خبر وتعليق منع وزيرة الثقافة للعباية يبرز أزمة الثقافة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
أطلقت وزيرة الثقافة مي بنت محمد آل خليفة الخميس 2014/9/4م تعميما لجميع الموظفات العاملات في وزارة الثقافة البحرينية بتجنب لبس العباية أثناء ساعات العمل الرسمي. وطالب التعميم بالالتزام بالزي الرسمي الملائم، والاهتمام بالمظهر العام، الذي يعكس الواجهة الحضارية للوزارة وذكر التعميم أن الزي الرسمي للرجال: الثوب والغترة، أو الزي الغربي مع حسن الهندام من ربطة عنق وحذاء، ولا يسمح بأي زي يقلل من شأن الوظيفة التي يشتغلها .الزي الرسمي للنساء: للموظفات الحق بارتداء الزي المحتشم المناسب مع تجنب ارتداء العباية أثناء ساعات العمل الرسمي.
وقد أدت موجة الغضب عند الناس وإثارة القرار للرأي العام في البحرين إلى تدخل الأمير خليفة بن سلمان ال خليفة رئيس الوزراء وأمره بوقف فوري للعمل بالتعميم رقم 8 لسنة 2014 الصادر عن وزيرة الثقافة بشأن الزي الرسمي والسماح للموظفات بارتداء العباية أثناء ساعات العمل الرسمي. (الوسط 2014/9/4)
التعليق:
ارتبطت صورة وزارات الثقافة في بلاد المسلمين بإحياء الفنون الشعبية وتنسيق المهرجانات التراثية والاهتمام بالفلكلور والفنون والآداب. كما ارتبطت بنموذج الوزير "المثقف" الذي ارتوى من الثقافة الغربية وهضم المشروع الحضاري "العالمي". وزير متعدد اللغات يقدم "خدمات جليلة" لأمته بتنظيم ورش العمل حول حفظ التراث، والتنسيق مع اليونسكو لحفظ المعالم الأثرية وضمان الانفتاح الثقافي على العالم. وقد التزمت وزارات الثقافة بالإطار العالمي وجعلته مقياساً للثقافة، وحرصت على تعريف شعوبها بيوهان فولفجانج جوته وشكسبير ويوهان سباستيان باخ وبابلو بيكاسو والمدارس الفنية المختلفة بينما وضعت الإسلام في إطار احتفالي ضيق. وابتعدت هذه الوزارات عن الالتزام بإطار شرعي محدد بذريعة أن هذا الإطار يعتبر أدلجة للثقافة ويشكل خطورة على الإبداع وازدهار الثقافة! لقد تكثفت الجهود وبقي الإبداع عملة نادرة، فبالرغم من زخم النشاطات والمشاريع والبذخ في تنسيق الاحتفاليات والمهرجانات إلا أن التميز نادر والتقليد سيد الموقف وأزمة الهوية ظاهرة ولا تخفى على أحد.
وزارات الثقافة أصبحت مرادفة لضياع الهوية والتغريب ومذبذبة بين التفاني في إبراز الموروث للتأكيد على العراقة والتميز الشكلي وبين مواكبة الحداثة والتعددية الثقافية لتكون المحصلة تبعية فكرية تطمس معالم وثقافة الشعوب التي تدعي هذه الوزارات تمثيلها. إنها وزارات ثقافة بدون ثقافة خاصة ومتفردة، تجدها تائهة بين ما تسميه بالهوية الوطنية وحماية الموروث ومتطلبات العولمة وبين المبدأ الذي يعتنقه أهل البلاد. ولعل هذا التذبذب يجسد واقع الأمة اليوم والفصل العبثي بين فكرة الإسلام وطريقته (الفصل بين الإسلام والحياة)، فيعتنق الناس الإسلام كعقيدة بينما يستمدون الحلول لمشاكل المجتمع من غيره، ويعلنون الولاء والبراء للواحد القهار ويميلون ببوصلة الثقافة نحو قبلة المبادئ المنافية للإسلام. يحتفلون بالآثار الإسلامية ويتباهون بأنهم يرفضون أدلجة أو تسييس الثقافة فيتبعون بذلك ثقافة المتناقضات ثم يستغربون الرجعية وأزمة الثقافة التي تحاصرهم. وأي قيمة لثقافة لا تكون العقيدة الإسلامية أساسها ويكون الحكم الشرعي مقياسا لما يصح وما لا يصح ونواة لبناء الأفكار واتخاذ القرارات التنظيمية.
رفض الناس استهتار وزيرة الثقافة بالزي الشرعي واعتبروا هذا القرار إمعاناً في تغريب الأمة، ولعل هذا القرار يستدعي وقفة أكبر لمراجعة دور وزارة الثقافة وأهمية التزامها بثقافة الأمة الإسلامية قبل أن تتوسع لغيرها. كيف تحمي الوزارة ثقافة الأمة وهي تظهر جهلاً مطبقاً بأحكام الشريعة الغراء؟ تنظر الوزارة لحماية الموروث دون التمييز بين ما هو ملزم للأمة وما هو دخيل عليها، ولا تفرق بين المعارف التي تتبع وجهة نظر معينة والمعارف التي تؤخذ عن طريق التلقي والإخبار والاستنباط مثل العلوم التجريبية. ولكن ما الداعي للتميز وقد أدمنت على أن تستورد الغث والسمين دون تدقيق أو تمحيص أو قياس على أساس قاعدة فكرية تماما كما أدمنت الركود في القاع والتباكي على أزمة الثقافة في الوطن العربي. لقد بلغت أزمة الثقافة حدا حتى إن أمة إقرأ عزفت عن القراءة واعتلى المناصب القيادية فيها قوم لا يهمهم سوى المظهر العام وتقليد الثقافة المهيمنة! هذه الأمة هي ذاتها التي قال عنها المستشرق الألماني آدم متز: "لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة." لقد قاد المسلمون العالم حينما أعملوا فكرهم وتلبسوا بعقيدتهم حتى أشاد بحضارتهم العدو قبل الصديق، يقول المستعرب الصيني لي قوان أن "الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض وهي قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها لأنها حضارة إنسانية عالمية الأداء".
لعل الإشكالية ليست في قانون تم اتخاذه على عجالة ثم تراجعوا عنه سريعاً بل في تسييد الثقافة الغربية سواء الأمريكية أو الأوروبية وجعلها النمط الثابت في الفكر واللباس والذوق العام بينما تركت تطبيقات الإسلام مبهمة ومقيدة. إن الإشكالية اليوم هي أن الثقافة السائدة والمدعومة من الأنظمة الحاكمة لم تستمد من فكر خاص يحفظ للأمة هويتها وينهض بها بل هي هجين من أفكار متعددة لا يمكن أن تؤدي إلى نهضة بل محكوم عليها بالفشل وستلاحقها أزمة الهوية إلا أن تتم مراجعة كلية لأسس النهضة.
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّـهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد