خبر وتعليق أعمال الشغب تجتاح أمريكا من الساحل إلى الساحل (مترجم)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
طغت أخبار قرار هيئة المحلفين الكبرى على جميع العناوين الرئيسية، وهو القرار الذي قضى بعدم توجيه الاتهام لدارين ويلسون، وهو ضابط شرطة فيرغسون في ولاية ميسوري، الذي أطلق النار وقتل الفتى الأمريكي الأعزل، مايكل براون، الذي ينحدر من أصول أفريقية وذلك قبل ثلاثة أشهر تقريبًا. وتسبب هذا الحكم بموجات من الغضب وزعزع الثقة بالنظام القضائي في المجتمعات الأمريكية من ذوي الأصول الأفريقية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وضربت موجة جديدة من العنف شوارع المدن الأمريكية قامت بها بعض المناطق مما تطلب إرسال قوات الحرس الوطني لتوفير حماية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب المتصاعدة التي تدعو إلى العدالة. (المصدر: صحيفة نيويورك تايمز وبرس تي في، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2014)
التعليق:
لقد انطلقت احتجاجات ضخمة في 90 مدينة أمريكية وذلك كرد فعل على قرار هيئة المحلفين الكبرى. وقد أُرسل أكثر من 2100 عنصر من قوات الحرس الوطني إلى فيرغسون في ولاية ميسوري لقمع أعمال الشغب التي اندلعت هناك. وقد أُغلقت الشوارع الرئيسية والطرق السريعة والجسور بسبب نزول المتظاهرين إلى الشوارع بما فيها شوارع نيويورك ولوس أنجلوس وسياتل وشيكاغو وأمام البيت الأبيض. وقد عمّ الغضب الهائج والصدمة العنيفة بسبب التجاهل التام للفتى الميت - وهو فتى أمريكي من أصول أفريقية وهو أيضًا مواطن أمريكي - الذي قد قتل رميًا بالرصاص. وقد وقع نفس المشهد هذا في كثير من الأحيان مع اختلاف الوجوه والأماكن ولكن النتائج هي نفس النتائج - سقوط ضحية نتيجة لوحشية الشرطة من ذوي البشرة البيضاء وقد انتهت هذه القضية بنتائج مميتة. ونحن نرى الانتقادات القانونية لما ينبغي لضابط الشرطة القيام به وطبيعة الإجراء الذي لا بد من الالتزام به في مثل هذه الحالة. ولكن هل ذلك هو السبب الحقيقي الذي أدى إلى اندلاع الاضطرابات على المستوى الوطني الأمريكي؟
إن الأسباب الحقيقية وراء هذا النوع من القضايا حدث وما زال يحدث طوال التاريخ الأمريكي منذ البدايات المبكرة لهذا البلد الحديث وحتى هذه الفترة التي سيطرت فيها أمريكا على الساحة الدولية. وما زالت تخوض نفس المعركة التي تضرب الحكومة في مقتلها وهي قضية العرق وتأثيره على تركيبة المجتمع. وعند التدقيق بشكل مكثف في موضوع العنصرية، نجد أنه كارثة مطلقة تشغل الرأي العام الأمريكي. وبغض النظر عن مدى قوة أمريكا على الساحة العالمية والسياسة الخارجية، ففي ساحتها الخلفية ما زالت العنصرية قادرة على إصابتها في مقتل.
إن السؤال الذي يشغل أذهان الجميع: كيف يمكن لهذا أن يحدث في عقر دار القوة العظمى؟ وهل تجذرت العنصرية والتحيز في نمط العيش الأمريكي؟ ونحن نرى الانحياز ضد أي شخص غير أبيض، سواء أكانوا مسلمين أو أمريكيين من أصول أفريقية أو مكسيكيين أو عمالًا مهاجرين، أو مهاجرين يسعون للحصول على فرصة حياة أفضل، بل إن ذلك يمتد حتى يطال النساء. إن وجود مثل هذا النقاش في الوقت الحالي هو مهين فعلًا!
إن الرأسمالية منذ نشأتها وحتى الآن لم تتمكن من صهر مختلف الألوان والأجناس والأعراق والأديان في بوتقة واحدة وذلك على الرغم من كل حركات الحقوق المدنية، وإدخال التعديلات على التعديلات القانونية نفسها، وأحكام المحكمة العليا، فعلى الرغم من كل ذلك فقد عاد الرأي العام الأمريكي إلى ما كان عليه الحال في اليوم الأول لهذه الدولة. وهي تروج للحقوق الديمقراطية وتطالب بحقوق الإنسان لجميع الناس على نطاق واسع في الخارج؛ إلا أنها ما زالت تصارع لإيجاد السلام والوئام في حدودها. إن العواطف الصرفة تتيح للمراقبين إدراك عمق مشكلة التمييز المتأصلة في وجهة النظر الأمريكية فعندما سلط الضوء عليها ظهرت جميع عيوبها.
وكلما تحركت قضية حقوق الناس من ذوي البشرة السوداء وسلط عليها الضوء، يبدأ الحديث عن الأقليات. هل سيتم يومًا ما علاج القضية النتنة المتعلقة بالنقاش حول الأغلبية في مقابل الأقلية؟
إن العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي قد جاء بعلاج لهذه القضية وغيرها، وهو علاج قادر على أن يجعل المجتمع والإنسانية جمعاء تعيش في وئام وانسجام. والسؤال هو ما الذي يجعل هذه الجماعات المتنوعة من الناس لا تتّحد فقط في الحدود الجغرافية، وإنما كذلك في عقيدة ترسخ في أعماق قلوبهم على الرغم من ذلك التنوع في ألوانهم وألسنتهم وأعراقهم؟ وحتى بعد ما يقارب قرنًا على غياب نظام الإسلام من حياة أجيال المسلمين الجديدة... ما هي طبيعة العقيدة التي ما زالت تجمع وتصهر جميع الناس من جميع أنحاء العالم على عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله. إن ما يقدمه الإسلام للبشرية هو علاجٌ حقيقيٌ وشفاء تامٌ من كل أغلال الكراهية والقسوة والتمييز على أساس الجنس والتي أثرت بشدة على التصور الأمريكي لما هو خير أو شر، وهو ببساطة نمطية تفكير معينة توارثتها الأجيال، وقامت وسائل الإعلام بإسقاطها على المجتمع. متى سيتوقف أحد ما ويتساءل حول ذلك؟ ما عدد الأشخاص من مثل مايكل براون الذين يجب أن يُقتلوا أو ما هو عدد حملات الكراهية التي لا بد أن تضرب البلد حتى يدرك الرأي العام أنه لن "يشفى" أبدًا من المشاكل التي يعاني منها حتى يغير الناس الأسس التي تقوم عليها حياتهم. فقد صرح إريك دريستر، مؤسس موقع (stopimperialism.org) خلال مقابلة معه على برس تي في وذلك في 26 تشرين الثاني/نوفمبر بقوله "إن الثقافة الأمريكية جوفاء تمامًا" وهناك "خرافة الديمقراطية" في الولايات المتحدة. والكثير من المدافعين عن الحقوق المدنية عبروا عن هذه الآراء والمشاعر، وخاصة من التجمعات الأميركية الأفريقية.
إن مفهوم الأغلبية والأقلية هو مفهوم غريب في الدولة الإسلامية وذلك أن كل من يحمل التابعية سواء أكان من السكان الأصليين أم ممن انضم حديثًا للدولة يعتبر من رعايا الدولة. وكل من يحمل هذه التابعية يحظى بكل الحقوق والحماية التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وحتى لو كان على غير الإسلام. ولا يتم حرمان الناس في دولة الخلافة من حقوقهم أو مسؤولياتهم بسبب ألوانهم أو دينهم. ويمثل المسلمون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مع بعضهم البعض في جميع أنحاء العالم أعجوبة للعالم أجمع في هذا الزمان. وعلى الرغم من أن الدولة الإسلامية ما زالت غائبة لمدة قرن تقريبًا، إلا أن هذه الرابطة ما زالت قائمة، والمسلمون كأمة تربطهم رابطة العقيدة الإسلامية ينظرون إلى الآخرين كبشر. وهذا يختلف جذريًا عن وجهة النظر في أمريكا، والتي لا تزال تواجه كل أنواع من المشاكل المجتمعية القائمة على التمييز. كيف لنقاش فارغ مثل هذا أن يوجد في هذا الزمان. ويتعجب المفكرون الغربيون من عقيدة الإسلام الفريدة التي تجمع بين جميع البشر دون أدنى دلالة عن سيادة أي جنس على آخر لأنه ببساطة لا يملك أي إنسان أن يختار عرقه الذي ينتمي إليه. إن الصور النمطية والتصورات التي تشكلت عن أعراق معينة هي التي تضطهد وتحد من بذل الناس طاقاتهم الكاملة بسبب القيود التي فرضت عليهم، فنحن نرى في الولايات المتحدة، وفقًا لدراسات إحصائية لا حصر لها، أن الناس الذي ينتمون لغير العرق الأبيض هم أكثر فقرًا وأقل تعليمًا ولا يحصلون على وظائف مرموقة. وإن التسميات المرتبطة بـ "الغرباء" هي تسميات مرتبطة بالخوف والشك والعداء. إن الإسلام يرتقي بالعقل البشري فوق صورة البشرة واللون، ويجعل السلوك هو الميزان الذي يوزن به الناس. والمسلم ليس بسطحي التفكير أو السلوك حتى يجعل لون البشرة هو ما يحدد النجاح في الدنيا.
وما دامت الدوائر القضائية وجماعات الحقوق المدنية تبحث عن حلول لمشكلة العنصرية في مبدئهم الرأسمالي، فلن يجدوا لها فيه علاجًا. والإسلام وحده هو من يملك العلاج الصادق الذي رفع به مكانة العبد الأسود الذي أعتق إلى مكانة سيده الغني في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي حذر فيه العرب من آرائهم الجاهلية منذ أكثر من 1400 عامًا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم مهند