نداءات القرآن الكريم ح43 الأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر من المؤمنين ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). (النساء 59)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني والعشرون نتناول فيه الآية الكريمة التاسعة والخمسين من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). نقول وبالله التوفيق:
يواجه حملة الدعوة الإسلامية من شباب حزب التحرير, تلك الكتلة الواعية المخلصة التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإعادة الخلافة الراشدة لتطبيق الإسلام وحمل دعوته إلى العالم، يواجهون حملة دعائية شرسة من الأنظمة المتسلطة على رقاب المسلمين، تلك الأنظمة التي استمرأت الحكم بغير ما أنزل الله، ومصادرة حقوق الأمة في السلطان, ومحاسبة الحكام على أساس الإسلام، فضلا عن غرقها في مستنقع موالاة الكفار, والعمالة لدول الكفر المستعمرة, وتفريطها التام في رعاية شؤون المواطنين، وإضاعتها لحقوقهم الفردية والجماعية.
ولقد نجحت أنظمة الكفر والطغيان هذه في استغفال عدد لا يستهان به من علماء المسلمين الذين ينقصهم الوعي على الواقع المحلي والعالمي، فأصبحوا بذلك عاجزين عن تنزيل حكم الله على هذا الواقع، كما نجحت هذه الأنظمة المجرمة في شراء ذمم قلة ممن ينتسبون إلى الفقه والدعوة والعلم الشرعي فانقلبوا إلى طابور خامس ينخر في كيان الأمة، ويصدر الفتوى تلو الفتوى، لتبرير جرائم الحكام والاعتذار عن تطبيقهم لأحكام الكفر، وموالاتهم للكفار، وعمالتهم للدول الكافرة المستعمرة.
أيها المؤمنون:
لقد تفنن هؤلاء المجرمون المفتونون, يتبعهم قطيع من المستغفلين في البحث عن الشبهات، وتحريف الكلم عن مواضعه، ولي أعناق النصوص، للوقوف في وجه الدعاة المخلصين، في محاولة يائسة لإطفاء نور الدعوة إلى الله، ولكن هيهات...هيهات, وصدق الله العظيم إذ يقول: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). (الصف 8)
ومن عجائب ما خرج به هؤلاء على الأمة، زعمهم أن طاعة أولي الأمر، التي فرضها الله على عباده المؤمنين، تعني طاعة الحكام الكفرة أو الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، وأنها فوق ذلك طاعة مطلقة غير مقيدة, وصدق الله العظيم إذ يقول: (ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا). (الكهف5)
أيها المؤمنون:
ولكي تعلموا كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم, تعالوا بنا نقرأ هاتين الحادثتين, وهاتين القصتين لاثنين من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هما من خيرة الرجال بعده: أما القصة الأولى: ففي أول يوم تولى فيه أبو بكر الصديق الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف خطيبا في الناس وقال: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، ألا إن الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له إن شاء الله، وإن القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". وأما القصة الثانية: فقد قام عمر رضي الله عنه يوما يخطب الناس فقال: "أيها الناس إن أحسنت فأعينوني، وإن رأيتم في اعوجاجا فقوموني"! فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال: "والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا!" فرد عمر رضي الله عنه قائلا: "الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقوم اعوجاجه بحد سيفه!".
أيها المؤمنون:
وماذا يساوي الحكام الخونة أمام خليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ ماذا يساوي الحكام الخونة أمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ حتى يكون من الناس هنا أو هناك من يدعو لطاعة الحكام طاعة مطلقة لا حدود لها, ويجعل انتقادهم ومحاسبتهم خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه, بل بلغ الأمر بأحدهم أن رفع مرتبة بعض الحكام إلى مرتبة الألوهية حين قال عن أحدهم: إنه لا يسأل عما يفعل! والغريب في هؤلاء أنهم يستندون في ذلك إلى قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). ولا يقرءون الآية من أولها ولا يتمونها إلى آخرها, فلو قرءوها من أولها وأتموا قراءتها إلى نهايتها؛ لعرفوا أن طاعة الحاكم لا تكون إلا في ما أمر الله ورسوله.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام وأن يعز الإسلام بنا وأن يكرمنا بنصره وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها إنه ولي ذلك والقادر عليه نشكركم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أحمد النادي