الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الشركات في الإسلام شركة العنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام نظام حياة شامل شرَعه الله سبحانه وتعالى للبشرية لِتُسيّر أمور حياتها بناءً عليه لِتَسعد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89). ولكن مع غياب نظام الإسلام عن الحياة وسيطرة النظام الرأسمالي العفن على حياة الناس وعقولهم ومحاربته الإسلام كنظام حياة جعل بعض المسلمين يجهلوا أنّ في الإسلام أحكاماً لكل فعل أوعمل ينوي الإنسان القيام به، وأنّ في الإسلام قواعد شرعية لاستنباط الأحكام لكل ما يستجد في الحياة.
إنّ الإسلام حدد أنواعاً للشركات، وبين ماهيَّتها، وكيفية انشائها، وتوزيع أرباحها وخسائرها، وكيفية فسخها. ولكن سيطرة النظام الرأسمالي بأنواع شركاته على العالم وتطبيقه في بلاد المسلمين جعل من الصعب -بل من المستحيل في بعض الأوقات- اقامة الشركات بناءً على أحكام الإسلام، فالنظام المُطبق نظامٌ رأسماليٌ مخالف للإسلام. ومما ساعد على إبعاد المسلمين عن إدراك واقع الشركات الإسلامية وجود بعضٍ من علماء المسلمين أضفوا الصبغة الإسلامية على أنواع الشركات الرأسمالية بدل أن يدعوَ هؤلاء العلماء الى تطبيق أحكام الإسلام كافةً بما فيها الشركات كما أرادها الإسلام. ومن أجل ذلك، سنقوم ببيان أنواع الشركات في الإسلام وتوضيحها وبيان أنّ الإسلام يملك البديل عن الشركات الرأسمالية، وهذا البديل من صنع الخالق سبحانه وتعالى وليس من صنع البشر، فهو صالحٌ لكل زمان ومكان تُطبق فيه أحكام الله تعالى وشريعته.
إنّ الأحكام المتعلقة بالشركات الإسلامية كثيرة ولا يمكن أن تُعطى حقها في الشرح والتبيان في موضوعٍ أو عددٍ واحدٍ، لذلك سنقوم في هذا العدد ببيان أحكام نوعٍ واحد من الشركات الإسلامية، وفي أعداد قادمة سنقوم ببيان أحكام وأنواع الشركات الإسلامية الأخرى إن شاء الله.
الشـركة شـرعاً هي عقد بين اثنين فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي، بقصد الربح. وعقد الشركة يقتضي وجود الإيجاب والقبول فيه معاً، كسائر العقود. ولا بد من أن يتحقق في الإيجاب والقبول معنى يفيد أن أحدهما خاطب الآخر مشافهة، أو كتابة، بالشركة على شيء، والآخر يقبل ذلك. فالاتفاق على مجرد الاشتراك لا يعتبر عقداً، والاتفاق على دفع المال للاشتراك لا يعتبر عقداً، بل لا بد من أن يتضمن العقد معنى المشاركة على شيء. وشرط صحة عقد الشركة أن يكون المعقود عليه تصرفاً، وأن يكون هذا التصرف المعقود عليه عقد الشركة، قابلاً للوكالة، ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما.
والشركة إما شركة أملاك، أو شركة عقود. فشركة الأملاك هي شركة العين، كالشركة في سيارة يرثها رجلان، أو يشتريانها، أو يهبها لهما أحد، أو ما شاكل ذلك. وأما شركة العقود فقد تبين من استقراء شركات العقود في الإسلام وتتبعها، وتتبع الأحكام الشرعية المتعلقة بها، والأدلة الشرعية الواردة في شأنها، أن شركات العقود خمسة أنواع هي: شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة المضاربة، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة. وفي هذا العدد سنبين أحكام شركة العنان مع مثال يوضح هذه الأحكام.
شركة العنان هي أن يشترك بدنان بماليهما، أي أن يشترك شخصان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما، والربح بينهما. وهذه الشركة جائزة بالسنة وإجماع الصحابة، والناس يشتركون بها منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيام الصحابة.
وهذا النوع من الشركة يُجعل فيه رأس المال نقوداً. أما العروض فلا تجوز الشركة عليها إلاّ إذا قوّمت وقت العقد، وجعلت قيمتها وقت العقد رأس المال. ويُشترط أن يكون رأس المال معلوماً يمكن التصرف به في الحال. فلا تجوز الشركة على رأس مال مجهول، ولا تجوز بمال غائب، أو بدَين، لأنّه لا بد من الرجوع إلى رأس المال عند المفاصلة. ولأن الدَين لا يمكن التصرف به في الحال، و التصرف في رأس المال هو مقصود الشركة. ولا يشترط تساوي المالين في القدر، ولا أن يكون المالان من نوع واحد، إلا أنه يجب أن يُقوَّما بقيمة واحدة حتى يصبح المالان مالاً واحداً، فيصح أن يشتركا بنقود ذهبية وفضية، ولكن يجب أن يُقَوَّما بقيمـة واحـدة، تقويـماً يُذهِبُ انفصالهما، ويجعلهما شيئاً واحداً. لأنّه يشـتـرط أن يكـون رأس مال الشـركة مالاً واحـداً شائعاً للجميع، لا يعرف أحد الشريكين ماله من مال الآخر. ويشترط أن تكون أيدي الشريكين على المال. وشركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة؛ لأنّ كل واحد منهما يكون بدفعه المال إلى صاحبه قد أمّنه، وبإذنه له في التصرف قد وكّله. ومتى تمَّت الشركة صارت شيئاً واحداً، وصار واجباً على الشركاء أن يباشروا العمل بأنفسهم، لأنّ الشركة وقعت على أبدانهم. فلا يجوز لأحدهم أن يوكل عنه من يقوم ببدنه مقامه في الشركة في التصرف. بل الشركة كلها تؤجر من تشـاء، وتسـتخدم بدن من تشاء أجيراً عندها لا عند أحد الشركاء.
ويجوز لكل واحد من الشريكين أو الشركاء أن يبيع ويشتري على الوجه الذي يراه مصلحة للشركة. وله أن يقبض الثمن والمبيع، ويخاصم في الدين، ويطالب به. وله أن يستأجر من رأس مال الشركة ويؤجر. وله أن يبيع السلعة، كالسيارة مثلاً، وله أن يؤجرها باعتبارها سلعة للبيع. ولا يشترط تساوي الشريكين في المال، بل يشترط تساويهما في التصرف. أما المال فيصح أن يتفاضلا فيه، ويصح أن يتساويا فيه، والربح يكون على ما شرطا. فيصح أن يشترطا التساوي في الربح، ويصح أن يشترطا التفاضل فيه. وقد كان علي رضي الله عنه يقول بهذا: «الربح على ما اصطلحوا عليه» رواه عبد الرزاق في الجامع. أما الخسارة في شركة العنان فإنها تكون على قدر المال فقط، فإن كان مالهما متساوياً في القدر فالخسارة بينهما مناصفة، وإن كان أثلاثاً فالخسران أثلاثاً. وإذا شرطا غير ذلك لا قيمة لشرطهما، وينفذ حكم الخسارة دون شرطهما، وهو أن توزع الخسارة على نسبة المال؛ لأنّ البدن لا يخسر مالاً، وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط، فتبقى الخسارة على المال، وتوزع عليه بنسبة حصص الشركاء، روى عبد الرزاق في الجامع عن عليّ رضي الله عنه قال: «الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه».
ولتوضيح بعض أحكام شركة العنان، نضرب المثال التالي: اتفق أحمد وعلي على الشراكة في بقالة تجارية برأس مال 100,000$، شارك أحمد بـ 30,000$ وشارك علي بـما قيمته 70,000$ من رأس مال الشركة. 10,000$ مما اشترك به علي هو قيمة سيارة أصبحت من رأس مال الشركة، و 20,000$ قيمة بضاعة أصبحت من رأس مال الشركة، والباقي نقوداً بعملات مختلفه قيمتها وقت الشراكة 40,000$، أما أحمد فقد اشترك بـ 30,000$ نقداً. واتفقا على أنّ الربح مناصفة (ويجوز أن يختلف، كأن يكون لأحمد 40% ولعلي 60% من الربح أو حسب ما يتفقان عليه). وفيما يلي توضيح لبعض الأحكام المتعلقة بالشركة المنعقدة بينهما:
لا يجوز أن يتفقا على أنّ الخسارة مناصفة أو غير ذلك، لأنه يخالف الشّرع، فالخسارة تكون بنسبة رأس المال، أي أن أحمد يتحمل 30% و علي يتحمل 70% في حالة الخسارة.
يجب أن يكون رأس المال متوفراً للتصرف به عند الإتفاق على الشراكة، ولا يجوز أن يكون جزءاً منه دَيْناً يُنتظر دفعه، فلا يجوز أن يكون 5000$ مما شارك به أحمد دَيناً يَنتظر دفعه.
يملك أحمد أو علي حق التصرف برأس مال الشركة كاملاً لأنه بمجرد الإتفاق على الشراكة يكون كلٌ من الشريكين أمّنّ الآخر على ماله وكذلك وكّله التصرف بهذا المال. فيحق لأحمد أو علي إستئجار مكان للبقالة، أو شراء ثلاجة لها، أو شراء البضائع أو بيعها.
لايحق لأحد الشريكين أن يُوكِّل عنه شخصاً آخر للقيام بأعمال الشركة كشراء البضائع أو بيعها مهما كان ذلك الشخص.
يحق لأحد الشريكين أن يستأجر أجيراً بأجرٍ معلوم للقيام بأعمال الشركة كشراء البضائع أو بيعها، ويكون هذا الأجير أجيراً عند الشركة وليس أجيراً عنده.
في شركة العنان لا يحق لأحد الشريكين أن يكون أجيراً عند الشركة يتقاضى أجراً معلوماً، ذلك أن الأجير يُدفع له أجره سواءً أربحت الشركة أم خسرت، أما الشريك فإنه يأخذ من الربح بحسب ما اتفقا عليه ويخسر بحسب نسبته من رأس المال.
إذا أراد أحمد وعلي إضافة شريك ثالث، وجب فضُ الشركة ومعرفة رأس مال كلٍ منهما بعد توزيع الأرباح أو الخسائر، ثم يتم الإتفاق على شراكة جديدة بين الشركاء الثلاث برأس مال جديد وبنسبة ربح يتفقون عليها.
هذه أحكام شركة العنان، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُعز الإسلام لِتُطَبق أحكامه لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع