المحاكم العليا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في خضم التجاذبات السياسية بالبلاد والواقعة تحت عملية الثورة المضادة نلاحظ أن هناك محاولة لتسخير جل مؤسسات الدولة ومنها المحكمة الإدارية أو الدستورية كورقة استعمارية لإنقاذ الأنظمة الحاكمة، ومحاولة الهيمنة الغربية للجوء إلى أساليب جديدة لسرقة الثورات، فكانت المحاكم الدستورية أو المحاكم العليا هي الحل، فالمحكمة الدستورية المصرية حكمت ببطلان الانتخابات قبل يوم واحد من انتخابات الرئاسة، كما يرد الطعن فيما يسمى بالعزل السياسي، وكذلك المحكمة الدستورية الكويتية عندما فاز الإسلاميون حكمت بإعادة المجلس السابق بحجة أن الأمير أخطأ حين عين رئيسا جديدا للوزراء، وكذلك المحكمة الدستورية التي أقرت ببقاء الرئيس التركي عبد الله غول إلى 2014 مرده التعديلات التي أيدها حزب العدالة والتنمية.
فالأصل في المحاكم أن توجه هي الاتهام وأن يكون القاضي صاحب المهابة ولكن هذه الأنظمة الوضعية قد خدشت وقاره ومكانته في عدة أمور:
الإهانة القانونية
إن سند القاضي في إصدار الحكم هو النص المعتمد، أي منشأ القوانين العامة والخاصة، وبذلك تثبت سيادة مرجعية الأمة، لا أن يسيد نواب أو بعض ممن يضعون القوانين بحسب الميولات الخاصة ومصالح الشركات الناهبة، هذه القوانين التي هي عرضة للاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة تحقر الناس وتجعل منهم فئران مخابر تجرب عليهم بوضعهم في ظروف وعوامل غير ظروفهم وعواملهم الأصلية، ففي تونس مثلا عندما أوقفت المحكمة الإدارية رواتب النواب بالتأسيسي بحكم إجحافها، فما كان من التأسيسي إلا أن غير القانون وتمتع بإكراميات ليست من حقه، وبهذا أصبح القاضي مقيدا بقوانين لرغبات شخصية لا أن يكون حكمه باتا بقانون يلزم الجميع.
الأصل في القضاء أن يكون جهة إثبات الاتهام لا العكس، فالأنظمة الحالية أفرغتها من وضعيتها الأصلية وجعلت منها مجرد مؤسسة وظيفية ومحلاً للتجاذبات ومحاولة من البعض لتطويعها، ولاحظنا أن بعض الجمعيات تنتقد تعيين أحد القضاة وكيلا للمحكمة، فغياب الدور الطبيعي للدولة جعل البعض من الجمعيات والنقابات وغيرها ممن يسمون بالمجتمع المدني تأخذ محل الدولة، وهذا من شأنه أن يربك عمل القضاء بجعله مجرد وظيفة تخضع لأوامر ونواهي بعض المؤسسات في حين أنه مهمة لا يحق لأي جهة التسلط عليها ما عدا النص الشرعي، والدولة التي تعينه لا تقدر على عزله في أمر يتعلق بها.
إن هذه الأنظمة تقلل من شأن القضاء بأن جعلت حكمه قابلاً للاستئناف والتعقيب، أي ابتدائياً وضعته في حكم الفقيه أو المفتي بصورة تناقض ما عرفه الفقهاء بأن القضاء هو إخبار بالحكم على سبيل الإلزام.
فنجد أن الدولة لا تنفذ العديد من الأحكام الصادرة في حقها، باعتبار أن النظام الرأسمالي بشكله ومضمونه يخالف طبيعة ما يجب أن يكون عليه القضاء، فالقضاء هو ملجأ للناس ينشدون منه العدل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليم بن صميدة
عضو اللجنة المركزية لحزب التحرير في تونس