الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

العنف ضد المرأة بمنظور شرعي

 

نظمت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، بالتعاون مع مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان، جلسة حوارية لمناهضة العنف ضد المرأة في الأردن، وتضمنت الجلسة التي تأتي في إطار حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة حلقة شاركت بها الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، ومديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن، والمنسقة الإقليمية للنوع الجنسي في المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان ومدير إدارة حماية الأسرة.

 

تناقلت وسائل الإعلام موضوع العنف ضد المرأة، والذي تتصدر فيه الخطاب الجمعيات النسوية، بإشراف وتوجيه من الأمم المتحدة ومن نساء حملن لواء إخراج المرأة من عفتها وخدرها وراحتها، بحجة حرية المرأة، والبحث عن حقوقها التي تاهت في زحمة البعد عن حكم الله وشرعه، وتتبع خطا شياطين الإنس من الغرب الذي تنتشر فيه الرذيلة والفاحشة والجريمة وخاصة ضد نساء ليس لهن إلا ما كسبت أيديهن؛ يخرجن في عمر صغير في مدن اجتاحتها الجريمة التي تحسب بالثواني، من عنف واغتصاب، وقتل لتلك الضعيفة الجناح، وأرادوا بخبثهم أن ينقلوا هذه الصور، إلى بلادنا من خلال نشر النظام العلماني وفصل الدين عن الحياة، وبالتالي أصبحت المرأة التي كانت أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان، تجري وتلهث في تقليد تلك الصورة المشوهة، عن المرأة الغربية.

 

ولو عدنا إلى شرع الله فسنرى كيف كرم المرأة ورعاها؛ بنتاً وأماً وزوجة وأختاً في جميع مراحل حياتها، كما كرم الإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم﴾، وممّا لا يخفى على ذي لب ما لقضية العنف ضد المرأة من أهمية كبيرة في القرآن الكريم الذي أكرم المرأة ووضعهـا في أعلى درجـات الاحترام والسموّ.

 

والعنف كمفردة يحمل في معناه أوجهاً متعددة؛ منها ما تدلل على مفاهيم العنف في القرآن، علماً أنها تتنوع من جهة المدح والذم، منها:

 

- القوة: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ كما ينبغي التفريق بين استخدام القوة لرد العدوان فتسمى حينها دفاعاً، واستخدامها لضرب الآخرين بغير حق فيسمى عدواناً.

 

- ومن مرادفات العنف أيضا الإرهاب: قال تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ﴾ وردت في القرآن الكريم بمعنى الخوف.

 

- ومن مرادفات العنف الجهاد: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ وغير ذلك من المفردات القرآنية التي تحمل في معانيها دلالات العنف سواء أكان الممدوح منه أم المذموم.

 

وإلى جانب ذلك، فقد أوجب الله تعالى العدل وحرم الظلم، ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾.

 

 وقد تناول الفقهاء، معنى العنف فقهياً تحت مصطلح الإكراه، من دون استعمال مصطلح العنف إلا حديثاً، إذ عرّف الإمام جمال الدين الأسنوي الإكراهَ بأنَّه: "إلزام الشخص شيئا على خلاف مراده".

 

أما بالنسبة للمرأة، فقد ذكر القرآن الكريم المرأة مراراً وتكراراً، وكرمها وسمى سورة كاملة باسم سورة مريم، وأخرى سورة النساء. قال تعالى مكرماً المرأة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾.

 

وقد جعل الله تعالى المرأة قدوة لأهل الإيمان يقتدى بها، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وفي هذه الآيات دلالة واضحة، على تفنيد شبهة الخطاب الذكوري للفقه الإسلامي وغيرها من المطاعن التي توجه زوراً نحو القرآن الكريم بهضم حق المرأة والإقلال من شأنها.

 

أما مسألة المساواة بين الرجل والمرأة، التي صدعوا بها رؤوسنا وهم أصلا لا يعملون بها، ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ ولكن آيات القرآن أوضحت التساوي في الحقوق، ومن الآيات العامة التي وردت في تأكيد حقّ المرأة، خاصة على الرجل قول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ والمعنى: أي للنساء على الرجال من الحق، مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه من الحقوق والواجبات، بالمعروف. وكثيرة هي الأدلة في القرآن العظيم التي تدل على ذلك.

 

 وأما صور العنف المنهي عنه في القرآن الكريم، فهناك آيات عدة دلت على نبذ العنف تجاه المرأة وإيذائها، مؤكداً على إكرام المرأة والنهي عن إيذائها. قال الله تعالى‏:‏ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾.

 

والنهي عن الإيذاء القولي: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. تؤكد الآية الكريمة على صون المرأة من الكلام الفاحش والبذيء والسخرية.

 

وكذلك النهي عن إيذاء المرأة في سمعتها: قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ فالآية الكريمة تبين عظيم هذا الجرم، لما فيه من عظيم الضرر على المرأة، ولذلك كانت العقوبة عظيمة في حق من يعتدي على سمعة المرأة، تتناسب مع عظم تلك الجريمة.

 

وأما من يحاول الإيهام بوقوع العنف تجاه المرأة في القرآن الكريم: فمن أهم الآيات التي ينطلق منها الجهال والمغرضون لاتهام القرآن الكريم بالعنف تجاه المرأة، ما جاء في سورة النساء من آيات تقرر مفاهيم القوامة للرجل، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ والقرآن الكريم لم يقل الرجال سادة على النساء في دليل آخر على تكافؤ هذه الأسرة وتعاونها، إذ القوامة هنا تدور معانيها ومراميها حول القيادة الرشيدة والرعاية المحبة للأسرة، ولا تعني بأي حال الاستعلاء أو الإلغاء، أو الاعتداء على المرأة أو غيرها، من أفراد الأسرة.

 

 وفي حالة الشقاق أو الاختلاف بين الزوجين رتب الشرع حل هذه المشاكل على النحو التالي:

 

1ـ حسن النصح والوعظ

 2 ـ الهجر في المضاجع

3 ـ الضرب غير المبرح

4ـ تحكيم حكم من أهله وحكم من أهلها للإصلاح،

5 ـ الطلاق حين تنتفي جميع مراحل الإصلاح؛ التطليقة الأولى بطهر مرة واحدة ولا تخرج المرأة من دار زوجها وللرجل أن يراجعها في عدتها، وغيرها من الأحكام التي تقلل من إمضاء الانفصال بين الزوجين، قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾.

 

ومن تقدير ديننا العظيم للمرأة، أن كانت آخر وصايا النبي ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً».

 

لكن حذرنا من ممارسة العنف ضدها، ونهى عنه، ومن هذه الصور للعنف المنهي عنه في القرآن الكريم:

 

النهي عن ظلم الزوجات: أكد القرآن الكريم على العدل بين الزوجات واجتناب جميع مظاهر الظلم من الإيذاء والاعتداء الجسدي والنفسي، قال تعالى: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾.

 

وأيضا هجران الزوجة بغير حق: كما في قصة خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت حين قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، يريد تحريمها عليه، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.

 

النهي عن الإضرار بالمطلقة: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾.

 

النهي عن الإضرار المادي للمرأة: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾.

 

وهكذا نجد أن الله نهى عن إيذاء المرأة أو ممارسة العنف عليها ووضع عليها عقوبة تناسب ذاك العنف.

 

ولكن عندما ابتعد المسلمون عن دينهم وتحكيم شرع ربهم، صرنا نرى صور العنف والإيذاء للمرأة التي ضاعت حقوقها بضياع تحكيم شرع الله، ومهما صنعوا وابتكروا من منظمات ولجان ومؤسسات ليصدوا عن سبيل الله، ويكرسوا نظاماً وضعياً، وقوانين وهمية وينادوا بوقف العنف ضد المرأة، فلن يفلحوا أبدا. وما دامت الأحكام الوضعية مطبقة وحكم الله مغيباً فسيبقى الوضع كما هو، ولن تشعري أيتها المرأة بالأمان وتضمني حقوقك، إلا إذا عاد حكم الله في دولة خلافة راشدة تطبقه وترعى شؤون المسلمين، رجالا ونساء وتحميهم بخليفة يقاتل من ورائه، ويتقى به... عجل الله لنا بها.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسيبة إبراهيم

 

1 تعليق

  • ام عاصم الطويل
    ام عاصم الطويل الثلاثاء، 14 كانون الأول/ديسمبر 2021م 23:52 تعليق

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....مقال رائع وقيم
    جزاكم الله خيرا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع