الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

يا مسلم: يجب أن تتأثر وأن تكون مؤثرًا

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21].


بين الله سبحانه في هذه الآية الكريمة حقيقةً واضحةً وهي أن الإنسان إذا ما استخدم عقله في التفكر والتدبر فسيدرك معاني القرآن الكريم وكلمات الله الموجهة له بتفاصيلها وبوعي تام وحكمة كاملة تقوده لقبول أحكام الله الشرعية، التي ترعى وتعالج للبشرية أمور دنياها وآخرتها، ومن خشيته لله سبحانه، سيقر الإنسان العاقل بهذه الأحكام ويخر لله ساجدًا ومتقيًا، وذلك قمة التأثر. وقد شبه الله سبحانه ذلك بتشبيه بليغ في الآية الكريمة متمثلًا حتى في تأثر الجماد.. في خشوع الجبل وتصدعه من خشية الله تعالى، ومن عظمة التشريع الإلهي في الحكم بما أنزل الله جل وعلا في القرآن الكريم. إذن الأصل في الإنسان العاقل والطبيعي أن يتأثر. ربما لا يبالي أحدهم إذا مرض ابنه ولا تتحرك مشاعره إذا توفي جاره، تجده لا يتفكر في مصيبة الموت ولا يتعظ به، فهو جامد، قاسٍ وغير مبال، يتأثر بقضايا غير مهمة إن قسناها على مقياس الشرع الحنيف. هذا مثله مثل من لا يتأثر بتلاوة القرآن الكريم ولا يخشع قلبه كما ينبغي عندما يقرأ كلمات الله تعالى الموجهة له، فيتصدع الجماد.. أما هو فلا تهتز له شعرة، يبقى قلبه غلفاً. وهذا وضع غير طبيعي بالنسبة للإنسان الذي كرمه الله بالعقل.


وهذا أكثر ما نراه هذه الأيام حيث لا زال بعض الناس جامدين وبطيئين ويقومون بأقل المطلوب منهم، حيث جعلوا تفكيرهم محصوراً في الأعمال اليومية كتأمين لقمة العيش فقط، ولا يتأثرون بأي شيء آخر. وهذا خطر كبير على المسلمين؛ فعدم التأثر السريع والمبادرة إلى التفكير والحكم على الوقائع حكمًا صحيحًا كونه يستند إلى العقيدة الإسلامية قد جعلهم يتقاعسون عن البحث عن الحل من الإسلام لهذه الأوضاع المزرية، بالذات وأن الأمة الإسلامية قد قطعت أشواطًا كبيرةً في تلمس طريق التغيير وثارت على هذه الحالة. فنحتاج إلى أن يتأثر المسلم بالأخبار عندما يشاهد آلاف الصور لشهداء التعذيب في الشام وأن يغضب لقصف بشار السفاح أطفال الأمة ليل نهار لخمس سنوات متواصلة بدون أن تتحرك الأنظمة أو ما يُعرف بالمجتمع الدولي، وعليه أن يعمل لنصرة ثورة الشام المباركة والتي رفعت راية العقاب راية لا إله إلا الله محمد رسول الله شعارًا لها وجعلت تطبيق شرع الله مطلبها، وعليه أن يغضب عندما تقصف حكومته أطفال اليمن وتترك فلسطين المباركة في أيدي يهود مغتصبي قبلة المسلمين الأولى، وعليه أن لا ينشغل بقضايا يزعم أنها أهم، مع أن الإسلام حدد القضايا التي يجب على المسلم أن يجعل لها الأولوية وهذه معلومة من الدين بالضرورة، منها نصرة المسلمين وتوحيدهم في دولة إسلامية واحدة.


أما جُل ذلك الخلط والتلبيس والوضع غير الطبيعي وغير العاقل في تفكير المسلمين فيتحمله علماء السلاطين الذين يعملون على تحريف الإسلام عند الناس خدمةً لمصالح الحكام الرويبضة في المساجد والمراكز الإسلامية التابعة للنظام وفي مناهج التعليم التي تنظر إلى الإسلام الحقيقي على أنه تطرف وإرهاب. كما يتحمله الإعلام الفاسد الذي يسيطر على العقول من خلال أساليب خبيثة كالتخدير الإعلامي الذي يقضي بأن اطلاع الناس على مادة إخبارية بصورة متكررة يؤدي بهم إلى عدم المبالاة والاكتفاء بالمعرفة عوضاً عن فعل شيء بشأن الموضوع. كما يروج لعدة أفكار خطرة منها؛ أن الإنسان هدفه في هذه الحياة الكسب المادي وليس الارتقاء الفكري والخضوع لله عز وجل. والفكرة الأخرى التي تزيد في انحطاط الناس هو قبولهم بأعلام (استقلال) مزيفة رفعها الكافر المستعمر لتقسيمهم بحسب أوطانهم وقومياتهم إلى طوائف ومجموعات منعزلة علاقاتها ببعضها العداء والحروب بدلًا عن المحبة والألفة التي تتحقق بإقامة العدل عندما يحكم الناس بما أنزل الله رب العالمين في القرآن الكريم. هكذا ابتعد الناس عامةً والمسلمون خاصةً عن عبادة الله وطاعته بتطبيق أحكامه على أهل الأرض.


إن الإحساس بأهمية المبادرة والإسراع والاهتمام بالقيام بالأعمال وباتخاذ المواقف الجريئة الصحيحة التي تعمل على تغيير واقع البشرية الفاسد اليوم يكون بغربلة المعلومات التي تصلنا والتي نحتاج لربطها مع الواقع المحسوس من حولنا لإنتاج الأفكار. فعملية التفكير العقلي تحتاج إلى ربط هذه المعلومات بحقيقة الواقع ثم تكوين فكرة تصبح مفهومًا وتؤثر على السلوك والتصرف تجاه هذا الواقع. ولغربلة هذه المعلومات يجب علينا أن نجعل العقيدة الإسلامية المرجع الوحيد والمقياس الوحيد لصحة المعلومة، التي تؤدي إلى الحكم الصحيح ثم تنتج الفكرة الصحيحة وبالتالي تتخذ المواقف الصحيحة والتي ترضي الله عز وجل لأنها توافق الشرع.


إن إدراك المسلمين بأن النجاة والخلاص في استخدام العقل لإيجاد الفكر الذي ينهض بالإنسان نهضةً أرادها له الخالق عز وجل، هو المخرج. وقتها يتأثر الإنسان ويعود طبيعيًا ويكون مؤثرًا وفاعلًا ويبادر ويأخذ بزمام الأمور لقيادة البشرية وينشر نور الإسلام فيتحطم جدار الجمود الفكري وتذوب اللامبالاة ويحصل الاهتمام المنشود بقضايا الأمة المصيرية.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي - ولاية السودان

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع