الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
التعليم في العالم العربي...  صورة قاتمة تندر فيها الألوان المبهجة!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

التعليم في العالم العربي...

صورة قاتمة تندر فيها الألوان المبهجة!

 

 

 يعيش التعليم في العالم العربي حالة مأساوية، ويعاني أزمة خانقة، صحيح أنه لا يمكن التعامل مع الدول العربية جميعاً بنفس الطريقة من حيث بحث وتحليل الواقع التعليمي فيها، نظراً للخصوصية التي تحملها كل دولة وارتباطها بأحداثها الداخلية من ثورات وحروب وصراعات وغيرها من الأحداث التي أثرت على التعليم كما أثرت على غيره من القطاعات، ولكن رغم هذا الاختلاف فإن حال التعليم في العالم العربي يكاد يكون واحداً، ومشاكله مشتركة.

 

فتدني جودة التعليم مشكلة يعاني منها العالم العربي بتفاوت بسيط بين دوله، فقد حصلت هذه الدول على مراتب متدنية في مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2015-2016م، فعلى سبيل المثال جاءت البحرين في المركز 33 والأردن في المرتبة 45، أما تونس فجاءت في المركز 84 عالميا، فيما احتلت المغرب المرتبة 101 ثم الجزائر في المركز 119 وموريتانيا في المركز 129، بينما احتلت مصر المرتبة قبل الأخيرة على مستوى 140 دولة شملها التقرير.

 

ويرجع هذا التدني في جودة التعليم إلى عوامل عدة أهمها مناهج التعليم وأساليبه القائمة على التلقين والحفظ دون التحليل والفهم، وغياب المواد التي تنمي الحس النقدي والتفكير لدى الطلبة، ونستحضر هنا ما قالته إحدى الأمهات المصريات المشاركات في ما أطلق عليه "ثورة الأمهات ضد المناهج": "المناهج الحالية لم تنتج لا علماً ولا تطوراً حقيقياً في عقليات الأبناء بقدر ما أصابت الأولاد بانحناء في الظهر من ثقل الكتب في الحقائب المدرسية"، ولا ننسى أيضاً سياسات التعليم الفاشلة كالترفيع التلقائي للطلبة، ومن هذه العوامل أيضاً أن الميزانيات المخصصة للتعليم في العالم العربي لا تزال غير كافية وبعيدة عن التكافؤ مع الميزانيات المخصصة للقطاعات الأخرى، فعلى سبيل المثال أكد تقرير دولي صادر عن مرصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية تراجع الإنفاق الحكومي على التعليم في الأردن منذ العام 2000 وحتى الآن، حيث إن الإنفاق الحكومي كان يصل إلى نحو 13% في ذلك العام لينخفض إلى زهاء 9% العام 2010. إضافة إلى عدم اهتمام هذه الدول بالبحث العلمي، فهو قياسا بالناتج المحلي الإجمالي يقل عن 0.8% في المغرب وتونس، وعن 0.5% في مصر والأردن، وعن 0.2% في السعودية والجزائر والعراق والكويت.

 

وبعد أن عجزت الدولة عن توفير تعليم جيد بفرص متساوية لجميع الناس بسبب الفساد وسوء التخطيط طفا التعليم الخاص الذي يصب في مصلحة الاستثمار لا الجودة.

 

وقد دفع تدني جودة التعليم وغياب الرعاية والاهتمام بالمبدعين والمتفوقين من الدولة، إضافة إلى عدم توفر فرص عمل للخريجين، دفع العديد من الطلاب إلى الهجرة إلى الدول الغربية، لطلب العلم أو للعمل بعد التخرج، وقد أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي أن العالم العربي يساهم في ثلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50% من الأطباء، و23%من المُهندسين، و15%من مجموع الكفاءات العربية المُتَخَرِجَة يهاجِرون متوجِهين إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا، وذكرت تقارير أن 54% من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، وتأتي مصر في مقدمة الدول المصدرة للعقول إلى الخارج خاصة كندا والولايات المتحدة وألمانيا، وطبقا لبيانات اتحاد المصريين بالخارج، فإن تعداد علماء وأكاديميي مصر المقيمين بالخارج، يبلغ حوالي 86 ألف عالم وأكاديمي، منهم 1883 في تخصصات نووية نادرة، كما يضمون 42 رئيس جامعة حول العالم.

 

ومن مشاكل التعليم في العالم العربي والتي أثرت على جودته أيضاً تعيين معلمين غير مؤهلين وليس لديهم كفاءة لتدريس الطلبة ولا سيما في الصفوف الدنيا التي يتعلم فيها الطالب المهارات الأساسية من قراءة وكتابة وحساب، أو يتم إجبار معلمين على تدريس مواد غير تخصصهم الجامعي، ففي تقريرها السنوي حول التعليم لعام 2014 قالت اليونسكو إن 43 % من الأطفال في الدول العربية يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم بسبب تردي قدرات المعلمين وافتقارهم للتدريب المناسب لأداء وظيفتهم. ومن جانب آخر فإن المعلم العربي مثقل بتكاليف الحياة التي لا يعينه ما يتقاضاه من راتب على أدائها، حتى إن بعض المعلمين اضطر لممارسة عمل إضافي لا يتناسب ومهنته لسد هذه التكاليف، كما أنه مثقل بجداول التدريس المزدحمة وبمطالب الوزارة التي لا تنتهي من خطط ووسائل ونشاطات وعدم توفر الإمكانات والوسائل التي تعينه على أداء وظيفته، أضف إلى ذلك قلة الاحترام وتراجع مكانة المعلم مما أثر على أدائه وإنتاجيته كما يرى الباحثون.

 

ولا يمكننا الحديث عن التعليم في العالم العربي دون الحديث عن المدارس وضعف بنيتها التحتية، حيث لا يتوفر في بعض المناطق عدد كاف من المدارس مما يجعل المدارس تداوم فترتين صباحية ومسائية، فمثلاً 80 % من إجمالي المدارس في قطاع غزة تداوم على فترتين حسبما أوضح د. علي خليفة مدير عام الإدارة العامة للتعليم، إضافة إلى مشكلة عدم توفر مدارس، فإن بعض المدارس تفتقر للغرف الصفية الكافية، مما نتج عنه اكتظاظ الصفوف الدراسية مما أثر على فهم الطلبة واستيعابهم للمواد الدراسية بسبب الفوضى وكبر العدد، كما أن ذلك أثر على أداء المعلم، فعلى سبيل المثال وصل تعداد التلاميذ في الصف الواحد في بعض المدارس المصرية إلى 120 طالباً وفق ما نشره موقع بي بي سي، وفي غالبية المدارس اليمنية، يحتضن الصف الدراسي الواحد من 90 إلى 120 طالبا، ووصل العدد إلى 50 طالباً في بعض مدارس الأردن ولا سيما في العقبة. والنقص ليس فقط في الغرف الصفية بل أيضاً في المرافق التابعة للمدرسة من ساحات ومكتبات ومختبرات العلوم والحاسوب، وتعاني بعض المدارس من عدم توفر مستويات معقولة من النظافة والتدفئة والتبريد والتهوية وكذلك عدم توفر عدد كاف من الوحدات الصحية ودورات المياه. بل الأدهى والأمر أن تكون بنية هذه المدارس متآكلة وأن تتسرب منها المياه في الشتاء إلى الصفوف، وذلك كما حصل في عدد من المدارس الابتدائية والإعدادية في ولاية المستنير في تونس خلال شهر كانون الأول/ديسمبر لعام 2016، حيث تعطلت الدراسة تماما بالمدرسة الإعدادية "الامتياز" بسبب وجود بركة مياه أمام المدرسة فلم يتمكن التلاميذ من الدخول. كما تعطلت الدروس بـ"المدرسة الابتدائية طريق القيروان" حيث غمرت مياه الأمطار 6 قاعات وتسربت المياه أيضا من سقف قاعتين. وأضاف المندوب أن الدروس تعطلت بالمدرسة الإعدادية "سالم بشير" بعد أن تسربت المياه إلى عدة قاعات.

 

ويعد التسرب من المدارس أحد المشاكل التي يعاني منها التعليم في العالم العربي، فحسب إحصائية أصدرتها الأمم المتحدة عام 2015، فإن حوالي 21 مليون طفل في العالم العربي تسربوا من التعليم أو يواجهون خطر التسرب من التعليم، ولهذا التسرب أسباب عدة من أهمها تدني التحصيل الدراسي للطلبة وصعوبات التعلم، وكذلك العامل الاقتصادي واضطرار هؤلاء الطلاب لترك المدرسة للعمل ومساعدة أهلهم في توفير متطلبات الحياة خاصة إذا توفي الوالد أو كان مريضاً غير قادر على العمل.

 

ومن المشاكل الرئيسية أيضاً والتي يعاني منها التعليم في العالم العربي الأمية، فوفقا لتقديرات صادرة عن اليونسكو فإن واحداً من كل خمسة بالغين يعاني من الأمية في العالم العربي، وحسب التقرير فإن موريتانيا فيها النسبة الأعلى من الأمية في العالم العربي، وفي المغرب لا يزال 10 ملايين شخص يعانون من آفة الأمية. ويشير آخر إحصاء للسكان إلى أن عدد سكان المغرب يقارب 34 مليونا، ما يعني أن قرابة ثلث السكان أميون. وتعاني نصف المغربيات فوق سن 15 سنة من الأمية. أما في مصر، فربع السكان البالغين يعانون من الأمية. كما أكدت المنظمة في تقرير لها أن نحو 43% من الأطفال في الدول العربية يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم. ووفقا للتقرير، فإن طفلا من بين كل أربعة أطفال في الدول الفقيرة، وبينها دول عربية، لا يستطيع قراءة جملة واحدة.

 

كانت هذه صورة مختصرة عن حال التعليم في العالم العربي، وكانت هذه أبرز ما يعانيه من مشاكل، إضافة إلى مشاكل أخرى ناتجة عن خصوصية كل بلد، كتدمير المدارس واستهداف المعلمين والطلبة وتهجيرهم من بلادهم في البلاد التي تشهد حروباً وصراعات كسوريا والعراق واليمن، وكالصعوبات التي يواجهها الطلاب والمعلمون في فلسطين في سبيل الوصول إلى المدارس نتيجة الحواجز التي يضعها كيان يهود، وغيرها من المشاكل التي لا يتسع المقام لذكرها.

 

ويبقى السؤال: ما هو السبيل لتحسين هذا الحال والنهوض بالتعليم في العالم العربي؟!

 

يدعو البعض إلى استيراد نماذج تعليمية رائدة عالمياً وتطبيقها في بلادنا للنهوض بالتعليم، وقد بدأت بعض مدارس الإمارات تطبيق النموذج الفنلندي، كما سعت مصر لتطبيق النموذج السنغافوري تارة ثم عادت ووقعت اتفاقيات لتطبيق النموذج الياباني في مدارسها، ولكن هذا الخيار لم يكن ناجحاً، إذ كيف لنا أن نأتي بنبتة من موطنها الأصلي ونزرعها في موطن آخر لا تتوفر فيه ظروف مناسبة لها ونتوقع منها أن تنمو وتعيش؟! فسياسة التعليم والمناهج الدراسية في هذه البلاد نابعة من المبدأ الذي تحمله، وكذلك هيكلية نظام التعليم والنجاح والرسوب وطريقة التدريس المتبعة عندهم تختلف عما هو معمول به عندنا، وأبسط العوامل التي تؤدي إلى فشل تطبيق هذه التجربة، هو أن هذه الدول تجعل التعليم من أولوياتها وتقوم برعاية المتعلمين، وتوفر البنية التحتية والمقومات اللازمة لنجاح العملية التعليمية، وهو أمر نفتقده في بلادنا، حيث تدفع هذه الدول للمعلمين رواتب مجزية تكفيهم مؤونة الحياة وتجعلهم يتفرغون للتدريس ويبدعون فيه، وتعقد دورات تأهيلية منتظمة للمعلمين لتجديد مؤهلاتهم وتطوير قدراتهم المهنية، كما توفر بنية تحتية مساعدة ومحفزة للمعلم والمتعلم من حيث المباني والمرافق التابعة لها من المختبرات والمكتبات وتوفر الأدوات والوسائل التكنولوجية اللازمة من حواسيب وألواح ذكية وشاشات عرض حتى إن اليابان أدخلت الروبوت إلى مدارسها.

 

إن تغيير الصورة القاتمة للتعليم في العالم العربي والنهوض به وتحسين جودته عالمياً، يكون من خلال سياسة تعليمية ناجعة تليق بأبناء الأمة بصفتها أمة إسلامية، سياسة لا تنظر للمؤسسات التعليمية على اعتبار أنها مؤسسات ربحية تدر مالاً على الدولة، بل تنظر لها على أنها مؤسسات مهمتها صناعة الأجيال وصياغة الأفكار. وهذا لن يتحقق إلا إذا توفر القرار السياسي الصحيح من دولة مبدئية ترعى شؤون الرعية في جميع شؤون الحياة وليس فقط في قطاع التعليم، وهذه الدولة هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قريباً بعون الله.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أختكم براءة مناصرة

 

 

1 تعليق

  • omraya
    omraya الثلاثاء، 21 شباط/فبراير 2017م 16:00 تعليق

    جزاكم الله خيرا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع