع الاصطفاء والوحي، لأنسنة النبوة وجعلها عبقرية ونبوغا وهي عند التحقيق علمنة مبطنة، فمكسيم رودينسون هو صاحب مصطلح (الفاشية الإسلامية) لسنة 1979، والمصطلح اليوم بات من أسلحة العلمانية الفرنسية لمواجهة تحدي الإسلام حضاريا للداخل الغربي العلماني والفرنسي تحديدا، عطفا على كونه أستاذا لكثير من معلمني الدار كأركون.

 

كما أن كتابات الجابري بالمغرب ومنها كتابه التعريفي "مدخل إلى القرآن"، ثم كتابه "فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"، فالشيء الذي يجب أن نذكِّر به أن المنهج الذي اتبعه الجابري هو منهج معروف في خطوطه العامة، وقد أشار هو بنفسه إلى أن فكرة تفسير القرآن وفقاً لترتيب النزول التي تعود إلى المستشرق الفرنسي ريجس بلاشير الذي قام بترجمة "معاني القرآن" إلى الفرنسية (1947-1950)، وكذلك على أساس ترتيب النزول الذي وضعه شيخ المستشرقين الألمان ثيودور نولدكه، والرجوع إلى مؤلَّف "تاريخ القرآن" لنولدكه يوصل إلى نتيجة فاضحة أن مشروع الجابري التفسيري هو نسخة ركيكة معدلة لمشروع نولدكه الاستشراقي العلماني.

 

كما أن كتابات فاطمة المرنيسي الجدة الأولى لنسويات بلاد المغرب، التي صيغت عقليتها في معقل العلمانية الفرنسية الأول جامعة السوربون واستكملت علمنتها بجامعة برانديز الأمريكية، وتخصصت في باب من أخطر أبواب الفكر العلماني الغربي باب "علم الاجتماع"، والمرأة لا تخفي علمانيتها فانخراطها المبكر في الحركة النسوية شاهد على ذلك، فالنسوية منتج علماني غربي صرف وهي أداة من أدوات العلمنة، فهي نشر لمفاهيم العلمانية كمطالب لنساء المسلمين، فهي غزو ثقافي علماني يستهدف نساء المسلمين. وفي انسجام وتماهٍ تام مع علمانية الغرب التي شكلت عقليتها اقترحت المرنيسي التصور الحضاري الذي تستهدف تحقيقه على أرض الإسلام ورغما عن أهله وضمنته كتبها، كتابها "الخوف من الحداثة: الإسلام والديمقراطية" وكتابها "الملكات المنسيات في الإسلام"، إذ تقول "فلكي يقع تحول في بنية المجتمع التقليدي ينبغي أولا تغيير شروط العلاقة بين المرأة والرجل، فالحداثة في جوهرها تغيير في نمط العلاقات والانتقال بها من التبعية إلى الشراكة، وكل محاولة تغفل ذلك مصيرها الفشل، ولهذا ثمة خوف من الحداثة لأنها تقوض النمط التقليدي من العلاقات وتقترح نمطا مختلفاً"، فالمرنيسي تفصيلة في مشروع علماني أكبر منها وسِنّ في دولاب ماكينة العلمانية الغربية، فالمرنيسي هي النموذج الصارخ الفاضح للمثقف المعلمن، والذي يوظف ويستعمل كمعول هدم وفأس تحطيم من الداخل.

 

فمُعَلْمَنُ البلاد الإسلامية عندما يسوق النص الشرعي ليس غايته استنباط الحكم الشرعي منه وليس في حكم الوارد عنده، ولكن الغاية هي تأويل النص علمانيا خدمة للنتيجة العلمانية المقررة سلفا، وعليه فالانتقائية والاجتزاء والتلفيق والتأويل الفاسد والتحريف المتعمد والفتاوي الشاذة بل وحتى الكذب الفاضح هي أدوات المعلمن العربي لتطويع النصوص للرؤية العلمانية الحاكمة والناظمة لعقله المعلمن. فَهَمُّ المعلمن المحلي هو تحقيق الغلبة للعلمانية الغربية وأقصى أهدافه هو علمنة حياتنا وليس أسلمتها.

 

يجب أن يكون معلوما أن المنتج الفكري والثقافي هو فرع عن جذره الفلسفي ومرجعيته الفكرية، فهو نسق في منظومة فكرية منها تَخَلَّق ولأهدافها وغاياتها تَحَقق، فإغفال الجذر الفلسفي والمرجعية الفكرية هو ضرب من الجهالة الثقافية، ولن يستقيم معها فهم أو حكم، فالاعتناء والاهتمام بالجذر الفلسفي والمرجعية الفكرية ليس ترفا فكريا أو حاشية في موضوع، بل هو شرط أساسي وحتمي لفهم المسألة الفكرية والثقافية، ومتوهمُ غير ذلك هو أخبط من حاطب ليل.

 

فالرؤية المبدئية الجذرية حين النظر إلى قضايا الفكر والثقافة هي صمام الأمان من الانزلاق إلى هاوية الانحراف الفكري والتشوه الثقافي والمسخ الحضاري، والرؤية المبدئية بالنسبة لنا معشر المسلمين هي من زاوية العقيدة الإسلامية حصرا وقصرا. فالعقيدة الإسلامية عقيدة عقلية تستند إلى العقل في إثبات أجوبتها عن الأسئلة الكبرى، وأجوبتها يقينية قطعية مقنعة للعقل وهذا الأساس الفكري المتين يشكل قاعدة فكرية أساسية تبنى عليها كل الأفكار وتنبثق عنها كل أنظمة الحياة، وتقود من يعتقدها إلى وجهة نظر معينة ومحددة ومتفردة وإلى نمط عيش فريد ومتميز، وإلى الحكم على الأفكار والوقائع والأحداث من منظور يقيني قطعي لا يتخلله ريب أو شك، فهذه العقيدة عالجت المسألة الفكرية عند الإنسان وجعلت له قاعدة فكرية يقينية قطعية بها يعقل الأفكار فيتقي الفاسد منها فيأمن زلل الفكر ويظل صادق الفكر سليم الإدراك.

 

أخي المسلم: اعلم أن عقيدتك هي نور هديك وعنوان مبدئيتك ومخ عقلك وروح فكرك وثقافتك وقلب نفسيتك وأمشاج شخصيتك وجوهر تقواك وأساس استقامتك. وأن هذا الكفر المتأسلم وهذه العلمانية الكافرة المتلفعة بخمار الإسلام هو الكمين الذي نصب لك لنسف دينك والخطر الماحق الذي يتهدد عاجلتك وآجلتك. وخطورة الكمين في الأدوات التي تكفلت بسوقه لك من معلمني الدار من بني جلدتك، وأخطرهم نكاية المحسوبون على دائرة الإسلام حركات وأفرادا أصحاب دعوة وساسة، ففعلهم في الناس أشد نكاية وفتكا، والذي زاد من شر نكايتهم أن مظاهرهم وألقابهم وسيماتهم المطبوعة والمصبوغة بالكهنوت ألبستهم ثقة الناس، فنفوا بها ريب قلوبهم وصدقوهم فيما يأفكون، وما أمر حركات الإسلام المعتدل وتدركها نحو القاع العلماني وعلمانية أردوغان المتلفعة بالكهنوت عنا ببعيد!

 

فاعلم يرحمك الله أن المبدئية إخلاص واستقامة على صراط الإسلام المستقيم وفيها النجاة والفوز بمرضاة رب العالمين، والميوعة انحراف وتفرق سبل وتيه في متاهات الغاوين وبها الخسران المبين ومجلبة لغضب وسخط رب العالمين.

 

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع