خبر وتعليق العنصرية ما زالت متفشية في السياسة والمجتمع الأسترالي (مترجم)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
أثارت تعليقات عنصرية جديدة أطلقها سياسيون أستراليون محددون، أثارت جدلًا في بعض وسائل الإعلام بشأن مستوى العنصرية الذي لا يزال موجودًا في أستراليا. عضوة مجلس الشيوخ جاكي لامبي، من الحزب القومي اليميني المتطرف، جذبت اهتمام وسائل الإعلام عندما قامت بنشر صورة تحريضية في الفيسبوك لامرأة أفغانية ترتدي النقاب وهي على وشك إطلاق النار من بندقية، وذلك كجزء من حملتها لحظر النقاب في أستراليا. وقد قال التعليق المصاحب للصورة:
"مستوى هجوم الإرهاب: شديد - من المحتمل جدًا وقوع هجوم. ولأسباب أمنية فقد حان الوقت لحظر النقاب". وقالت أيضًا: "كل من يدعم الشريعة الإسلامية في أستراليا لا ينبغي أن يكون لهم الحق في التصويت، ولا ينبغي أن يعطوا المساعدات الحكومية، وربما ينبغي أن يحزموا أمتعتهم ويخرجوا من هنا". وعبر كذلك زميلها البرلماني وعضو حزب رئيس الوزراء توني أبوت الليبرالي الحاكم، السيناتور كوري برناردي، بتعليقات استفزازية عنصرية عن النقاب من خلال ربط الهجمات الإرهابية الأخيرة في سيدني مع حملته لحظر النقاب. فقد نشر على توتير: "لاحظوا لابسو النقاب في المنازل التي تمت مداهمتها هذا الصباح؟ هذا حجاب للظلم وراية للأصولية وليس من الصواب وجودها في أستراليا". وعلى الرغم من أن أبوت خالف وجهة نظر برناردي، إلا أن انتقاده أو توبيخه الذي وجهه للأخير جاء دون المستوى المطلوب. وقد رد المدعي العام جورج براندس بالفعل على تصريحات برناردي بقوله: "السناتور برناردي هو عضو مجلس النواب، لديه وجهات نظر، وهو مثل جميع أعضاء البرلمان يحق له التعبير عن آرائه ...".
التعليق:
إن مثل هذه التعليقات العنصرية، بالإضافة إلى مواصلة أستراليا علاجها السيئ الذي تقدمه للسكان الأصليين، فضلًا عن سياستها الفظيعة المثيرة للجدل وهي حبس طالبي اللجوء، بمن فيهم الأطفال، قد دفع ذلك بعض الكتاب والأكاديميين إلى إجراء مقارنات بين الوضع الحالي في البلاد وبين ماضيها المظلم. فقد اقترح الصحفي الذي يعمل في ملبورن، غارني بلاكارلي، في مقال نشرته الجزيرة أن التعليقات الأخيرة هذه التي يطلقها السياسيون الأستراليون تجاه المسلمين، فضلًا عن إجراءات أخرى تقوم بها الدولة تسلط الضوء على "إرث دائم لسياسة "أستراليا البيضاء"". لقد كان هذا هو عبارة عن مصطلح يستخدم لوصف "قانون تقييد الهجرة" الذي كان جزءاً من تشريع صدر في عام 1901 في أستراليا والذي وضع حاجزًا واسعًا ضد الهجرة العرقية إلى البلاد. ولم يتوقف العمل به رسميًا حتى عام 1973. وفي الحقيقة إن سكان أستراليا الأصليين لم يُعترف بهم كمواطنين حتى عام 1967. وقد احتوى مقال بلاكارلي على تعليق لجويندا تافان، وهي باحثة في تاريخ الهجرة إلى أستراليا والتي ذكرت أن العنصرية لا تزال جزءًا من النسيج الأسترالي. فقد قالت: "... نحن من المفترض أن نكون هذا المجتمع ذو الثقافات المتعددة، بينما من جهة أخرى من الواضح جدًا أن أستراليا ما زالت تتمسك بشكل شديد بجذورها الإنجليزية".
وليست أستراليا وحدها التي تعاني من العنصرية أو التي تسمح للمسؤولين في وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية بالتعبير عن آرائهم العنصرية تحت خديعة ما يسمى بالخطاب السياسي. فالدول العلمانية الغربية الأخرى أيضًا تسمح بأن ينقل دون تحفظ عن السياسيين الذين يحملون معتقدات عنصرية بغيضة ضد الإسلام والمسلمين، وإعطاء رخصة لتأسيس الأحزاب الفاشية اليمينية المتطرفة، مثل الحزب القومي البريطاني وقوة الدفاع الإنجليزية في بريطانيا، والجبهة الوطنية في فرنسا، وحزب الفجر الذهبي في اليونان. وعلى سبيل المثال، قام ماري لوبان زعيم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي بمقارنة الصلوات الإسلامية بالاحتلال النازي دون أي عواقب سياسية أو قضائية. في الواقع، فإن دعم هذه المنظمات اليمينية المتطرفة والآراء المعادية للأجانب آخذ في الازدياد في جميع أنحاء الدول الأوروبية وغيرها من الدول العلمانية الغربية. إن ذلك هو نتيجة لحملة لا هوادة فيها لشيطنة الإسلام والمسلمين تقوم بها وسائل الإعلام والسياسيون في هذه الدول، فضلًا عن قيام الحكومات فيها بالعمل بعدد لا يحصى من السياسات التمييزية وقوانين مكافحة الإرهاب والتي تستهدف الجاليات الإسلامية ظلمًا وتشوه سمعتها، مما يؤدي إلى إيجاد الخوف والشك تجاه معتقداتهم بين جماهير الناس. وكانت دراسة أجرتها مجموعة من الجامعات الأسترالية في عام 2011 قد وجدت أن نصف السكان في أستراليا لديهم وجهات نظر معادية للمسلمين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار الاتجاه العنصري العام المعادي للمهاجرين هو نتيجة للدعوة وللإشادة بالهويات القومية، والمشاركة في السياسات القومية التقسيمية. وهذا يغذي كره وتحقير الناس من الدول الأخرى أو أولئك الذين يعتبرون بأنهم أجانب بسبب عرقهم أو دينهم أو لون بشرتهم، وتزداد هذه الظاهرة تفاقمًا في أوقات التقشف أو المصاعب الاقتصادية لأنه ينظر إليهم على أنهم يقومون باستغلال الفرص من الأغلبية الأصلية. وكشفت دراسة أجرتها مؤسسة سكانلون في عام 2013 عن أن العنصرية بلغت أعلى مستوياتها في أستراليا منذ أن بدأت المؤسسة استطلاعها عن الترابط الاجتماعي في البلاد في عام 2007.
وبالتالي، وعلى الرغم من أن التعيين الذاتي نفسه كأفضل وسيلة للتحكم بالدول وإيجاد مجتمعات متحضرة ومتناسقة، إلا أن النظام العلماني قد أثبت مرارًا وتكرارًا أنه قد فشل في التعامل مع مشكلة العنصرية بين حكامه أو من يحكمهم. في الواقع، فإن نظرة العلمانية عن حرية التعبير وكذلك مثالية التعددية قد ساعدت في إيجاد الأحزاب العنصرية والمتعصبة وأوجدت لهم منصة مفتوحة لنفث سموم كراهيتهم تجاه الأجانب دون أي رد أو محاسبة. ومن السخف تمامًا أن تكون هناك قوانين ضد التحريض على الكراهية العنصرية ولكن في الوقت نفسه تتيح المجال للسياسيين ووسائل الإعلام على حد سواء، وبكل حرية، لتشجيع مثل هذه الآراء البغيضة تحت شعار حرية التعبير المضلل. بيد أن هذه التناقضات هي السمة المميزة للنظام العلماني.
إن الإسلام يدين بشدة العنصرية بأي شكل كانت وقد منع التعبير عنها في المجتمع قبل 1400 عامًا. وهو لا يتسامح معها أو مع الدعوة لها بأي حال من الأحوال ويسعى إلى القضاء عليها بين الناس. فبلال بن رباح رضي الله عنه كان عبدًا قد أعتق ولكنه حاز على شرف عظيم بأن يكون أول مؤذن في المدينة المنورة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن العصبية: «دعوها فإنها منتنة». كما يرفض الإسلام تمامًا الانتقاص من قدر الأقليات ومعتقداتهم الدينية. ولكن إلى جانب هذا، بين النبي صلى الله عليه وسلم السياسة الداخلية الصحيحة التي يمكن من خلالها إيجاد الانسجام والتماسك بين أتباع الديانات المختلفة في المدينة المنورة عند تأسيس أول دولة يحكمها الإسلام. فقد جعل العقيدة الإسلامية، بين المسلمين، الأساس والرابط الوحيد الذي يربطهم وحرم الروابط التقسيمية كالتي تقوم على العرق أو الوطن. أما عن علاقة المسلمين بغير المسلمين الذين يعيشون في الدولة الإسلامية، فقد جعل التابعية هي أساس العلاقة، وجعل حقوق جميع من يحملون التابعية متساوية بغض النظر عن العرق أو الدين بما فيها حماية المعتقدات الدينية. ولذلك، وبينما تعاني الدول الغربية العلمانية من ارتفاع مستويات العنصرية، ربما قد حان الوقت لكي يبحثوا في العقيدة التي يصفونها بأنها تخلف ورجعية، ودراسة ما إذا كانت حقيقية تحل مشاكل العصر الحديث.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير