الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

التقرب إلى الله ح9 الـخـوف مـن الله تعـالى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال أحد قادة المسلمين يصف رجاله:


" نعم الشباب مكتهلين، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة إلى الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح سهر، قد نظر الله إليهم في آناء الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه".


هذه بعض ثمرات الخوف من الله تعالى، وهو خوف مفيد ونافع، وهو الحارس والحامي، فهو الذي يضمن سير الإنسان على الصراط المستقيم قال تعالى: (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين) آل عمران (175) وقال: (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) المائدة (44) وفي الحديث القدسي: "لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة"، وعنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع".


روي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه بكى يوما فقالت له امرأته: ما لك تبكي؟ قال: أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.


قال سعيد بن عامر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "إني موصيك بكلمات من جوامع الإسلام ومعالمه: اخش الله في الناس، ولا تخش الناس في الله، لا يخالف قولك فعلك فـإن خير القول ما صدق الفعل، وأحب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ولا تخف في الله لومة لائم".


ذكر الإمام أبو يوسف في مقدمة كتاب (الخراج) أنه لما هلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله جاء الفقهاء إلى زوجته يعزونها ويذكرون عظم المصيبة التي أصيب بها أهل الإسلام لموته، فقالوا لها: أخبرينا عنه، فإن أعلم الناس بالرجل أهله، فقالت: والله ما كان بأكثرهم صلاة ولا صياما، ولكن والله ما رأيت عبدا لله كان أشد خوفا لله من عمر، كان رحمه الله قد فرغ بدنه ونفسه للناس فكان يقعد لحوائجهم يومه، فإذا أمسى وعليه بقية من حوائجهم وصله بليلته، فأمسى يوما وقد فرغ من حوائجهم فدعا بمصباح قد كان يستصبح به من ماله، ثم صلى ركعتين ثم أقعى واضعا يده تحت ذقنه تسيل دموعه على خده، فلم يزل كذلك حتى رق الفجر فأصبح صائما، فقلت له: يا أمير المؤمنين لشيء ما كان منك ما رأيت الليلة؟ قال: أجل إني قد وجدتني وليت أمر هذه الأمة أسودها وأحمرها فذكرت الغريب القانع الضائع، والفقير المحتاج، والأسير المقهور وأشباههم في أطراف الأرض، فعلمت أن الله تعالى سائلني عنهم وأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجيجي فيهم، فخفت على نفسي ووالله إن كان عمر ليكون في المكان الذي ينتهي إليه سرور الرجل مع أهله، فيذكر الشيء من أمر الله فيضطرب كما يضطرب العصفور قد وقع في الماء، ثم يرتفع بكاؤه حتى أطرح اللحاف عني وعنه، رحمه الله. ثم قالت: "والله لوددت لو كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد ما بين المشرقين".


والخوف من الله عز وجل يدفع شباب الدعوة إلى أن يبذل الواحد منهم جهده في نشر الأفكار وكسب الأنصار، وأن يجهر بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم فلا ينافق ولا يداهن ويحرص على أن تكون السيادة للمبدأ فلا يحسب حسابا لرضى الناس وقبولهم، فهو حارس أمين للإسلام ينزل الأحكام على الوقائع الجارية بصدق وأمانة، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: "لا يحقرن أحدكم أن يرى أمرا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت فيه كذا وكذا؟ فيقول: مخافة الناس، فيقول الله: إياي أحق أن تخاف".


نهى أبو جعفر المنصور مالك بن أنس رحمه الله أن يحدث بحديث: "ليس على مستكره طلاق" ثم دس إليه من يسأله عنه فحدث به على رؤوس الناس فضربه.


قال أحد تلامذة العز بن عبد السلام له حين حاسب الحاكم أما خفته؟ قال: والله يا بني لقد استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقط.


دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال: "يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام فاحتمله، وان كرهته، فإن وراءه ما تحب إن قبلته قال: قل، قال: يا أمير المؤمنين، إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوه فيك، خربوا الآخرة وعمروا الدنيا، فهم حرب للآخرة، سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، وإنهم لم يألوا الأمانة تضييعا والأمة خسفا، وأنت مسؤول عما اجترحوا، وليسوا بمسؤولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبنا بائع آخرته بدنيا غيره".


فقال سليمان: أما أنت فقد سللت لسانك، وهو أقطع من سيفك، فقال: أجل يا أمير المؤمنين، لك لا عليك، قال: فهل من حاجة في ذات نفسك؟ قال: أما خاصة دون عامة فلا، ثم قام فخرج، فقال سليمان: لله دره، ما أشرف أصله وأجمع قلبه، وأذرب لسانه، وأصدق نيته، وأروع نفسه".


قال إسحاق بن حنبل ــ عم أحمد بن حنبل رحمه الله ــ دخلت على أبي عبد الله في سجنه فقلت: يا أبا عبد الله: قد أجاب أصحابك وبقيت أنت في الحبس والضيق، فقال أبو عبد الله: يا عم، إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل، متى يتبين الحق؟. قال: فأمسكت عنه، فقال: كيف تصنعون بحديث خباب؟، "إن من كان قبلكم ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه"، قال إسحاق: فيئسنا منه، ثم قال أحمد: لست أبالي بالحبس ما هو إلا ومنزلي واحد، ولا قتلا بالسيف، إنما أخاف السوط، وأخاف أن لا أصبر، فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، ما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي، فلما سمع ذلك سري عنه.

 

 

 

فوزي سنقرط

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع