الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كيف يتعامل الإسلام مع الجريمة وغياب القانون؟

 

(مترجم)

 

في الوقت الحاضر، هناك بعض المحادثات البارزة حول القانون والعدالة والأمن، ويتم تناقل هذه المسائل كونها من بين أعلى القضايا الأخلاقية في المجتمع الديمقراطي، وتَعِدُ كل حكومة رعاياها ببلد آمن وعادل، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلا؟ هل نعيش اليوم في وقت تطبق فيه العدالة وسيادة القانون كعلامات على نجاح المجتمعات، وهل تعيش البشرية في سلام ووئام؟ أم أن جميع دول العالم تعيش تحت ظل مظلم وتواجه الجريمة والخروج على القانون وانعدام الأمن؟

 

وإذا ما ألقينا نظرة على بعض الأمثلة من الوضع الراهن في العالم، فسنفهم الصورة الحقيقية للحالة التي تعيش فيها البشرية فعليا.

 

وفقا لـ"جلوبال إيكونومي"، كان متوسط معدل السرقة لعام 2016: 783 سرقة لكل مئة ألف شخص، وكانت أعلى نسبة في الدنمارك، حيث بلغ عدد السرقات: 3949 سرقة لكل مئة ألف شخص. وفقا لما ذكرته شركة نوما فإن السلفادور تعد البلد الأول من حيث معدل جرائم القتل في العالم، ففي عام 2016، بلغ معدل جرائم القتل في السلفادور 82.8 حالة لكل مئة ألف من السكان. وتشمل الدول الخمس الأولى أيضا؛ هندوراس وفنزويلا وجامايكا وبيليز. وتعد شيلي هي البلد الأعلى نسبة لمعدلات السطو في العالم، ففي عام 2016، بلغ معدل السطو في شيلي 1193.9 حالة لكل مئة ألف من السكان، وتشمل الدول الخمس الأولى أيضا الدنمارك والنمسا والسويد وأستراليا. وتعد الأرجنتين هي البلد الأعلى من حيث معدل السرقة في العالم، ففي عام 2016، بلغ معدل السرقة في الأرجنتين 988.9 حالة لكل مئة ألف من السكان، وتشمل البلدان الخمسة الأولى أيضا شيلي وأوروغواي وإكوادور وباراغواي. وتعد السويد هي البلد الأعلى نسبة لمعدل الاغتصاب في العالم، ففي عام 2015 بلغ معدل الاغتصاب في السويد 56.7 حالة لكل مئة ألف من السكان. وتشمل البلدان الخمسة الأولى أيضا أيسلندا وغيانا وأمريكا والسلفادور. ولبنان هي البلد الأعلى من حيث معدلات الاختطاف في العالم، وفي عام 2016، بلغ معدل الاختطاف في لبنان 177.7 حالة لكل مئة ألف نسمة، وتشمل الدول الخمس الأولى تركيا وكندا وباكستان وسانت فنسنت وجزر غرينادين. غرينادا هي البلد الأعلى نسبة لمعدل الاعتداء في العالم، وفي عام 2016، بلغ معدل الاعتداء في غرينادا 1721.9 حالة لكل مئة ألف من السكان. وتشمل البلدان الخمسة الأولى أيضا سانت فنسنت وجزر غرينادين وبربادوس وفرنسا وكولومبيا.

 

هذه كلها مجرد أمثلة قليلة توضح أن فكرة سيادة القانون والأمن والعدالة ليست سوى وهم في ظل النظام الديمقراطي أو أي نظام آخر من صنع الإنسان، والنظام السائد الحالي لا يتوافق مع الطبيعة البشرية ولا يخلق سوى الفوضى داخل المجتمع، ونظرا لفكرة المادية والحريات الليبرالية والفقر المدقع وتعاطي المخدرات والكحول وانعدام المساءلة والنظم البالية والفساد والرشوة وغيرها من الأسباب، فإن الجريمة منتشرة في مستويات وبائية في العديد من الدول اليوم.

 

السؤال هو كيف يمنع الإسلام ويحل الجريمة والخروج على القانون وانعدام الأمن؟ نحن نعلم أن مجتمع الجاهلية العربي في قريش في زمن النبي e كان أيضا في ظل جهل مدقع، حيث كانت السمة البارزة في حياة العرب قبل الإسلام هي أنهم لم يعترفوا أبدا بأي سلطة غير سلطة رؤساء قبائلهم وليس لديهم قانون أو نظام محدد، فكانت الفوضى هي القانون السائد... وصف جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة كيف كانوا قبل الإسلام فقال: "كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف...".

 

إن مجيء الإسلام غيّر نمط الحياة العربية في الجاهلية، فالإسلام يعطي معنى لوجود الإنسان ويمثله مبدأ الثواب والعقاب، عن كل عمل يتم القيام به، مستشعرين رقابة الله سبحانه وتعالى دائماً، مما يوقظ مفهوم التقوى في نفس المسلم، وبالنتيجة، على عكس الرأسمالية، هي أن يكون الإنسان قادراً على السيطرة على رغباته وعدم الوقوع في فخاخ المادية أو الحريات الليبرالية التي تؤدي بالطبع إلى زيادة العمل غير الأخلاقي في المجتمع. وفي هذا الصدد، يمنع النبي e إراقة الدماء من أجل القبلية أو أي مكسب شخصي، كما يحرم السرقة والزنا. أي أنه e يمنع المشاركة في جميع أشكال السلوك التي من شأنها أن تهدد أمن الأموال أو الحياة أو الشرف أو سمعة الناس، كما أن المشاركة في الافتراء، والأرباح الفاحشة، مثل الربا، والسوق السوداء، والرشوة، محظورة أيضاً، فعلى سبيل المثال، في المجتمع العربي عندما قُتل أحد أفراد عشيرة، تمكنت العشيرة من الانتقام بقتل العديد من أفراد عشيرة القاتل، لكن الإسلام رفض هذه العادة القبلية رفضاً قاطعاً، ووفقاً للإسلام وأحكامه، فإن القاتل المثبت هو وحده الذي سيواجه عقوبة الإعدام لأن الإسلام يحظر القتل دون أي أساس شرعي. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك العبودية فكانت العلاقة بين السيد والعبد مليئة بالاضطهاد والإذلال والاستغلال، فلما جاء الإسلام غيّر هذه العلاقة، فالله سبحانه وتعالى يمنع استغلال العبيد من قبل مالكيهم، فيقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾.

 

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك السرقة، ففي ودان، التي تربط مكة المكرمة بالعالم الخارجي، عاشت فيها قبيلة غفار، واشتهرت غفار بمداهمتها للقوافل التجارية وغزو القبائل المجاورة الأضعف منها، حتى إنه لا قانون يحكمهم، لدرجة أنهم لم يحترموا حرمة الأشهر الحرام المتفق على حرمتها جميع العرب ولا يسمحون القتل فيها، وإجمالا، تركزت مصالحهم على سبل سرقة الآخرين. ومع ذلك، فعندما اعتنقت القبيلة الإسلام، تخلت عن هذا السلوك الإجرامي لأن الإسلام يحرم السرقة، في الحقيقة، يبين القرآن أن السارق، ذكرا كان أم أنثى، يجب أن تقطع يده عقابا لما فعله. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

ألزم النبي محمد e الأرباح بالحلال ومنع الأشياء التي يتم الحصول عليها بطريقة محرمة، واستنكر أيضا على الخداع وعندما اكتشف أن بعض القمح، الذي بدا جافاً من أعلى، كان في واقعه رطبا، قال «من غشنا فليس منا» (رواه مسلم). إن مفهوم الرزق، الذي يقدره الله سبحانه وتعالى قبل ولادة الفرد هو اعتقاد إسلامي آخر مهم. فهو يمنع الناس من أن تغويهم زيادة ثرواتهم من خلال السرقة أو النصب أو الاحتيال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي العادل يوفر لكل فرد مستوى معيشة آمناً ومنصفاً يقلل من احتمال وقوع جزء من المجتمع في براثن الفقر، ويعيش الجزء الآخر في رخاء يمكن أن يؤدي أيضا إلى الفساد وسلوك مالي غير أخلاقي آخر.

 

والمسألة الأخرى هي إيجاد الأمن داخل المجتمع، وكان بناء المسجد الأول عنصرا مهما في أسس الأخوة، وكان خطوة مهمة في توفير القرب والمودة والمحبة والتعاون والأمن بين المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام السياسي الذي بزغ في المدينة المنورة يوفر الأمن المتبادل في العلاقة بين الدولة والرعية، والنبي e، الذي كان رئيس الدولة في المدينة المنورة، تعامل مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء وفقا لمبدأ العدالة والمساواة في ضمان حقوقهم، التي وردت في الدستور الإسلامي للدولة، وبالإضافة إلى ذلك، يوجد رأي عام وقوي في المجتمع الإسلامي في اتجاه حسن السلوك الأخلاقي وبعيد كل البعد عن الأعمال الفاسدة والإجرامية، وهذا يثني السكان عن الانخراط في أي عمل إجرامي أو غير أخلاقي.

 

كل ما ذكر أعلاه من الأعراف الاجتماعية السيئة والعادات الأخلاقية اختفت عندما ساد الإسلام. وهذا يبين كيف أن الإسلام أصلح جذريا النظرة العالمية للمجتمع العربي الذي حكم به، فضلا عن الأراضي الأخرى التي كانت تحت حكمه، والقضاء على ممارسات الجاهلية واستبدال معتقدات وأعراف وممارسات الإسلام السامية بها، بما في ذلك مبدأ المساءلة والمحاسبة أمام سلطة عليا من الله سبحانه وتعالى، حيث قلل الإسلام من الجريمة والخروج على القانون وانعدام الأمن في كل الأراضي التي طُبق فيها كنظام، وبالتالي حول المجتمع الذي كان يحكمه إلى أمة مخلصة وقيادة عالمية توفر الأمن والحماية لكل فرد، وهذا بالضبط التغيير الذي تحتاجه الأمة اليوم، فكما جلب الإسلام النور إلى مجتمع الجاهلية العربي وجرده من ظل الجهل المظلم، فإن الإسلام هو وحده الذي يستطيع أن يحرر البشرية من وباء الجريمة وانعدام القانون والأمن في العالم اليوم...

 

﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

آمنه عابد

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع