مع الحديث الشريف- مراعاة سلم القيم - عبدالرحمن الحارس
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" رواه أبو داود
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود بتصرف يسير " ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ) َقَالَ فِي الْقَامُوس: وَعَيَّنَ أَخَذَ بِالْعِينَة بِالْكَسْرِ أَيْ السَّلَف أَوْ أَعْطَى بِهَا. قَالَ وَالتَّاجِر بَاعَ سِلْعَته بِثَمَنٍ إِلَى أَجَل ثُمَّ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَن اِنْتَهَى . قَالَ الرَّافِعِيّ : وَبَيْع الْعِينَة هُوَ أَنْ يَبِيع شَيْئًا مِنْ غَيْره بِثَمَنٍ مُؤَجَّل وَيُسَلِّمهُ إِلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِيه قَبْل قَبْض الثَّمَن بِثَمَنِ نَقْد أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْر.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَخَذْتُمْ أَذْنَاب الْبَقَر وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ) حُمِلَ هَذَا عَلَى الِاشْتِغَال بِالزَّرْعِ فِي زَمَن يَتَعَيَّن فِيهِ الْجِهَاد
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَرَكْتُمْ الْجِهَاد) أَيْ الْمُتَعَيَّن فِعْله
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَّطَ اللَّه عَلَيْكُمْ ذُلًّا) أَيْ صَغَارًا وَمَسْكَنَة وَمَنْ أَنْوَاع الذُّلّ الْخَرَاج الَّذِي يُسَلِّمُونَهُ كُلّ سَنَة لِمُلَّاكِ الْأَرْض .
وَسَبَب هَذَا الذُّلّ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه الَّذِي فِيهِ عِزّ الْإِسْلَام وَإِظْهَاره عَلَى كُلّ دِين عَامَلَهُمْ اللَّه بِنَقِيضِهِ وَهُوَ إِنْزَال الذِّلَّة بِهِمْ فَصَارُوا يَمْشُونَ خَلْف أَذْنَاب الْبَقَر بَعْد أَنْ كَانُوا يَرْكَبُونَ عَلَى ظُهُور الْخَيْل الَّتِي هِيَ أَعَزّ مَكَان . قَالَهُ فِي النَّيْل."
يجب على المسلم أن يكون الله ورسوله أحب إلى نفسه من الدنيا وما فيها، وأن يضحي بجميع مصالحه وارتباطاته في سبيل الله، وان يكون لمقام الدعوة المقام الأول في حياته الدنيا، وهذا هو الإيمان الحق وعنوان التجرد لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وقد علمنا الرسول الكريم ترتيب سلم القيم بقوله: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
وقدْ ضَرَبَ لنا السلفُ الصالحُ أمثلةً في ذلك يَقتدي بها العاملون المُخلصون: فهذا خالدُ بنُ الوليد يقول يوماً " ما ليلةٌ يُهدَى إليّ فيها عَروسٌ أو أُبَشَّرُ فيها بوليدٍ بأحَبَّ إليّ من ليلةٍ شديدةِ الجليدِ في سَرِيَّةٍ من المجاهدينَ أُصبِحُ بهم المشركين ". وهذا مُصعبُ بنُ عميرٍ يقول فيه رسولُ الله: "لقد رأيتُ مُصعَباً هذا وما بمكّةَ فتىً أنعمَ عندَ أبويْهِ منه، لقد تركَ ذلك حُبّاً للهِ ورسولِه". وهذا سعيدُ بنُ عامرٍ يقول لزوجتِهِ وقد آسَفَها إنفاقُ زوجِها في سبيلِ الله " تعلَمِينَ أنّ في الجنةِ من الحورِ العِينِ والخيراتِ الحِسانِ ما لوِ أطَلَّتْ واحدةٌ منهنّ على الأرضِ لأضاءَتْ جميعا، ولَقَهَرَ نورُها نورَ الشمسِ والقمرِ معاً، فَلَأِنْ أُضَحِّيَ بكِ من أجلهِنَّ أحْرى وأوْلى من أنْ أُضَحِّيَ بهنَّ من أجلِكِ".
وهناكَ مفارقةٌ عجيبةٌ، الإسلامُ يجمعُ بينَ زوجيْنِ كريميْنِ هما حنظلةُ الغَسيلُ وجميلة، وأبَواهُما منْ ألَدِّ أعداءِ الإسلامِ والمسلمين، حنظلةُ بنُ أبي عامرٍ الراهب والأبُ رأسُ الكُفرِ والعمالَةِ لدولةِ الروم، وجميلةُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ أُبَيّ والأبُ رأسُ النِّفاقِ بالمدينةِ المنورة.
مرّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيّدةٍ من بني دينارٍ استُشْهِدَ في معركةِ أحُدٍ: أبُوها، وزوجُها، وأخُوها. وحين أبْصَرَتِ المسلمينَ العائدينَ من المعركة، سارَعَتْ نحوَهُم تسألُهُم عن أبنائِها، فَنَعَوْا إليها الزوجَ والأبَ والأخَ وإذا بها تسألُهُمْ في لَهْفَة: وماذا فعلَ رسولُ الله؟؟ قالوا: خيراً، وهو بِحَمْدِ اللهِ كما تُحبّين. قالت: أَرُونِيهِ، حتى أنْظُرَ إليه. فلَبِثوا بِجِوارِها حتى اقتربَ الرّسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلمّا رأَتْهُ أقْبَلَتْ نحوَهُ تقولُ: كلُّ مُصيبةٍ بعدَكَ، أمْرُها يَهُون.