الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  الأمة ما بين العواصف السياسية والعواصف الفكرية  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الناظر اليوم إلى عواصف الفتن والاختلافات التي تضرب المسلمين، ليشعر بالحزن والأسى، إذ كيف يتفرق أبناء أمة الإسلام، ودينهم واحد وكتاب الله الكريم الهادي موجود بينهم، وسنة نبيهم محفوظة لديهم.. كيف حصل ذلك لأمة قد أمرها خالقها بالاعتصام بحبله في قوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾؟! وأمرها باللحمة ونهاها عن الفرقة والتمزق، في حين كان لزاما عليهم أن يجتمعوا على كلمة واحدة، ويعتصموا بعروة جامعة، متعاقدين بعقد واحد، ليكونوا درعا واقيا أمام قدرة أعدائهم على النيل منهم، أو تسلط الحاقدين عليهم وعلى دينهم، متحاكمين جميعا إلى كتاب واحد وسنة واحدة.


فهم بذلك يستطيعون أن يفوتوا الفرصة على كل من يريد زعزعة أخوتهم، أو النيل من دينهم، وتشويه فكرهم وثقافتهم، فلا نترك مجالا لابن سبأ جديد يفتن الأمة ويؤلّبها على بعضها، ويشحذ الفتنة والعنصرية بين أطيافها، محاولين نزع رابط العقيدة من بين أبنائها، وزرع الطائفية وإخماد روح التعاضد واستنصار بعضهم بعضا حينما تلم بهم الملمات! وصدق الشاعر حينما قال:


تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا


ولكن كيف لهم ذلك وهم عرضة للأحقاد والمؤامرات والضغائن التي تكاد لهم، وتدبر للنيل منهم، حتى لا تقوم لهم قائمة، فإن تصدوا لعاصفة فكرية، توالت عليهم العواصف السياسية والعسكرية، حتى يبقوا منشغلين في رد وصد الهجوم، فتضيع جهودهم، وتتبدد مقدراتهم، وتنهك قواهم، وتخر عزيمتهم، فيبقوا في نفق الدفاع محصورين مخنوقين، عوضا عن وجودهم في خندق الهجوم والاستماتة لاستعادة مكانتهم وصد الهجوم عن دينهم وعقيدتهم وإرجاعها لتتولى الصدارة والسيادة على العالم أجمع...


فالأمة الإسلامية اليوم قد تلاطمتها الأهواء، وتقاذفتها الأيدولوجيات، وتداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، ونبت بين ظهرانيها من صار معول هدم لأسسها وثوابتها، مما أضحى أسرع في إفساد القلوب والعقول من النار في يبيس العوسج، لذا أصبحت الأمة أحوج ما تكون إلى لأم ما تمزق من أديمها، وإرجاعها إلى ينابيعها الأصلية، المتجسدة في كتاب ربها، وسنة نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام...


فلا يأخذنا اليأس والعجز ونتثاقل عن العمل لتغيير حالنا واستعادة مكانتنا بحجة أن الواقع اختلط علينا، وأن ديننا التبس وأصبح صعبا على أفهامنا! ويكاد ذلك عند البعض أن يكون صحيحا، فإن الغرب وأعوانه من أبناء جلدتنا ومثقفينا ومفكرينا من المضبوعين والمبهورين بالغرب وفكره لا يألون جهدا في سلخ الأمة عن مبدئها، وتغيير وجهتها الفكرية والثقافية والعقدية، لتبقى لقمة سائغة لهم لينهبوها بكل مقدراتها، بشرية كانت أم مادية، ولكن أنى لهم ذلك، فكل النظم البشرية التي تعاقبت على الدول والأمم، احتاجت إلى مُددٍ غير يسيرة قد تستغرق عقودا لتحويل وجهة الفكر والعقيدة والثقافة إلى غير وجهتها، دون أن تحقق مبتغاها المنشود، إذ ما بني على العقل البشري الضعيف لا يمكن أن يصلبّ عودُه، ولا أن يستقيم أوَدُه، فالقضية ليست وضع مخطط لبناء محصور، بل هي قضية فكر بشري، وهمٍّ إنساني، بغية تغيير بنية أمة، وتصحيح مسار أجيال، فعقل البشر مهما صاغ من أنظمة، ومهما شرع من قوانين لقيادة البشرية والسيطرة عليها سيطرة طبيعية دون إجبار أو استعمار أو استغلال فلن يفلح ولن ينجح في ذلك؟؟! فأي منهج وأي فكر يؤدي هذا الغرض، ويمكنه تحقيق الهدف، ويشمل بنجاعته الزمان والمكان إلا أن يكون وحي السماء، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!


فعلينا أن ندرك في هذ الفترة الحاسمة أن سير الهجمة الغربية لم يعد سيرا عاديا، بل أصبح سيرا سريعا جدا لا يختلف عن الهرولة كثيرا. متخذا ومستغلا كل وسيلة ممكنة لتوصله لهدفه وإنجاحه، فكيف بنا ونحن أصحاب الحق وأهله، كيف نرضى بأن نكون ممن بطؤ سيرُه، وتضاءلت وتقهقرت خطواته وتثاقلت، أفلا يترتب علينا أن نسير بسرعة أكبر ونبذل جهدا أعظم ليكون لنا السبق، فنتقدم الركب لا تابعين مقودين لا تأثير لنا ولا رأي؟


فكم هو مؤسف حقا تتابع وتوالي هذه الحوادث المزعجة، فلا ننتهي من مشكلة وقضية، إلا وتتبعها أخرى أشد وطأة من سابقتها، وأكثر صخبا وضجيجا وانفلاتا، والتي يقصد منها أن تشغلنا جميعا عن الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى، المهمة والجوهرية، والأكثر إلحاحا وضرورة لنا، وكأن هذه الفلتات والفتن السوداء، وقانا الله شرها، مؤامرات تغزونا عن سابق تصور وتصميم، وضمن سياق يخدم مشاريع مشبوهة، تضع الأمة في عين العاصفة وخطر الفتنة المدمرة، من أجل حرفها وإبعادها عن التركيز والاهتمام بقضاياها الرئيسية، التي تحدد مصيرها ومستقبلها وموقعها في هذا العالم.


فكيف بنا نحيا والموت يصول ويجول في شوارع الأمة.. كيف نهنأ بعيش وأعداء الأمة يصولون ويجولون في بلاد الإسلام يقتلون ما يقتلون من نساء وأطفال، شردوا الأمة وأنهكوا قواها، نهبوا خيراتها ومقدراتها، وأقاموا فيها أنظمة لا تمت للأمة بصلة..


فيا خير أمة أخرجت للناس.. بالله عليكم كيف تهنأون بالعيش وهذا حالكم! أمن قلة أنتم! أم أن الغرب نجح في تخديركم وإنهاك قواكم! الله الله نناشدكم في دينكم، وفي أمتكم، وفي بلادكم ومقدراتكم!! إن لم تستفيقوا اليوم وتركبوا موجة التغيير؟ فمتى؟! ماذا تنتظرون؟ الحرمات انتُهكت، والأرواح أُزهقت، والثروات بُدِّدت! ماذا بقي لتعصفوا بالعروش على رؤوس مغتصبيها! فتحدثوا ثورة حقيقية وعاصفة جذرية تنتج تغييرا حقيقيا تشفى به الصدور، وتفرح له القلوب، ويتحقق به وعد الله المنشود.


﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾


اللهم اجعل ذلك اليوم قريبا عاجلا غير آجل.. يا الله..


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رائدة محمد

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع