الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

السفارات بين الأمس المشرق واليوم التابع الخنوع

 

أعلن مصدر حكومي لصحيفة التغيير يوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020م أن الحكومة الانتقالية تعتقد أن بعض التصريحات الصادرة من السفير البريطاني عرفان صديق تدخلٌ في الشؤون الداخلية وفيها تجاوزات للأعراف الدبلوماسية. ودرج صديق على إطلاق تصريحات صحفية بين الفينة والأخرى إلى جانب نشر تغريدات على حسابه الشخصي في تويتر عن الوضع في السودان.

 

وكان السفير البريطاني أكد في حوار مع صحيفة الديمقراطي الأربعاء، أن بريطانيا لن تدعم السلام ما لم تلتحق حركتا عبد الواحد نور، وعبد العزيز الحلو، بالعملية السلمية، كما صرح قبل شهور حول ضرورة تكوين المجلس التشريعي في السودان، وكرر التصريحات نفسها في مقابلته مع صحيفة الديمقراطي الصادرة في العاصمة السودانية الأربعاء، وأشار المصدر في تصريح لـ(التغيير الإلكترونية)، أن وزارة الخارجية تتابع تصريحات السفير البريطاني عرفان صديق عبر إدارة الشؤون الأوروبية بالخارجية وتابع: "سنرى رد الإدارة الأوروبية لكن تصريحات السفير البريطاني في بعض الأحيان فيها تجاوزات للعرف الدبلوماسي".

 

في مطلع العام الحالي غرد السفير البريطاني على تويتر وكشف عن مسودة قرار ألماني بريطاني حول بعثة الأمم المتحدة القادمة إلى السودان ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد. وفي العهد البائد كانت السفارة الأمريكية تقوم بدور الوصي الخفي على نظام الإنقاذ عبر البيانات التي تصدر ثم يعقب ذلك قرارات حكومية لتنفيذ الأوامر، أما اليوم فالسفير البريطاني يصول ويجول علنا بقراراته التي جعلت من حكومة حمدوك مهزلة ومدار سخرية.

 

إن التصريحات المستفزّة والتدخل السافر الذي ظل يمارسه السفير البريطاني بالخرطوم متجاوزاً فيه الأعراف ومتطاولاً على هيبة الدولة تارة بالتصريح وأخرى بالتجريح وبالتطاول السافر، تنمّ عن ضعف وخور حكومة الفترة الانتقالية التي سلّمت رقبتها للسفير البريطاني الذي أصبح يقوم بدور الحاكم العام البريطاني، تماما كما في الاستعمار.

 

إن القوانين والغايات التي فرضت وجود السفارة اليوم، لا تتناسب مع الواقع الحقيقي لوجودها، وخصوصاً أن الغاية منها متابعة رعاياها والمقيمين في البلد، وهذا لا يجيز أن تكون سفارة البلد هي الحاكم العام للبلد المضيف، ورغم أن المهام الموكلة للسفارة حسب القانون الدولي تبدو طبيعية ولا تعارض سيادة الدولة، إلا أن تفاصيل ذلك القانون ينتزع السيادة من الدولة لتكون السفارة مستوطنة كاملة الصلاحيات، ووكراً للتآمر على الدولة المضيفة.

 

وقد جاء في القانون الدولي الآتي:

 

 تعتبر سفارة بلد ما (أ) في البلد (ب) جزءا من التراب الوطني لـ(أ) حيث لا يمكن لأي فرد من دولة (ب) الدخول إلى السفارة بدون ترخيص من البلد (أ). حتى إن السلطات الأمنية من الدولة (ب) لا تمتلك حق تفتيش السفارة أو القيام بأي تدخل داخلها، وأي مخالفة لهذا القانون تعتبر تعديا على سيادة الدولة (أ).

 

هذا القانون ينسف مفاهيم الاستقلال ولا يقيم لها وزنا، خاصة إذا أشيع عن الاستقلال المزعوم أنه اشترط فيه من أي دولة أخرى شرطاً يعتبر استقلالاً مشروطاً وغير تام، فيتضح أن واقع السفارات يجعل من الدول غير تامة الاستقلالية، وخصوصا عندما ينص القانون بتعبيره "إن السفارة موقعها جزء من تراب الوطن للدولة الأخرى"، وهذه يترتب عليها تبعات كثيرة أهمها الخروقات والتجاوزات، وبذلك تكون السفارة بمفهومها المعمول به ضرباً لسيادة الوطن في الصميم.

 

إن القوانين الوضعية التي سنتها الدول المستعمرة، كانت عبارة عن قوانين تضمن بقاء سيطرتها ونفوذها بجعل القانون الدولي يخدم مصالحها فيربط الدول الضعيفة بتنفيذ القانون الدولي الذي جعلها مستعمرة فعلياً.

 

لقد كانت السفارات تاريخياً أكثر من مجرد وفد يرسله خليفة المسلمين، بل كان صاحب السلطان يحرص على أن يرسل الهدايا والطرائف التي تختص بها بلاده، وأحسن ما توصلت إليه صناعاتهم من أدوات وآلات، كما كان يحرص إذا استقبل سفيراً أن يكون مجلسه في منتهى الفخامة والأبهة والزينة ليقع في قلب السفراء مدى عظمته، فيحقق بالرهبة والهيبة ما يحتاجه في ميدان الحرب والتفاوض، وعندما سطع نجم المسلمين وصاروا قبلة العلوم والمعارف اشتهر عدد من هذه السفارات منها سفارة هارون الرشيد وهديته "الساعة العجيبة" إلى شارلمان ملك الفرنجة.

 

وفي كثير من السفارات الواردة إلينا في كتب التاريخ كانت تجري بين الوفد وبين البلاط مساجلات دينية وعلمية وأدبية كذلك، فلهذا اقتضت السفارات وجود معرفة بهذه الأمم، ولهذا كان السفراء ممن لهم باع في العلوم والفنون والآداب، ومن ثَمَّ وفرت السفارات والعلاقات السياسية مساحة واسعة للمعرفة بالغرب لدى المسلمين، ولئن كان كثير من أنباء هذه السفارات لم يصلنا لأنه لم يكتب لينشر على الناس، أو كتب وفُقِد، فإنه يكفينا في هذا المقام الذي نرصد فيه معرفة المسلمين بالغرب أن نعرف أنها أضافت في حينها معلومات مهمة.

 

إن قوة وهيبة الدولة تنبع من قوة مبدئها الذي تعتنقه، ولما كانت الدولة الوطنية تابعة للغرب الرأسمالي أصبحت دويلات بلاد المسلمين ولايات تابعة للغرب يخطط وينفذ ما يريده عبر سفاراته التي تعد الآلية الأساسية للاستعمار اليوم... وإذا أردنا قوة وهيبة وعزاً، فبعز الله يعز المؤمنون بإقامة سلطان المسلمين؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة ترفع عنا التبعية والذل... ففي عصر الخلافة الراشدة وخلال الفتوحات جرت كثير من السفارات بين المعسكرات، وكانت مهماتها تنحصر في الغالب في الاتفاق على إنهاء القتال، وجرت في هذه السفارات نقاشات وأسئلة متبادلة انصبت على اختلاف الدين وعلى أحكام القتال، واطلع كل فريق على ما لدى الآخر من رسوم وأحوال.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – السودان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع