الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

لنستثمر رمضان في فهم الإسلام فهما صحيحا والعمل بكلّ ما جاء فيه

 

 

لقد مورست على أمة الإسلام طوال عقود صنوف من التضليل والتحريف والتبديل بُغية طمس دينهم وصرفهم عنه، ولكن يعود رمضان علينا كل عام ليؤكد أنّ الخير لا يزال كامناً في الصدور وأنّ الغبش الذي ران على قلوب المسلمين إلى زوال بإذن الله، خصوصا إذا ما تضافرت جهود الواعين على مفاهيم الإسلام النقيّة ومعالجاته وغذّوا السير نحو هدفهم ألا وهو مرضاة الله.

 

إنّ من الغبش الذي لا بد للمخلصين من أبناء الأمة الإسلامية العمل على إزالته هو اقتصار غالبية المسلمين على الجانب الروحي والأخلاقي دون سواه من الإسلام والاكتفاء به، ويظهر هذا الأمر جليا كذلك في رمضان بإقبالهم على الصلاة والصيام والقيام ومسارعتهم لتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار وبذل الصدقات واقتصارهم على ذلك، أيضا الأمر يظهر في غير رمضان في التصور الخاطئ بأن المسلم الملتزم هو فقط الذي يواظب على صلاته ويسلم الناس من لسانه ويده.

 

إنّ الإسلام الذي جعله الله خاتم الأديان قد أرسله ليصوغ كل مناحي الحياة، ولذلك عمد الرسول ﷺ إلى إقامة الدولة الإسلامية وحمل هو والصحابة الكرام الدعوة باذلين الغالي والنفيس في سبيلها، فكان رمضان عندهم شهر الطاعات والفتوحات، شهر القرآن والفرقان، فيه تلهج ألسنتهم بالدعاء وتلاوة الآيات وتبذل أرواحهم رخيصة في الجهاد وإعلاء كلمة الله ونشر الدعوة، فجمعوا بين الجوانب الروحية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الجوانب التي لم يترك الإسلام فيها أي ثغرة دون بيان الحكم الواجب العمل به، فبان غرس الإسلام وأزهرت الأرض بتحكيم شرع الله، وكانت للمسلمين شوكة ومنعة ورسالة جعلتهم تتجسد فيهم الخيرية والشهادة على بقية الأمم.

 

ثم تغير الحال بعد ذلك وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، بل أضاعوا تطبيق نظام الإسلام في كل مناحي الحياة، وغدت الأمة الإسلامية مكشوفة الصدر لسهام أعدائها الذين هاجموا الأحكام الشرعية ووجهة النظر الإسلامية للحياة وألبسوا الحق بالباطل بالكذب والتلفيق والتزوير.

 

ونتيجة للهجمة الفكرية الغربية وقلة الوعي ضعف فهم الإسلام في أذهان المسلمين وصار الدين روحيا كهنوتيا محصورا بين زوايا المساجد وفي مكارم الأخلاق، وغيضت بقية أحكام الإسلام العظيم وغفل الناس عنها، ولهذا يجب على من كان همه مرضاة الله في هذا الشهر الفضيل أن يشمر عن ساعده بادئ ذي بدء لفهم حقيقة دينه فيُقبل على الطاعات ويسارع إلى الفرائض كما أمر بها الله، لا أن يتخير منها ما يشاء فيأخذ البعض ويُعرض عن البعض الآخر.

 

إن من أعظم الفروض التي أمر الله بها هي إقامة دولة تحكم بالشرع وتحمل دعوة الإسلام إلى العالم، فعلى المسلم أن يعي جيدا أنّ الاشتغال بالسياسة أي رعاية شؤون الناس هو عمل نبينا ﷺ وأنّه عبادة، وأن السياسة ليست مكرا وخداعا وميكيافيلية ونجاسة تدنس الدين كما عمد الأعداء على تصويرها، بل هي سبيل إعادة الأحكام التي تشمل النظام السياسي والاقتصادي وكل ما من شأنه أن يعيدنا كما كنا أمة ذات سيادة وسلطان، مزدهرة بشرع ربها ورسالته المبعوثة رحمة للعالمين.

 

إذن لا بد من التلبس بالعمل مع العاملين لنصرة الدين وإعادة تفعيله في الحياة لمن كانت بوصلته توجهه الاتجاه الصحيح في درب الالتزام بأوامر الله ونواهيه، ولا يوجد أفضل من رمضان لإعلان التوبة ومعاهدة الله على المضي قدما في درب الطاعات والقربات.

 

ولا بد من السعي الجاد لتمحيص المفاهيم الإسلامية والمسارعة في الخيرات وحمل الإسلام حملا قويا مؤثرا ليصبح المسلم صالحا مصلحا لمن حوله، يجده الله حيث أمره ويفتقده حيث نهاه.

 

فليس من الإسلام في شيء أن ينشغل كل امرئ بإصلاح نفسه ولا يقوم بما فرضه الله من أمر بمعروف ونهي عن منكر وانشغال بما من شأنه عودة حكم الإسلام.

 

إنها لأنانية مقيتة أن ينشغل المسلم بنفسه ولا يهتم لإنقاذ غيره، أنانية ما وجدناها عند نبينا الأكرم ﷺ وصحابته الكرام لنقتدي آثارهم، بل إنّ الأدلة الشرعية تنص على عكس ذلك؛ فقد أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجب الأخذ على يد الظالم، وحذّر من هلاك المجتمعات إذا كثر فيها الخبث رغم وجود الصالحين فيها، ولنا في حديث السفينة كل العبرة إذ قال ﷺ: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً» رواهُ البخاري. فالحديث ينصّ بوضوح على أنّ نجاة المجتمع تكون عند تواصيهم بالحق والأخذ على يد المسيء.

 

فاللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين العاملين لنصرة الدين، واجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، واجعلنا ممن يتجسد فيهم الإسلام قولا وعملا وممن يبيع نفسه ابتغاء مرضاتك، اللهم اجعلنا من جنود دولة الخلافة وشهودها، ولا تتوفنا إلا وأنت راض عنا، وأعد علينا رمضان وقد رفرفت راية الإسلام خفاقة عالية. اللهم آمين يا رب العالمين.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منّة طاهر

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع