ويكيليكس... حفلة نشر الغسيل
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلن جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس قبل أيام أن "مئات الآلاف من الوثائق السرية الأميركية التي سينشرها قريباً تشمل كل القضايا الكبرى". فجاءت ردود الأفعال الدولية شديدة وعلى رأسها أميركا التي أبلغت المؤسسة "أن نشر تلك الوثائق سيعرّض حياة أشخاص لا يحصون للخطر، ويهدد عمليات مكافحة الإرهاب، وعلاقات واشنطن بحلفائها في العالم"، وعبّرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن مخاوف أميركا من التسريبات الوثائقية بقولها أنها "تهديداً للأمن القومي الأميركي واعتداء على المجتمع الدولي، والمفاوضات التي تحصن الأمن العالمي". أما وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني فاعتبر أن الوثائق "ستشكل 11 أيلول الدبلوماسية العالمية". وفي كيان يهود وصف المعلّق السياسي في صحيفة يدعوت أحرونوت شمعون شيفر الوثائق بأنها "متفجرات سياسية"متوقعاً أن تحدث أزمة داخلية في كيان يهود فضلاً عن أزمة حقيقية في العلاقات بين الولايات المتحدة وكيان يهود "إذا ما تبين أن واشنطن زرعت عملاء في مؤسسة كيان يهود".
ومازالت ردود الأفعال تتزايد مع اتساع رقعة الدول التي تمسّهم الوثائق، حيث شملت آسيا الوسطى والشرق الأوسط ودول الخليج وإيران، ومازالت الفضائح تتكشف من داخل العائلة الواحدة، وكما يقال بالعامية المصرية: "بينشروا غسيل بعض".
قد تلفت ويكيليكس أنظارنا إلى أمرين مهمّين، الأول هو سياسة هذه الدول وعلى رأسها أميركا، حيث تكشف لنا هذه الوثائق وبوضوح أن السياسة عندهم هي الكذب والدجل والتضليل والابتزاز والرشاوى، فعلاً كما عبر عنها أستاذهم رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل بقوله: "إن الحقيقة في حاجة إلى أن نحميها دائما بسياج من الأكاذيب". هذا بخلاف سياستنا في الإسلام، التي تقوم على رعاية شئون الناس والاهتمام بمصالحهم وفق أوامر الله ونواهيه، هذه السياسة التي أُقصيت عن الواقع ليرتع هؤلاء بسياستهم في العالم.
الأمر الآخر الملفت للنظر هو التعجرف الأميركي الذي لا يتزحزح مهما كثرت فضائح الساسة الأميركان، ففضائح بيرل هاربر ووتر جيت وإيران جيت وفيتنام و11 سبتمبر وأبو غريب وجوانتانامو وغيرها من الفضائح التي تورطت بها أميركا وسفكت من خلالها دماء شعبها وشعوب العالم، هذه الفضائح التي لن تقف عند حد ويكيليكس بل ستستمر تُكشف أمام العالم وأمام الشعب الأميركي، ومع ذلك تمر هذه الفضائح وكأنها ذبابة وقعت على أنف أميركا فأزاحتها بأيديها ولم تترك أي أثر، وأرجّح سبب ذلك أن غير أميركا ومن يتربصون بها من الدول قد طالتهم الفضائح لذلك لا يستغلّونها لإزاحة أميركا عن الصدارة، أما الشعب الأميركي بمجموعه فهو أقل من أن يؤثر على السياسة الأميركية ناهيك عن أن آراؤه وأفكاره صنيعة الإعلام الأميركي أصلاً، يتحرك متى ما أرادت أميركا أن تحركه ويسكن متى ما أرادت أن تسكنه. أما الشعوب المسلمة، فإن فضائح أميركا السياسية تمر عليهم كأنها خبر من الأخبار، فحكامهم يتسترون على أميركا وكأنها أمّهم، وسياسييهم يبررون لأميركا أفعالها ويدافعون عن فضائحها.
إن هذه الفضائح تكشف لنا أمراً مصيرياً، هو أن أميركا ما تفرّدت بالعالم لقوة تملكها فقط، بل لعدم وجود الدولة المنافسة لها والمبدأ المنافس لمبدئها، وأقصد بالدولة هي الخلافة الراشدة التي تحمل الإسلام رسالة صدق ورحمة، لا حقائق تلفها مجموعة أكاذيب.
بقلم: حسن الضاحي