الوِحدة في ميــزان الشرع
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في لسان العرب قال: وحكى سيبويه الوحدة في معنى التوحد وتوحد برأيه تفرد به . وبالاستقراء لم نجد في كلام ِ العرب لفظَ الوِحدةِ بكسر الواو فالوحدة والتوحد والتفرد في اللغة بعنى واحد وهو ان يكون الشيء وحيدا أي ان يبقى معزولاً عن غيره ،فتقول توحدَ فلانٌ أي انعزلَ عن غيرهِ وباتَ وحيداً فريداً حريداً وكلها بمعنى واحد .
اما الوِحدة بكسرِ الواو المستعملة اليوم فهي اصطلاح يُرادُ به ضم الكثرة وجمعها في واحد فلا وحدة للواحد والفرد اصطلاحا بخلاف اللغة وانما تكون الوحدة بين الفرقاء المتعددين .
ولا بد للوحدة حتى تكون بين متفرقين من جامع مشترك بينهم يتم الاتفاق عليه بوصفه اساساً للوحدة يلتفون حوله ويعملون بمقتضاه .
ولا وحدة بين البشر الا على جامع مشترك، فلا يتاتى اطلاق الوحدة على متفرقين لا يجمعهم شيء بل الامر الجامع هو اساس الوحدة وهو فلسفتها وهو الحبل الذي ما دام موجودا تكون الوحدة قائمة ، واذا ما ذهب الجامع سقطت الوحدة وانتهت تماما كما اذا قطع حبل العقد فانه لا يصبح عقداً بل ينفرط ويعود قطعا كل قطعة وحدها .
ولما كان الجامع المشترك في الوحدة هو الاساس وهو المعول عليه ، كان لا بد من اقتران اللفظ الدال على الاساس الجامع مع لفظ الوحدة في التسمية ، فاذا كان الجامع هو الاسلام مثلا سميت الوحدة وحدة اسلامية ، واذا كان الجامع هو فكرة القومية ، سميت وحدة قومية وهكذا ، فلفظ الوحدة لا يدل الا على الجمع فقط ، فاذا ما اقترن بلفظ اخر يدل على الجامع بين الفرقاء ظهر معنى الوحدة وتجلى .
والوحدة تكون على اسس كثيرة ، اعلاها وارقاها ما كان على المبدأ ، وادناها ما كان على اساس الرابطة الوطنية ، وقد يكون الاساس الجامع ادنى من المبدأ ، وقد يكون اعلى من الوطنية ، فكلما ارتقى الانسان بالفكر ، كان الجامع للوحدة اكبر وارقى ، وكلما انحط فكر الانسان ، انحط معه تلقائيا الشيء الذي يربطه مع غيره من بني البشر ، فاصحاب الفكر المستنير لا يرون وحدة الا على اساس المبدأ الذي يؤمنون به جميعا ، عقيدة ونظاما ، وهذا الرابط الجامع أي المبدأ هو وحده الذي يصلح للربط بين البشر ، وهو وحده الذي من شانه ان يدوم ويحقق العدل والراحة والطمانينة عند البشر ، لانه اعلى انواع الروابط، لا يـُبقي شيئا من مناحي الحياة الا ويأثر فيه ويسيطر عليه ، وهذا ليس موجودا لباقي الروابط والجوامع التي يمكن ان يتم الاتفاق عليها من اجل التوحد .
واما الوحدة شرعا فلم ترد لفظة الوِحدة بكسر الواو لا في القران الكريم ولا في الحديث الشريف ، ولكن الذي ورد في هذا الخصوص هو لفظ جماعة المسلمين او امة الاسلام الواحدة ، او ما نحو هذه المعاني ، وكله يعني في النهاية امة الاسلام او جماعة المسلمين ، وجماعة المسلمين هم جميع المسلمين الذين وحدهم دين الاسلام ، بعقيدته ونظام الحياة المنبثق عن هذه العقيدة ، فامة الاسلام تؤمن بعقيدة الاسلام وتلتزم باحكام الاسلام ، وهذه العقيدة وهذه الاحكام هي عينها مبدأ الاسلام وهي وحدها التي تمثل الجامع الذي يلتف حوله المسلمين جميعا ، ويتوحدون على اساسه ويشكلون امة واحدة من دون الناس . يقول الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) ويقول الله تعالى ايضا ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ).ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون امة واحدة من دون الناس " . فالجامع الذي وحد الامة الإسلامية هو مبدأ الاسلام لا غير ، ولا ينبغي لهم التوحد على غير الاسلام ، ولا بحال من الاحوال مهما كانت ظروفهم فاذا اجتمعوا على غير الاسلام او ادخلوا في رابطهم وجامعهم شيئا من غير الاسلام فهم اثمون وهو رد عليهم أي ليس مقبولا عند الله لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي مردود ومتروك.ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم" من دعا الى عصبية معتزا بها فاعضوه على هن ابيه ولا تكنوا " ولا وحدة بين المسلمين الا على الاسلام كل الاسلام ، ولا شيء غير الاسلام فهو حبل الله المتين الذي يشد به وثاق هذه الامة وتلتئم به عراها قال تعالى(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ...) وحبل الله هو دين الاسلام ، ولا عصمة للمسلمين الا بهذا الدين الحنيف ، اما وحدة الاحزاب والحركات الاسلامية مع بعضها البعض فهذه الدعوة وان صدرت عن المخلصين الغيورين فهي ضرب من الخيال او تكاد تكون ، والسبب ان الاحزاب الاسلامية والحركات الاسلامية مهما تعددت وكثرت فانها لا تفرق المسلمين وهي جائزة شرعا ودليلها في كتاب الله عز وجل حيث يقول ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فما دامت هذه الاحزاب والحركات تقوم على عقيدة الاسلام وتلتزم في سيرها احكام الاسلام ولا تدخل غير الاسلام في رابطها فهي مظهر صحي، وهي من علامات الرقي في الامة ولا ضير لكثرتها وتعددها ما دامت تقوم على عقيدة الاسلام وتسير على نهجه ، والمشكلة هي ان توجد احزاب وحركات تقوم كليا او جزئيا على افكار غير افكار الاسلام من علمانية وديمقراطية واشتراكية .
والحزبُ الاسلامي او الحركةُ الاسلامية هي التي تشكلت وقامت على عقيدة الاسلام وسارت على نهجه القويم ، ومن الطبيعي ان يكون لها افكار وغايات واهداف وطريقة سير تختلف من حزب لاخر ومن حركة لاخرى حسب اجتهادات كل حزب وحركة ، وهذا كله لا شيء فيه من الناحية الشرعية ما دام مستنبطا من الادلة الشرعية فقط ، لقد خلق الله تعالى الناس متفاوتين في القدرات وقد تعددت الاراء والاجتهادات والافكار والاحكام من حزب لاخر ومن حركة لاخرى ومن مذهب لمذهب حتى في زمن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، ولم تحدث فرقة بين المسلمين لان هذه الإختلافات الفقهية والفكرية والسياسية كل يراها حسب رأيه واجتهاده ولكن لا بد ان يكون الاسلام اساسا لها ولا تشوبها شائبة افكار الكفر والطاغوت .
وما دامت هذه الافكار والاحكام والآراء قد استنبطت من الادلة الشرعية او كان الاسلام اساسها فانها تكون مبرئة للذمة ومن حق كل حزب وحركة ان يعض عليها بالنواجذ ويعمل بموجبها ويدافع عنها وألا يتنازل عنها الى سواها ما دام يرى انها شرعية وتحقق الغاية الشرعية .
وكل حزب وكل حركة يرى في اجتهاداته وآرائه وأحكامه التي تبناها انها صواب تحتمل الخطأ ويرى في افكار غيره واحكام غيره انها خطأ تحتمل الصواب ويرى في طريقته التي يسير عليها انها هي التي توصل الى الهدف وتحقق الغاية وهذا ما لا يراه في طريقة غيره ، ومن هنا تعددت الاحزاب والحركات وكان لكل راي واجتهاد ونظرة ، فالدعوة الى توحيد الأحزاب والحركات في حزب واحد بعد كل التباين والافتراق والاختلاف هو اشبه بالمستحيل .
ان وحدة المسلمين لا تـُرى من خلال وحدة احزابها وحركاتها ولكنها تـُرى من خلال وحدة الامة في كيان واحد ودولة واحدة وأمير واحد ، الخطأ الفادح ان يُنظر الى تعدد الاحزاب والحركات على انها علامة فرقة ، وتُغمض العين عن تشتت الامة في نيف وخمسين دولة .
فالدعوة الى وحدة الاحزاب والحركات في حزب واحد هي مضيعة للوقت وهي أُلهية يُتلهى بها السُّذج والبُسطاء والسَطحيون ، فالاصل ان تنتهي هذه الدعوة وينتقل الناس الى الدعوة الى وحدة الامة الحقيقية ، حيث تكون وحدتهم الحقيقية في دولتهم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا باذن الله .
اما ما يُروج له اليوم من وحدة وطنية فهذه هي الطامة الكبرى ، ذلك ان الوحدة المزعومة والمزمع تشكيلها لا تقوم فقط على غير اساس الاسلام ، بل هي وحدة بين حركة اسلامية وحركات علمانية تعلن عن نفسها دون حياء او خجل، فكيف بالله عليكم سيتم تشكيل وحدة بين المسلمين والعلمانيين، وعلى أي اساس يمكن ان تتشكل وحدة بين هؤلاء ؟ اعلى الاسلام ام على العلمانية؟!واي جامع مشترك يمكن ان يتوصل اليه هؤلاء؟! اكتاب الله وسنة نبيه ام العلمانية وبرنامج فتح والشعبية والديمقراطية، ام خليط من الاسلام والعلمانية ، والله انها لمصيبة وفاجعة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
والأكثر اجراماً ان هذه الوحدة بين هذه الحركات على اثرها سوف تتشكل وزارات ورئاسة لتحكم الناس و باي شرع يا ترى سوف تحكم هذه الوزارات؟! أبشرع الله ام بدستور فلسطين؟ وما ادراك ما دستور فلسطين والى أي شرعة سيتم التحاكم اذا حصل بين الفرقاء نزاع؟! أبالشرعة الدولية اما بالشرعة العربية ام بمجلس الامن والامم المتحدة ثم كيف سيتحرك هؤلاء المتوحدون أباذن امريكا ام باذن يهود؟! واي سيادة ستكون لهم والاحتلال يلفهم من كل جانب وصوب.
ان النظرة البسيطة ولا اقول نظرة التدقيق وانعام النظر تري انكشاف حال هذه الوحدة من اولها الى اخرها وانكشاف حال اصحابها مسلمين وعلمانيين ، وتري وبكل وضوح ان هذه ليس وحدة تقوم على الشرع وليس المقصود منها الوحدة من حيث هي وحدة ، وانما هي مؤامرة على اهل فلسطين وعلى المسلمين بشكل عام ، وهي وسيلة للوصول الى تصفية قضية فلسطين والتنازل عنها لليهود والرضى بالدنية، وبدولة لا يجوز حتى تسميتها دولة ، بل بسجن كبير في جزء يسير من ارض الاسلام وارض الرباط التي جعلها القران الكريم جزء من عقيدة المسلمين الارض التي رواها اجدادنا البررة الانقياء بدمائهم .
ان هذه الوحدة حرام شرعا ولا تجوز بحال من الاحوال وكل ما يمكن ان يقال فيها انها خيانة لله ورسوله وللمسلمين جميعا.
( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَـرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَـأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِـيرٍ )