الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

رايتنا هي هويتنا وعقيدتنا

 

كان العرب والعجم إذا خرجوا بشكل جماعي - وليس أفراداً - من الديار لمقصد معين ربطوا على رؤوسهم أو أعلى أدواتهم إشارات تدل على غايتهم، وحتى بعض وجهتهم، وكذلك في الحرب، كانوا إذا خرجوا لها يضعون على رؤوسهم ورؤوس رماحهم من تلك الإشارات. وسار الأمر على ذلك حتى استوطنت هذه الإشارات قبائل وشعوبًا معينة، التي اتخذت لنفسها رسمًا رفعته لموطنها فأصبح علامتها المميزة، فمنها من رفع الأسود، ومنها من رفع الأحمر... ومن رؤية هذه العلامة يُعرف لمن تعود. واستمر الأمر على هذا حتى يومنا، حيث ما من جماعة تسلك مسلكًا أو تسكن مسكنًا إلا ميّزت نفسها براية - أو سمِّها علمًا - تُعلم بها صفتها، ويُعنى بها شيء.

 

وعندما بعث الرسول الأعظم، صلوات ربي وسلامه عليه، كانت قبائل العرب والعجم ترفع أعلامًا ورايات وصورًا تميزها عن غيرها من القبائل والأمم، وكان القاصي والداني يعرف أنها تعطي حاملها هويةً خاصةً معينةً، محصورةً بشيء معين، لا يخرج عن نطاق الاسم أو العرق أو المكان أو الدين.

 

فعلى سبيل المثال كان الجيش الصليبي يرفع خرقةً حمراء مرسوماً عليها صليب أبيض، فكان الصليب يرمز للذي يُدّعى أن المسيح صُلب عليه، والأحمر يرمز لدمائه التي سالت، بزعمهم الباطل. أما المغول فكانوا يرفعون رايات مرسوماً عليها ما يظنون بأنه رمز القوة والخير في بلادهم. وفي العصور المتأخرة، بعد أن تمزقت الدول إلى مملكات ودويلات في أوروبا الغربية والشرقية، اتخذ كل أمير أو ملك رمزًا خاصًّا يميز به مملكته عن غيرها، ويصف فيه رسالته. وأخيرًا في هذه الأيام، قامت دول العالم المستعمر برفع أعلام لها مرسوم أو مكتوب عليها ما يعني لها شيئًا. فمثلًا أمريكا تضع على علمها النجوم والخطوط والألوان، لترمز إلى أشياء كثيرة تقدسها، ولتسطر عليه تاريخها، وتحفظ لها هويتها، حتى إنها تقدس العلم نفسه لإيمانها بمعانيه.

 

لقد كانت البلدان على مدار التاريخ عندما تحتل شعبًا، تحاول أن تفرض رايتها عليه، وكانوا يقبلون بالأمر، فيمسون كما لم يغدوا. أما نحن المسلمين فالأمر على النقيض تمامًا، فنحن لا نقبل بتغيير هويتنا أو ملتنا أو التخلي عن ماضينا المزهر بسهولة، والمستعمر عندما أدرك ذلك سعى بكل قوة مستخدمًا الأساليب القديمة للترويج لعقيدته وهويته حتى نستسيغها، لكن محاولاته باءت بالفشل الذريع، ليس لأنه لم يبذل وسعه، أو لقلة حيلته، لكن لقوة عقيدة الإسلامية وأفكارها الراسخة في عقولنا، وليس من السهل على أحد نزعها أو التشكيك فيها، فهي مقنعة للعقل، موافقة للفطرة.

 

بعد أن استنفد الغرب المستعمر جهده من أجل تغيير ما في العقول، لجأ إلى استخدام أسلوبٍ آخر، ألا وهو العمل على القشور التي تحافظ على العقيدة، وتغيير ما تقع عليه العين، حتى يستسيغه المشاهد البسيط، ويصبح مفهومًا عميقًا عنده لا يستطيع أحد إزالته إلا بقوة نظام يعيد رسم المستقبل. فسعى جاهدًا بكل ما أوتي من قوة إلى تفكيك وحدة الأمة، وتجزئتها بما يخدم مصلحته وغايته، فنجح في ذلك، وأصبح لكل بلد صغيراً كان أم كبيراً عَلمًا لم ينزل الله به من سلطان، في سعي الغرب لترسيخ الفرقة والتمزق والتشرذم، ونشر الطبقية والعنصرية النتنة التي كانت ولا تزال موجودةً في بلادهم، كل هذا من أجل غاية خبيثة لا تخرج عن نطاق سياسة "فرّق تَسُد"، و"شتِّتْ يسهلْ عليك القتل"، فأصبحنا بعد أن كنا على قلب رجل واحد كالبنيان المرصوص، أصبحنا لا نكترث بالجار القريب، فكيف بالبعيد؟! كل هذا نتيجة ضيق النظر، وعدم إدراك الحال ووضوح الرؤية.

 

إن نظرةً إلى التاريخ ترينا كيف لم يتمكن أحدٌ من الأمة الإسلامية عندما كانت موحدة صاحبة غاية واحدة، وما أن تخلت عن وحدتها حتى انقض الغرب عليها، وهو صاحب فكرة تمزيق الدول وإعطاء خرقة لكل مزقة، وهو نفسه الذي ضم تحت جناحيه الدول باسم الاتحاد الأوروبي، وضم خمسين ولاية في شبه قارة باسم الولايات المتحدة، لأنه يعلم أنه بجمع شملها، تزداد قوته، فيطرد عدوها، ويرفع رايته المميزة لفكره وتاريخه.

 

إن الأمر لن يصلح إلا بما صلح به أوله، عندما وحّد رسول الله ﷺ  المسلمين من جميع الأعراق والقبائل تحت راية تميزهم عن غيرهم، تكون خفاقةً فوق الرؤوس، لا ترمز لشيء إلا لهويتهم وغايتهم التي لأجلها خُلقوا، ففيها توحيد خالقهم، وذكر قائدهم إلى قيام الساعة. وهنا يجب أن تكون عند المرء سعة في النظر، ويكون صاحب هدف لأجله مستعدٌ للموت، وللتضحية بالغالي والنفيس كي يظهره.

 

كيف نرضى بهذا نحن المسلمين؟ كيف نقبل بما لا يمثل أبسط الأفكار التي ميزتنا ورفعتنا من الدرجات السفلى إلى الدرجات العليا التي اختارها لنا خالقنا؟ وكيف لا نفخر برفع راية كُتب عليها اسم الله واقترن به اسم نبيه ﷺ ؟ كيف نستبدل الذي الأدنى بالذي هو خير، ليس في الدنيا فقط، بل وفي الآخرة أيضًا؟ أنستبدل بما كُتب عليه اسم الله والمصطفى عليه الصلاة والسلام خرقةً فرضها المستعمر وعمل على إيجادها جاهدًا بكل ما أوتي من قوة سنين طوالاً؟ أليس هذا بأمر عُجاب؟

 

إنّه من أكبر المؤامرات التي حاكها الكافر المستعمر لنا هي مسخ هويتنا، وجعلنا نركض خلف سراب، قد أُزيل بعون الله عن أعيننا. فلا بد أن نعي أن الأمور تُقاس بمقياس الحق والباطل، والعدل والظلم. إنّ الغرب هو من اختار رايته وعلمه، وترجم عليها أفكاره ومشاعره، وحتى عقائده، أما نحن، فكأن لا حول لنا ولا قوة، يتحكم بنا المستعمر، الذي لا يزال يعمل جاهدًا مجدًّا على إبقاء الحال على ما هو عليه، ليستمر في غطرسته وعنجهيته، يفرض إرادته علينا.

 

لقد آن الأوان لكي نصبح أصحاب رأي، ونعبر عن فكرنا بالأفعال، فالأثر دائمًا يدل على المسير، فإن رفعت أمة الإسلام رايةً سوداء مكتوباً عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فإن القاصي والداني سيعلم أن هذه الأمة تعبد ربًا لن يتركها لقمة سائغة للكافر، وأن لها قائدًا قد تركها على المحجة البيضاء، وترك لها دستورًا يقودها حتى اليوم الموعود. فلماذا هذا العزوف والخوف من إظهار ما في قلوبنا ممّا يغيظ صدور الكفار المستعمرين؟ إنّ الأمر صَغُر أو كبر سيُكتب لنا في ميزان حسناتنا، ولن يترنا الله أعمالنا.

 

إنّ الكافر المستعمر ما انفك يظهر امتعاضه وكرهه لرؤية الراية السوداء المكتوب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، الراية التي أقضّت مضجعه وأقلقت نومه، فهي ترمز إلى ما سعى لهدمه سنين طوالاً، وهو قد أنفق المال الكثير حتى لا يراها ترفرف فوق الرؤوس ويحملها المخلصون الساعون لتطبيق الإسلام. إن الكافر المستعمر يدرك أن رفع هذه الراية يبشر باقتراب عهد جديد تكون فيه نهاية عهده، ونهايته.

 

إنه لهذا يجب علينا أن نعلم أن المستعمر لا يفكر في شيء سوى مضرتنا، والحفاظ على وضعنا المضني، ورؤيته لهويتنا مرفوعةً فوق الرؤوس تجعله يدرك ضعف الخيوط التي نسجها، وتجعله يرى بناءه يتفتت أمامه. إنّ فكرنا هو مصدر قوتنا ورفعتنا، وهو ما يميزنا عن غيرنا، ويجعلنا ننضوي في دولة واحدة، تحت راية واحدة، عليها اسم الخالق الباري والنبي المصطفى ﷺ ، راية العقاب، التي اختارها قائد هذه الأمة لتكون لنا ميزة وهوية.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. ماهر صالح – أمريكا

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع