- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يفصل المسلم عمله عن الإيمان
وإلّا كان فريسة سهلة لوساوس النّفس والشّيطان
حين اتّخذ المسلم الإسلام عقيدة له فإنّه قد سلّم بذلك بوحدانيّة خالقه وبطاعته له في كلّ أمر مهما قلّ شأنه أو عظم. فهو بهذا التّسليم قد جعل من الحكم الشرعيّ بوصلته التي تقوده في بيداء هذا العالم ليصل إلى برّ الأمان ويفوز برضا الرّحمن. ففي كلّ عمل وفي كلّ لحظة من حياته يتمسّك المسلم بحكم الله لأنّه يعلم أنّ خالقه أعلم وأقدر على تسيير حياته التّسيير الذي فيه صلاحه وفلاحه. فَلِمَ لا يكون عبداً لربّه يرجوه ويدعوه ويتوسّل إليه ويخشاه لا يغفل عن ذلك طرفة عين؟ لماذا يترك نفسه رهينة للهوى وفريسة للشّيطان ووساوسه ويبتعد عن طريق ربّه؟
﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ هذا درب الصّالحين المتّقين لا يحيد المرء عن تحكيم ما أنزله الله له في حياته لحظة... فيسير وقد جعل الحكم الشّرعيّ نبراسا يضيء له العتمة حتّى يرى النّور فيخرج سالما ويرضي خالقه.
إنّ عقيدة المسلم إن قويت وصحّت جعلت منه قوّة لا تُقهر... فيتغلّب على الشّدائد والصّعوبات لا يكترث لما سيبذله من أجلها: نفس، مال، بنين... الكلّ يهون من أجلها. لقد مُشِّط بعضهم بأمشاط من حديد ولم يرجعوا عن دينهم وقُتل أصحاب الأخدود ولم يفتن المؤمنين العذابُ والموتُ عن دينهم... هذا هو الموقع الذي على المسلم أن يتّخذه فلا يدري أيّ فتنة تصيبه - ونسأل الله الثّبات على دينه وطاعته -. فعلى المسلم أن يكون يقظا في كلّ حين لا يغفل عن أحكام ربّه يسير وهو يتلمّس طريق الهدى حتّى لا يقع في الضّلال والمعصية... عليه أن يطيع ربّه في كلّ أعماله وأحواله.
يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾. فعلى المسلم أن يحرص على أداء فروضه والابتعاد عن كلّ ما يغضب ربّه مهما كانت ظروفه ومهما اعترضته من صعاب وعراقيل لا يأبه لشيء فلا غاية له سوى مرضاة ربّه وفوزه بالجنّة والعتق من النّار. وكما نصحنا رسولنا وقدوتنا فعلينا أن نضع نصب أعيننا «مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَتِهِ» فليحصّن المسلم نفسه بالطّاعات والمسارعة لنيل الخيرات وترك المحرّمات. لقد كان الصّحابة يترفّعون عن بعض ما أباح الله لهم خشية الوقوع في الشّبهات... كانوا يجعلون ذلك ستارا يحجب عنهم المحرّمات حتى يقيهم الوقوع فيها... يعلمون أنّ الحياة مليئة بالفتن والمخاطر فكانوا يخشون أن ينزلقوا فيها... هؤلاء اتّقوا ربّهم فوعدهم الله مغفرة وأجرا كبيرا. فلم لا نتّبع خطاهم لنفوز بالثّواب العظيم؟؟
يقول عزّ من قائل في حديث قدسيّ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
فأيّ حظّ وأيّ فوز للمسلم حين يقوّي إيمانه ويتوكّل على الله ويثق به فإنّه بذلك يصير وليّا من أوليائه ولن يغلبه لا شياطين الإنس ولا الجنّ ولن تثنيه عقبات ولا صعوبات يسير ثابتا لا يتزعزع زادُه الطّاعات تغذّيه وتقوّيه.
اعتنى الإسلام بالإنسان في كلّ جانب من حياته وفي كلّ لحظة من لحظاتها فجعل له منهاجا يسير عليه ليحيا مطيعا لربّه لا يصرفه عن ذلك شيء يقوم اللّيل ويدعو في كلّ حين: في المرض وفي الصحّة... عند دخول المنزل وعند الخروج منه وحتّى حين الدّخول إلى الخلاء... يصوم ويستغفر ويكبّر... هو في رحاب ربّه في كلّ آن ومكان. ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
إذا اعتنق الإنسان الإسلام فإنّه يقرّ بأنّه دين لا تنفصل عقيدته عن نظامه فيتيقّن أنّه عليه أن يعلم الأحكام ويعمل بها فلا يفصل بينهما وإلّا صار ما يحيا به ليس الدّين الذي اعتنقه ولهلك باتّباع غير نظام ربّه وأحكامه. وهذا ما تعانيه أمّة الإسلام اليوم بعد أن قضى العدوّ على دولتها وعلى نظام حياتها وأصدر لها نظامه المنبثق عن عقيدته الرّأسماليّة العفنة والذي أذاقها وأذاق الإنسانيّة كافّة الويلات. كما وأنّ المسلم اليوم في ظلّ هذا النّظام البشريّ النّاقص الفاسد قد فصل بين علمه بأحكام دينه وبين العمل بها وصار يحيا منبتّا عن جذوره معلّقاً لا إلى هذا ولا إلى ذاك يعيش غربة في واقع لا يمكن أن يحيا فيه وقد ألغى القائمون عليه قوانين الخالق وسنّوا هم قوانينهم.
يحيا المسلم اليوم ولا يجد من يعينه على نفسه وعلى وساوس الشّيطان ويذكّره بالأحكام ويردعه ليتّبع طريق الحقّ والسّلام... أمّا إن تمكّن من تحصين نفسه والتزم بالجماعة للعمل لتغيير هذا الواقع فإنّه إن لم يكن يؤمّن نفسه بالطّاعات الأخرى والتزام ما يتعلّمه فيعمل به ويحذر قول ربّه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ فإنّه لن يتغلّب على هواه في ظلّ واقع مليء بالمغريات والصّعوبات.
لقد حلّت بالأمّة الإسلاميّة وبالإنسانيّة عامّة طامّة كبرى وكارثة عظمى يوم هدُمت الخلافة وحلّ مكانها نظام الكفر: النّظام الرّأسماليّ الذي فصل الدّين عن الحياة ونشر حبّ المادّة في نفوس النّاس فصاروا لا يرقبون ربّهم في أعمالهم وحصر الدّين في صلاة أو حجّ حتّى أصبح الالتزام بأحكام الله مناسباتيّا كما يبرز ذلك في شهر رمضان الذي ما إن تهلّ ليلته السّابعة والعشرون حتّى ينقلب النّاس على أعقابهم ويعودوا يلهثون وراء ملذّات الحياة!!
هذا ما فعله المبدأ الرّأسمالي ولكنّ الإسلام غير ذلك هو دين الله الذي يجعل الإنسان مع ربّه في كلّ حين وفي كلّ ظرف لا يغيب عن ذهنه يسأله التوّفيق والرّضا ويدعوه أن يثبّته على طاعته. هذا ما يجب أن تكون عليه حياة المسلم: كلّها لله يدعو ربّه ويدعو النّاس ليوحّدوا الله لا يخشى في الله لومة لائم يقضي حياته في طاعة ربّه فيكون كيّسا كما نصحه بذلك رسوله e: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللهِ» ويكون كذلك - وبإذن الله - من المتّقين ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصّامت