شهادة حامل دعوة على جرائم النظام السوري زمن حافظ الأسد
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه صورة واحدة من صور التعذيب التي حصلت في المعتقلات السورية أوائل حكم الرئيس حافظ الأسد.
اعتقلت مع حوالي عشرة شباب من أُخوتي في حزب التحرير في دمشق أوائل عام 1972 للميلاد، اعتقلنا لا لشيء إلا لأننا أعضاء في حزب التحرير، ندعو بالطريقة الشرعية السياسية إلى إعادة دولة الخلافة.
اعتقلنا من قبل فرع الأمن الداخلي في "القَصَّاع"، وضعونا في زنازين انفرادية ضيقة، لا تتسع الواحدة منها إلا لشخص واحد، وبدأ التحقيق معنا من قبل عناصر هذا الفرع الذي كان يشرف عليه ضابط من الجيش مع عدد من أفراد وضباط كتيبته العسكرية.
وفي هذه الرسالة يذكر الأخ الفاضل محمد حسين عبد الله - أبو سفيان انه سيتحدث فقط عن بعض ما حصل معه في الشهور التسعة التي قضاها في زنازين فرع الأمن الداخلي:
اعتقلوني من احد مساجد "دوما" بعد صلاة الظهر مباشرة، وبدأ التحقيق معي من قبل رئيس الفرع الضابط "فريد النُقَري" الذي سلمني فورا إلى زبانيته، فبدأو بضربي دون أي استجواب، ضربوني بسلك كهربائي سميك " كابل كهربائي" وأنا في ملابسي الداخلية حتى أدموا جسمي، وخرجت الدماء من على ملابسي.
انتهى التحقيق معي بعد يومين أو ثلاثة، حيث كتبوا إفادتي على أوراق. وبعدها صار الحراس يأخذونني من زنزانتي بعد كل وجبة طعام " الفطور والغداء والعشاء" إلى غرفة مدير السجن، ليضربوني أمامه، دون أن يسألوني عن شيء، وإنما لمجرد الإيذاء والإذلال، ثم منعوني من الصلاة في الزنزانة، ولكني داومت على الصلاة في وقتها رغم تهديدهم.
وفي مساء احد الأيام أثناء تأديتي صلاة المغرب، جاء مدير السجن، وناداني من فتحة باب الزنزانة، طالبا مني ترك الصلاة، فلم أردّ عليه، وتابعتُ صلاتي، ففتح الزنزانة وانهال عليّ يضربني بعنف، وأنا في الجلوس الأخير، ثم أخذني إلى غرفة الإدارة، وهناك اجتمع بعض عناصره، وبدأوا بضربي، وبخاصة المدير، فقد كان يرميني بكل ما تقع عليه يديه في الغرفة، من كراسي ومنافض زجاجية ثقيلة وغيرها. وفجأة ، وقع المديرُ أرضاَ مغشيا عليه، فنقلني العناصر إلى زنزانتي، وقد تورم رأسي ووجهي، وسال دمي. وفي اليوم التالي، قال أحدُ العناصر لي وهو يسوقني إلى الحمام: "لقد سبَّبتَ شللا للمدير، وقد نقلوه إلى المشفى" وفعلا لم أره بعدها.
وفي اليوم التالي قابلني المدير الجديد مهدداً ومتوعداً، وكان المدير يتناول طعام إفطاره في الغرفة التي يضربوننا فيها أمامه، فقلت له مرة بعد أن ضربوني أمامه! كيف تأكل وهم يضربونني أمامك"، فقال: " اضربوه مرة أخرى".
وأثناء وضوئي لصلاة الظهر في احد الأيام، جاء احد العناصر وضربني قائلاً: أنت ممنوعٌ من الصلاة ومن الوضوء.
وفي اليوم نفسه وأثناء وضوئي لصلاة العصر، قال احد العناصر لزميله على مسمع مني: " اتركه يتوضأ، فإن " أبو الهيثم" الذي ضربه ظهرا، قد جاءه خبر من قريته أنّ ابنه الوحيد قد توفي في حادث سيارة، فتذكرت قول الباري سبحانه وتعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا " وفي الليلة نفسها، نزل مدير الفرع الضابط "فريد النُقَري"، ووقف أمام فتحة زنزانتي ومن ورائه بعض العناصر، وسألي عن حالي، فقلت: "الحمد لله" فقال للعناصر: "انقلوه إلى الغرفة الجماعية، واسمحوا له أن يغتسل ويتوضأ ويصلي"، فنفذوا ما قاله رأسا، إلا أن التعذيب ظلَّ مستمرا لي ولإخوتي الشباب، فقد كنت أسمع أصواتهم وأصوات العصي على أقدامهم.
وأثناء وجودنا في الزنازين، وعندما حلَّ البرد في فصل الخريف، أخذوا ما في الزنازينِ من بطانيات وفرش وتركوها عارية إلا من ساكنيها، وصاروا يقدمون لنا طعاماَ واحداَ من البرغل المسلوق بالماء كل يوم، دون أدام " من زيت أو دهن"، وبسبب هذه المعاملة "بردٌ، سوء تغذية، وتعذيب" صار بعض الشباب يسقطون في الطريق أثناء ذهابهم للحمامات من الإعياء، فأخذوا بعضهم إلى المشفى لإسعافهم مؤقتاَ.
أمّا ملابسي البنطالُ والقميصُ فظلت عليّ دون تبديلها مدة تسعة اشهر، وقد تخلصت من الملابس الداخلية التي يبست واسودت نتيجة العرق والدماء، رغم أن أهلي قد احضروا لهم حقيبةً مليئة بالملابس، منذ الشهر الأول من اعتقالي، ولم يسلموها لي إلا عند نقلي إلى سجن القلعة في دمشق.
محمد حسين عبد الله- أبو سفيان