الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

شتان بين أسلافنا الذين جالسوا الملائكة

 

وبين من يجالس الكفار يعلمونهم قوانين الكفر

 

نظمت وزارة العدل اليوم ورشة عن المدخل لصياغة التشريعات، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي قدمها الخبير القانوني في مجال صياغة التشريعات والاتفاقيات والعقود البروفيسور وليام أدور كوسار لعدد من المستشارين بوزارة العدل، وأكد الخبير أهمية استصحاب الخبراء القانونيين في عملية وضع القوانين والتشريعات والدساتير مضيفاً أنه لا يتم إجراء أي تعديل على القوانين إلا بالشراكة مع كافة الجهات ذات الصلة. كما أكد على ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في صناعة القوانين، ‎وقدم وليام شرحا شاملا لمصطلح السياسة العامة مشيرا إلى أن عملية صنع القوانين هي عملية مستمرة ودائمة وتتطلب من الخبراء القانونيين العمل يداً بيد لتجاوز كل المعضلات ولضمان شمولية مشاورات عملية صناعة القوانين، ‎وركز وليام في الختام على أهمية إشراك الشباب والاستفادة منهم في المرحلة الانتقالية وفي صناعة القوانين حتى يكون لهم دور في تشكيل مستقبلهم. (سونا 2020/12/21م).

 

تحدٍ سافرٌ تقوم به حكومة الفترة الانتقالية لشرع الله دون حياء ولا مواربة، فهي تفتح الباب على مصراعيه للكفار للقيام بتغيير القوانين لتوافق وجهة نظر الغرب ويستضيفون من الغرب من يعلمهم وينظّر حول كيفية صناعة وصياغة هذه القوانين بوصفها عملية مستمرة، وضرورة إشراك الشباب في ذلك. لا نعتب على هذا الكافر فهو كافر بما أُنزل على محمد ﷺ، لكن ما بال قوم مسلمين يأتون به ليعلمنا كيف توضع القوانين؟! ومن يضعها ويصوغها؟! ونحن نملك مبدأ ودستوراً لكل العالم، هو قرآن ربنا وسنة نبينا ﷺ؟!! ﴿هو الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.

 

وبدل أن يقوم حكام السودان بتطبيق شرع الله ليظهر الدين الحق، ها هم يجالسون من يعلمهم قوانين الكفر، فشتان بين مجلسهم الذي تغشاه شياطين الإنس والجن، ومجلس آخر علا فيه شأن البشر فجالستهم الملائكة! ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن مجيء جبريل ومجالسته النبي ﷺ والصحابة حديث عظيم الشأن يشتمل على شرح الدين كله، ولهذا قال رسول الله ﷺ في آخره: «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».

 

واليوم وليام كاسر يعلم حكومة الفترة الانتقالية نسبية القوانين وتغيرها، وعدم ثباتها، انطلاقاً من نظرة الغرب للقانون على أنه حصيلة التطور الطبيعي المعبّر عن رأي الجماعة، ولهذا فإن التشريع الغربي في واقعه وباعتراف فقهائه، إنما هو تشريع خاص، وليد ظروف مجتمعية وتاريخية معينة. مما حدا بالمُشَرِّعِ الغربي أن يسترشد بأحكام نظرية "القانون الطبيعي" في صياغة قوانين وضعية مبنية على قواعد عقلية محضة، مثل العدل والضمير المنبثق عن الإنسان ذاته.

 

لا غرابة أن يقوم الغرب بملء الفراغ الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه السودان، ولتخلو الساحة للغرب ومنظومته الوضعية، فعمد إلى تشويه ما تبقى من آثار البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإسلامية، بغية إحداث خلل فكري في المجتمع ليُمكّن للأنظمة والتشريعات الغربية أن تسود! فكلما ذكر الإسلام ذكر ظلم نظام الإنقاذ. فالتشريعات والقوانين الإسلامية، لم يكن لها أي أثر أو وجود في واقع الناس السياسي والتشريعي لأكثر من ثلاثين عاما.

 

وتتعمق حالة الارتكاس في المفاهيم اليوم متمثلة في ما تقوم به وزارة العدل في السودان وما نجم عنها من التبني التام للتشريعات الغربية دونما اعتبار لمناقضتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذا السياق هالني ما رأيته من تجييش للناس في السودان نحو قبول كل ما يأتي من الغرب بوصفه العلاج الناجع، رغم عدم جدواه في الغرب نفسه! ومما يُثير الاستغراب أن معظم هؤلاء لم يلتفتوا إلى الأثر الواضح لفلسفة التشريع الغربي عندما تم تطبيقها في الغرب، هذه الفلسفة التي تكاد تسيطر على أغلب بنود دستور الفترة الانتقالية، وتكاد تقضي على أي فلسفة أخرى يمكن أن يظهر أثرها على بعض المواد، ناهيك عما في بنود هذا الدستور من عوار ومخالفة للنصوص القطعية في الإسلام. ويظهر التناقض بين فلسفة الإسلام التشريعية التي تقوم على لا إله إلا الله محمد رسول الله، التي تجعل التشريع لله وحده، وبين فلسفة الغرب التي تقوم على قواعد عدة أهمها حفظ الحرية الفردية وفصل الدين عن الحياة ونسبية القوانين والتشريعات والحريات، وتُعَدّ الحرية في الفكر الغربي أصل قيام المجتمعات، وقاعدة لبناء الوجود السياسي الذي ينحصر هدفه في الحفاظ عليها. ولكن لما كان الإنسان مضطرا إلى العيش في جماعة، وهذه تحتاج إلى دولة تمتلك سلطة لتنظيم شؤونها، كان لا بد من ربط التشريع بفكرة التوفيق بين السلطة والحرية، فأصبحت التشريعات تهدف إلى (تنظيم التعايش بين السلطة والحرية في إطار الدولة-الأمة). وكان نتيجة ذلك إرساء قاعدة الفصل بين السلطات، للحيلولة دون الاستبداد الفردي، ولقد ظهر جليا أثر هذه الفكرة في باب كامل من الوثيقة الدستورية الذي يحمل اسم الحقوق والحريات، كما ظهر في التأكيد على مسألة الفصل بين السلطات في هذا الدستور.

 

وهذا يتناقض مع الإسلام تناقضا تاما، والذي لم ينطلق من إعطاء الفرد حريته أو تقييد حريته، بل انطلق من أساس أن كل مشكلة هي مشكلة إنسانية ابتداءً، فيعالجها لهذا الإنسان بصفته إنساناً له غرائز وحاجات مختلفة، وخالق الإنسان هو الأدرى بهذه الغرائز والحاجات: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، فالحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، وهو مقياس الأعمال وليس الحرية أو غيرها، فلا يمكن جعل الحرية قاعدة لبناء التشريعات عمليا، فإذا كانت حرية المرء تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين فهذا يعني أنه لا توجد حرية للمرء في أن يفعل ما يشاء. وواقع الأمر أن الحرية في المجتمعات الغربية قد قيدت بقيود قانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية أخرجتها تماماً عن مضمونها الذي افتُتِن به الناس، وجعلت منها مجرد كلمة يتغنى بها المفتونون بالحضارة الغربية أمثال حكام السودان! كما أن منظومة الغرب تناقض الإسلام في تشريعها فصل الدين عن الدولة الذي تم بعد الصراع الدامي بين المفكرين والكنيسة، مما جعل أوروبا لا تملك تشريعات دائمة ثابتة، طالما أُبعدت القواعد الدينية الثابتة، ولذلك أصبحت التشريعات تعبر عن رأي عام، والقانون خاضع لرغبات الأمة وحاجاتها، وأصبح الشعب من الناحية الشكلية مصدراً للقوانين، وارتكز النظام الديمقراطي على حق الشعب في سن قوانينه كجزء من قاعدة السيادة للشعب.

 

وتأثرا بهذه الفكرة تم وضع المادة التي تجعل السيادة للشعب التي تنص على السيادة للشعب وتمارسها الدولة طبقاً لنصوص الوثيقة الدستورية، وهي القانون الأعلى بالبلاد وتسود أحكامها على جميع القوانين، ويلغى أو يعدل من أحكام القوانين ما يتعارض مع أحكام هذه الوثيقة الدستورية بالقدر الذي يزيل التعارض، وهذا النص هو تكريس لفصل الدين عن الدولة، وإبعاد للدين الإسلامي عن واقع الدولة والدستور والقوانين.

 

فكيف يستطيع الشعب أن يسن قوانين، والعقل البشري ليس له الموازين الثابتة، والتي لا يمكن تحقيقها إلا باستمداد التشريع من رب البشر؟! كما أن مبدأ فصل الدين عن الدولة ليس تنظيرا مبنيا على البحث والبرهان العقلي، وبذلك استطاع الغرب عولمة تشريعاته وأن يحشر العالم في عنق زجاجة (فصل الدين عن الحياة)، وهو ليس تنظيرا مبنيا على البحث والبرهان وإنما هو حل وسط بقبول الدين، مع عزله عن الحياة. ومما لا شك فيه أن فصل الدين عن الدولة يناقض الفطرة الإنسانية، فالإنسان كل لا يتجزأ وليس بالإمكان فصل عقيدته ومشاعره عن ممارساته وتصرفاته بصورة دائمة. كما أن القول بسيادة الأمة وتخويلها إصدار التشريعات، يناقض ويخالف الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، والتي تحرم جعل التشريع لغير الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَمَا كانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُه أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُم الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم﴾.

 

والحقيقة أن الشعب ليس هو من يقوم بسن القوانين، كما يدعي أصحاب الفكر الغربي الرأسمالي. حيث ينحصر التشريع في هيئة محدودة العدد في البرلمان أو في لجنة تأسيسية، ولذلك لا تصح نسبة القوانين إلى الشعب لمخالفة ذلك للواقع، حتى لو تم إقرار هذه القوانين أو الدساتير بعد الاستفتاء الشعبي عليها. إذ يتشكل الدستور من مجموعة مواد فيها مسائل معقدة لا يدركها إلا أهل الاختصاص، وبالتالي فإن الموافقة أو الاعتراض من باقي الشعب ممن هم ليسوا من أهل الاختصاص لا قيمة له. كما أن موافقة الموافِق لا تعني موافقةً حقيقية في ظل ضغوط من أطراف خارجية أو تأثير الآلة الإعلامية في تشكيل الرأي العام. وفي النهاية فإن إقرار دستورٍ ما في فترة ما هو إقرار أغلبية الشعب الموجود في هذه الفترة لا قيمة له.

 

هذه هي أبرز التناقضات التي يحويها فكر الغرب التشريعي والتي تناقض شرع الله الحنيف جملة وتفصيلا، وحكومة السودان رضيت باستيراد فلسفة الغرب التي بنيت عليها القوانين التي تحكمهم اليوم. لكن أهل السودان مسلمون، ولا بد أن يزول قريباً من لا يحكم الناس بقناعاتهم وعقيدتهم وما انبثق عنها.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع