الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالة قانون تحديد سن الزواج في اليمن

بسم الله الرحمن الرحيم


ارتبط اسم اليمن في الفترة الأخيرة بقضية الزواج المبكر أو ما أطلق عليه الإعلام مسمى "ظاهرة زواج الفتيات القاصرات"، وتتوالى الأخبار عن فتيات صغيرات تزوجن في سن مبكرة وحُرمن من إكمال تعليمهن وتعرض بعضهن لضرر جسدي ناتج عن الزواج المبكر. وقد أثارت حادثة الطفلة العروس روان التي أشيع أنها توفيت بنزيف داخلي في ليلة زفافها مع نشر الملابسات المروعة للوفاة، أثارت انتقادات عبر العالم من قبل منظمات المجتمع المدني والمنظمات العالمية والصحافة الإقليمية والعالمية. أعقب هذا الخبر بيانٌ من مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية كاثرين آشتون وصفت فيه ما حدث لروان بأنه "مروع"، وقالت: "أدعو الحكومة اليمنية إلى الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي بما فيه مواثيق الأمم المتحدة لحماية حقوق الطفل، واليمن أحد أعضائها، وأن تعيد العمل فوراً بتشريع يحدد سناً أدنى للزواج تماشياً مع المعايير الدولية، لمنع مثل هذه الإساءة للأطفال". بالرغم من نفي الحكومة اليمنية صحة خبر وفاة الفتاة العروس ابنة الثامنة في مؤتمر صحفي بحضور الفتاة نفسها بحسب ما أوردت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، وأن الفتاة لا تزال على قيد الحياة وتعيش بشكل عادي مع أسرتها التي نفت بدورها القضية برمتها (عدن الغد 14-9-2013)، إلا أن الحملة المسعورة لم تتوقف واستثمر المناهضون للزواج المبكر هذه الحادثة، حتى بعد تكذيبها، لتوصيل أفكارهم، بل إن بعضهم طالب بتدخل الهيئات الدولية لتجبر اليمن على التقيد بالتزاماتها الدولية.


أتت هذه الحادثة بعد قضية الفتاة اليمنية ندى الأهدل التي جذبت أنظار جمعيات حقوق الإنسان حول العالم والإعلام العالمي، الذي وصفها "بالفتاة الشجاعة"، بعد انتشار فيديو لها تتبرأ فيه من عائلتها التي هربت منهم، بعد أن أجبروها على الزواج من رجل يكبرها في السن، وادعت الفتاة أنها تمكنت من الهرب إلى منزل عمها، ليتضح أن القصة ملفقة ولا أساس لها وأن الفتاة تم تلقينها لتقول ما قالته في الشريط المسجل. وبالرغم من كثرة ما نشر من مقالات وتحقيقات صحفية وما أثير من لبس في هذا الموضوع الشائك إلا أن النقاش حوله لم يتجاوز السطح ولم يتوغل لعمق المشكلة ليطرح حلولاً حقيقية.


هذه القضية كغيرها من القضايا التي تتبناها المنظمات الدولية، يتم حسمها حتى قبل الطرح، عبر اختيار مسميات تحمل توجهاً معينا، فعلى سبيل المثال ينعتون الزواج المبكر بالظاهرة، بينما هو جزء من موروث وعادات يحافظ عليها المجتمع اليمني المحافظ وليس هو وليد اللحظة، بل للزواج المبكر جذور معروفة في المجتمع اليمني، والظاهرة الجديدة على المجتمع اليمني هي تأخر سن الزواج أو المرأة المستقلة التي تعيل نفسها، فالتبكير بالزواج للجنسين عُرف متوارث عبر الأجيال وليس محل بحثٍ، إضافة إلى أن له أصل في الدين، حيث حث الإسلام الشباب على الزواج وأمر بتزويج الفتيات إن تقدم لخطبتهن من يرضون دينه وخلقه.

 

وكذلك يصف المسألة بأنها زواج رجل بالغ بطفلة، بغية أن ينفّر المتلقي من الفكرة دون التطرق لكون سن التكليف يميز الطفل عن البالغ في الإسلام، وسن التكليف للفتيات مقترن بالطمث؛ فقد تصل الفتاة لسن الثامنة عشرة وهي لم تبلغ، بينما تبلغ أخرى في سن العاشرة فتكلف واحدة ولا تكلف الأخرى. ومنه أيضاً تبني تسمية زواج القاصرات مع تبني فرضية قبول العالم كله بسن الأهلية القانونية في الغرب والمحددة بثمانية عشر عامًا، بالرغم من تباين سن الزواج بين البلدان الغربية نفسها وبين ولايات البلد الواحد؛ فمنهم من يلتزم بسن الثامنة عشرة ومنهم من لا يلتزم، ومنهم من يضع استثناءات لكل حالة ويشترط أن يتم الزواج بموافقة الأهل، فنراهم يلزموننا بما لا يلزمون به أنفسهم! كما يربط هذا الطرح بين الزواج في سن صغيرة وحالات الوفيات الناجمة عن الولادة ومشاكل الحمل وكأنه ارتباط شَرْطيّ، ولو كان الأمر كذلك لما بقي في اليمن أحد، فالمعروف عن أهل اليمن وخاصة بين بعض القبائل الزواج المبكر.


لم تتجاوز الأطروحات حول القضية حدود الشجب والتنديد والاستنكار والمطالبة بتحديد سن الزواج، ولا زالت منظمة حقوق الانسان اليمنية تبذل مساعيَها لإصدار تشريع يجرّم "ظاهرة عرائس الموت" كما بات يطلق عليها (روسيا اليوم 27-9-2013). طالبت هيومن رايتس ووتش أعضاء لجنة الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن أن يوصوا بحظر زواج الأطفال، كما طالبت اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد بضرورة النظر في إدخال سن الـ18 كحد أدنى للزواج على أن يضع البرلمان قانونا يحدد الحد الأدنى للزواج في سن الـ18. وأعلنت وزيرة حقوق الإنسان اليمنية حورية مشهور لوكالات الأنباء أنها تسعى لوضع مشروع قانون جديد في اليمن، يحدد السن الدنيا لزواج الفتيات بـ 18 عاما، وذكرت الوزيرة التي أبدت أسفها لسحب مشروع مماثل في السابق "كنا نطالب بتحديد سن الزواج عند 18 سنة لأن اليمن موقع على المعاهدات الدولية الخاصة بحماية الطفل (الإمارات اليوم 14.9.2013). وبالرغم من المساعي الحثيثة والهجمة الإعلامية إلا أن لجنة الحريات في "مؤتمر الحوار الوطني" الذي يدرس الدستور الجديد لليمن، صوّت ضد مشروع قانون يقضي بتحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاما، كما صرحت الوزيرة أن "التصويت ضد قانون منع زواج القاصرات في مؤتمر الحوار صادم ومخيّب للآمال". والملاحظ أن قضية زواج القاصرات تحظى بعناية خاصة من قبل الهيئات والمنظمات الأممية، وتستمر هذه الهيئات في دق ناقوس الخطر بين الفينة والفينة وتصب جل اهتمامها على دول معينة.

 

وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" فإن 14% من الفتيات في اليمن يتزوجّن قبل سن 15 عاماً، و52% قبل سن 18، وتبدو هذه الإحصاءات الدقيقة لافتةً للنظر في بلد يعاني تأخرًا وإهمالاً في تدوين الإحصاءات وإصدار شهادات الميلاد وفقر الخدمات في القرى والمناطق النائية. والعجيب أن منظمات المجتمع المدني والهيئات التي تحرك بعض النشطاء من بني جلدتنا يتجاهلون المشاكل الاجتماعية الأخرى ويغفلون عما ينتج منها من أذى، ومن ذلك مشكلة تأخر سن الزواج والعنوسة، التي تعد ظاهرة ملموسة وغريبة على المجتمع في اليمن ولا تحظى بالاهتمام؟ لماذا يتجاهل المجتمع واقع المطلقة وما تعانيه من تضييق غير مبرر بالرغم مما تميز به المجتمع المسلم في السابق من ليونة وسماحة ولم يعرف عنه التضييق على الأرامل والمطلقات؟ لماذا يستأثر الرأي العام بموضوع زواج الصغيرات؟!


تساءلت الطفلة ندى الأهدل في الفيديو الذي شاهده الملايين عبر العالم حول السبب الذي يدفع الأهالي إلى تزويج الأطفال في هذه السن، قائلة: "لا أعرف لماذا يتم تزويجنا في سن صغيرة، أنا لست سلعة للبيع، أنا طفلة كادت تفقد براءتها نتيجة إهمال أهلها". وتناقلت الصحف هذا المقطع وهي تصب جل اهتمامها على هذه الطفولة التي يتم اغتيالها، بما في ذلك الصحف الأمريكية التي تتفادى نشر صور أشلاء أخوات روان وندى الأهدل اللواتي يُقتلن على مرأى العالم بهجمات الدرون (الطائرات بدون طيار) التي تقصف اليمن وتدك البيوت على أهلها. أيّة براءة هذه التي يدعيها الغرب حينما ينشر هذا الفيديو ويدعي التأثر والنضال من أجل طفولة فتيات اليمن وغيره من بلاد المسلمين، بعد أن أفسد فطرة الفتيات بثقافة فاسدة ونشر تصوره عن المرأة كجسد مستباح لتحقيق الثروة وإشباع رغبات ونزوات الرجال؟! حتى إن هذا الفكر المنحط دخل كل بيت إلا من رحم ربك. ثم ما حال هذه الطفولة البريئة في عالم اليوم، حيث يتم تهيئة الفتاة كأنثى ويتوجه المجتمع لإبراز هذه الأنوثة منذ سن صغيرة فترتدي الفتيات الصغيرات كل كاشف فاضح، وتُصرف أذهانهن إلى العلاقات بالجنس الآخر عبر أغاني ودراما تلفزيونية لا تناسب سنهن، وروايات رخيصة تشوه العلاقة الزوجية وتحيطها بهالة من الأوهام وتصل لمتناول الفتيات في المدارس حتى تُصرفن عن التعليم إن كن طالبات أو تنشغلن عن كل ما هو نافع. هذا هو الحال في بلاد المسلمين.

 

أما بلاد الغرب فقد كُسرت فيها كل الحواجز، ولم تعد للطفولة حصانة، بل إن الجرائم التي تستهدف الأطفال أصبحت حديث الرأي العام ووصلت حالات هتك أعراض الصغيرات مستويات فادحة، ناهيك عن محاولات استقطاب الفتيات عبر جرائم الإنترنت للتغرير بهن، وهذه أصبحت جريمة ترصد لها فرق مكافحة ومؤتمرات عالمية. براءة الأطفال بعيدة كل البعد عن واقع الأطفال في الغرب، ولا بد للمسلمين من أن يقيموا حملات تحيي ضمير الإنسانية لتوجه الانتباه لما تعانيه الأنثى في الغرب وبخاصة الفتيات الصغيرات. بحسب التقرير الصحفي الذي نشرته قناة البي بي سي الأولى في 12-9-2007، فقد تعرضت 85,000 امرأة للاغتصاب في المملكة المتحدة في العام 2006، أي ما يعادل نحو 230 حالة كل يوم. فتقارير مسح الجريمة البريطانية في 07/2006 تشير إلى أن 1 من كل 200 امرأة عانت من الاغتصاب في تلك الفترة، وأظهر الاستطلاع أيضا أن عدد من تم إدانته لارتكاب هذه الجرائم البشعة لم يتجاوزوا 800 شخص. ووفقا لدراسة أجريت في عام 2009 من قبل جمعية حماية الطفولة NSPCC على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13-18 أظهرت تعرض ثلث الفتيات و 16٪ من الأولاد للعنف الجنسي، كما شكت الفتيات في سن المراهقة من سوء المعاملة. وقد تناولت الصحف البريطانية في بداية العام الأكاديمي ما تعاني منه الملتحقات الجدد بالجامعات (فرشرز) من مضايقات ممنهجة وتقاليد متوارثة بين الذكور في المراحل المتقدمة، في سبيل إذلال وإهانة الفتيات الملتحقات بالجامعة من ضمنها التطاول عليهن جسدياً. وهذا غيض من فيض ما تعاني منه الفتيات في بريطانيا ودول الغرب.


وخلاصة القول: إن الفتيات في الغرب لا بواكي لهن ولا يجدن الأمن في البيت أو خارج البيت، والقاصرات منهن يذقن صنوف الذل والهوان والامتهان لكرامتهن، أفليس الأولى بالغرب أن يعالج مشاكله بدلاً من إعادة صياغة أنظمة أخرى؟ فعلاً فاقد الشيء لا يعطيه!!


وإن من ذر الرماد في العيون ادعاء أن تحديد سن الزواج هو السبيل الوحيد لضمان تعليم الفتيات، وكأن فرص التعليم متوفرة ومستوى المعيشة مُرضٍ، ثم أبى الأهل إلا أن يمنعوا الفتيات من التعليم بينما الحقيقة تنطق بعكس ذلك، حيث أعلنت الحكومة اليمنية وجود أكثر من مليونين ونصف المليون طفل يمني خارج مقاعد الدراسة (ذكوراً وإناثاً)، ومن أهم مسببات هذا الوضع المأساوي الذي يُنذر بجيل من المحرومين من التعليم، الظروفُ الاقتصادية الصعبة التي تعيشها عائلاتهم جرّاء الفساد الاقتصادي الذي حوّل اليمن السعيد، أرض التّجار والخيرات، لبلد فقير متعثر. هذا الفقر المدقع أجبر الكثير من الأطفال على العمل في سن مبكرة وظروف شاقة. وقد أشار خبراء تربويون لأزمة التعليم في البلاد واعتبروا أن "خصخصةَ التعليم قد وسعت الفجوة بين أبناء الفقراء وبين وصفائهم ممن يدرسون في المدارس الخاصة، كما أن الطاقةَ الاستيعابيةَ للمدارس الحكومية جعلت الأبواب مغلقة في وجه نسبة كبيرة من هؤلاء". (روسيا اليوم 19-9-2013). إذن الموضوع يتجاوز زواج القاصرات لأزمة حقيقية في رعاية الشؤون، وفقر مدقع يؤثر على كافة مناحي الحياة ويدفع ببعض ضعاف النفوس للمتاجرة ببناتهم صغاراً وكباراً، بل حتى تصل إلى المتاجرة بالأعضاء من أجل حفنة من الدولارات (الأهالي نت 29-9-2013). وبدلاً من معالجة الفقر تجد الحكومات في الآباء اليمنيين الشماعةَ التي تعلّق عليها قصورها وتخاذلها، فتصور ضحية الفقر وفساد الحكومة على أنه يتاجر ببناته ويرمي بهن إلى التهلكة، منددة بأنه حرمهن من مقاعد دراسية لا وجود لها، وفرص في الحياة لا تتوفر إلا للأغنياء وأصحاب السلطة!!، تُصور المنظمات أنها الظل الظليل والأم الحنون، ورجال اليمن هم العدو الأكبر بينما يتمزق فؤاد كل أب لضيق ذات اليد ولسان حاله يقول "حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس".


نخلص مما سبق أن الموضوع ليس عن تعليم الفتيات أو حماية كرامة القاصرات، بل هو صراع على هوية اليمن، ومحاولة لتغيير نظامه الاجتماعي الذي لا زال حصناً منيعاً أمام موجات التغريب التي تجوب بلاد المسلمين. إن الضجّة الحالية حول ما يسمى بزواج القاصرات ترمي لما وراء هذه القضية وتقود المجتمع للالتزام بكافة المواثيق الأممية التي وقعت عليها اليمن، بغض النظر عن مخالفتها للمجتمع وتعارضها مع هويته الإسلامية. هذا الصراع على هوية اليمن يظهر جلياً في ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني السيء الذكر والذي يتم فيه تشكيل ما يسمى بالأمة اليمنية الجديدة تحت قيادة المندوب السامي الأممي جمال بن عمر وتحت رعاية مباشرة من دول الغرب المستعمر. والمتتبع لما يحدث في هذا المؤتمر يرى كيف أن الدولة اليمنية تُشكل على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها بشكل جديد يمكّن المستعمر من السيطرة الفكرية والاقتصادية والسياسية على أهلنا في اليمن بشكل كامل.


لا يخفى على عاقل أن قضية زواج القاصرات هي في الحقيقة حملة دولية للحد من حمل القاصرات (الحمل غير المخطط)، حيث حذر المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان باباتوندي أوشيتيمن من أن 16 مليون فتاة في العالم تتراوح أعمارهن ما بين 15 و19 عاما يعانين من مضاعفات ناجمة عن الحمل والولادة تشكل السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى الوفاة، وقال: "إن حمل المراهقات ليس فقط مجرد مسألة تتعلق بالصحة، ولكنه يشكل قضية إنمائية، فهو أمر له جذوره العميقة في القضايا المتعلقة بالفقر، ونوع الجنس، وعدم المساواة، والعنف، وزواج الأطفال، والزواج القسري، واختلال توازن القوى بين الفتيات وشركائهن من الذكور." ( يو بي أي - 11-7-2013). اللافت في طرحه أنه لم يتعرض للعلاقات غير الشرعية التي تؤدي لحمل القاصرات في كثير من مدن العالم وتنصل الذكور من أية مسؤولية، فهذا يراه الغرب في إطار الحرية الشخصية ولا بد من أن يواجهها المجتمع عبر التوعية على أساليب منع الحمل، وأن ترتاد الفتيات عيادات تنظيم الأسرة، حتى إن بعض التقارير تتباهى بأثر ونتائج توزيع هذه الموانع في المدارس في بعض البلاد الأفريقية والأوروبية. بل الأدهى من ذلك أن السيد أوشيتيمن لم يتطرق حتى لأنظمة العناية الصحية في بلاد العالم الثالث والإهمال التام لحياة البشر، حتى إن هذه الخدمات تصل للانعدام التام في بعض المناطق، هذه الولادات الخطرة تودي بحياة الأمهات صغيرات أو كبيرات.

 

ذكر أوشيتيمن أيضاً أن حماية المراهقات هدف رئيسي حيث قال "كسر حلقة حمل المراهقات يقتضي التزاماً من جانب الدول والمجتمعات والأفراد في البلدان المتقدمة والنامية على السواء من خلال الاستثمار في حماية المراهقات". وهل تكون حماية المراهقات عبر هدم الأسر وفرض الوصاية على الفتيات، أم بتدعيم الأسر كحصين منيع؟ ولكن هذا ليس بمستغرب من أنظمة تحارب الأسرة وتبيح الشذوذ وترعى حقوق المنحرفين والمنحرفات. لماذا إذن تسلَّط الأضواء على مؤسسة الزواج تخصيصاً بالرغم من أن الحديث عن العلاقات العاطفية والعلاقات غير الشرعية لا يحصر بسن معينة، ثم هل يعقل أن يشنع المجتمع على زواج الفتاة في السادسة عشرة ولا يزالون يتغنون بجولييت ابنة الثالثة عشرة التي همّ بها روميو ولم يجرّم المجتمع شكسبير، ولا زال الجميع يتداول هذه القصة كغيرها من الروايات الغربية التي تضع فتيات صغيرات في إطار قصص عاطفية!! ولكن هذا يحق لهم ويبررونه حسب منطقهم وأعرافهم ثم يفرضون هذه الثقافة بجميع الأساليب، حتى إنها لا تختلف أحياناً عن التدخل العسكري لفرض هيمنة المستعمر.


تناول الإعلام العربي هذه القضية بالكثير من التهويل، وتبنى لهجة حادة تجرّم كل من يخالفه الرأي، حتى إن البعض تمادى في هجومه بذريعة تعرية المجتمع أمام نفسه، حاملاً شعارات عن براءة الطفولة وحماية الفتيات اللواتي يزج بهن في الزواج المبكر. إن الطرح الإعلامي خلا من أي نقاش للنظام الاجتماعي في الإسلام وما وضعه العلماء من ضوابط للزواج، مثل عدم الإكراه وتحريم بعض العادات التي فيها إجحاف للفتيات، مثل زواج البدل واشتراط القدرة على الوطء قبل تمكين الزوج من الفتاة. بل إنهم ألقوا اللوم على الإسلام بالرغم من غياب الإسلام عن الحكم وهيمنة الأنظمة العلمانية الوضعية المعادية للمرأة. وتميزت النقاشات التي دارت حول الموضوع بنبرة استعلائية ممن يدعون معرفة الأفضل والأنسب والأصح لفتيات اليمن. دعوات تبدي في ظاهرها الإصلاح بينما تخفي نظرة فوقية تلهث وراء مجتمعات المستعمر وتحاكيها وتضرب لنا ما يحدث في الغرب، على علاّته، كقدوة ومثال أعلى. من يقرأ كتاباتهم يرى من بين ضجيج الشجب والاستنكار نبرات المضبوعين بالفكر الغربي في القرن المنصرم ممن رفعوا زوراً وبهتاناً لواء تحرير المرأة ولم تكن دعواهم إلا الرضوخ للاستعمار الفكري والتغريب، ومن هؤلاء قاسم أمين (أو محرر المرأة كما يصفونه) حين قال "هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه، وليس له دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يتعرفوا على شؤون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها.

 

وإذا أتى ذلك الحين، ونرجو ألاّ يكون بعيداً، انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعةً كسطوع الشمس، وعرفنا قيمة التمدن الغربي... وهذا الذي جعلنا نضرب الأمثال بالأوروبيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على أن نلفت الأنظار إلى المرأة الغربية" (المرأة الجديدة 185-186). وها هم أتباعهم اليوم لم يقدموا حلولاً سوى تطبيق ما توصل إليه غيرهم من مواثيق ومعاهدات لينالوا الرضا. عبثاً يحاولون إرضاء الغرب؛ فالهوية الغربية قائمة على فكرة التفوق على جميع الثقافات والشعوب، وقد تبدي ظاهراً احترام الثقافات المختلفة ولكنها ما تلبث أن تنعت كل من يخالفها بالدونية، وبغض النظر عن الخلفية السياسية والفكرية، فالعنصرية هي العامل المشترك لتقييمهم للآخر، قال هيغل الفيلسوف الألماني: "إن قدر الشرق أن يتبع الغرب"، وجاك فاردنبرج في دراسته "الإسلام في مرآة الغرب" يقدم دراسة لخمسة خبراء مستشرقين أجمعوا كلهم على أن طبيعة الإسلام دونية كامنة. هذه الأقاويل وغيرها من سموم وأحقاد المستشرقين ليست بمستغربة، والهجمات الإعلامية الممنهجة ضد الإسلام ليست غريبة على المسلمين، ولكن مع تكرار المواقف ووضوح الحقائق فإن من المسلمين من يرفض أن يبصر ويرى أن إقناع الغرب ليست غاية تدرك أو يُسعى لها. إن المستعمر الذي ظن أنه ملك أرضك وفضاءك ومقدراتك لا يهمه أن يتفهم مبرراتك أو يقدر موقفك أو يحترم معتقداتك لأنه يستعلي عليك ويراك دونه في كل شيء.


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).


أبرزت هذه القضية سلسلة من الكُتّاب المبتلين بكراهية أنفسهم وتحقيرها وجلد الذات على الملأ، فوصفوا الاعتداء على الأطفال بمرض عربي ينم عن عداء متأصل في المجتمعات العربية تجاه الأنثى، متناسيين المسيرات التي حدثت في فرنسا وبلجيكا وغيرها حين خرجت الجماهير عن بكرة أبيها منددة بوباء الاعتداءات المتكررة على الأطفال (البيدوفيليا) والفضائح التي تحاصر الفاتيكان. ومن لم يهاجم المجتمعات المسلمة اكتفى بالتنصل من الموضوع برمته مروجاً لمقولات بعض المستشرقين ومن سار على دربهم بأن الزواج المبكر لا أصل له في الإسلام وأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضى الله عنها تم وقد بلغت الثامنة عشرة، ومقولة أنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي ابنة ست وبنى عليها وهي ابنة تسع مجرد فرية، ضاربين بعرض الحائط ما صح من أحاديث عبر تبني المنهج العلمي القائم على الفرضيات بدلاً من تطبيق أصول الجرح والتعديل، حتى وصل بهم الحال بالتهكم على الإمام البخاري وكأنه من عوام الناس. دفنوا رؤوسهم في الرمال، حتى إن بعض دعاة الفضائيات (غفر الله لهم) يشبه الزواج المبكر بالاغتصاب!! هذه مسألة أبرزها المستشرقون والقساوسة النصارى من قبلهم لضرب ثقة المسلم بالإسلام وحاولوا أن يصرفوا العالم عن اتباع الإسلام بالادعاء على الهادي الأمين الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقساوستهم في أمريكا يرددون هذه الافتراءات للآن.

 

إن هذه المزاعم لا تختلف في هدفها عن تقوّلهم على القرآن العظيم وإبرازهم لجهلهم وانحراف منطقهم مع كل ادعاء، وإن دلت هذه المزاعم على شيء فإنما تدل على خبث نفوسهم وما يجيش فيها من أمراض. لقد تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة وبنى عليها وهي بنت تسع سنوات وهذا مثبت فيما صح عند المسلمين من أحاديث، ولن نلغي شرع ربنا بسبب حملات أممية أو هجمات إعلامية؛ فحلال محمد عليه الصلاة والسلام حلال إلى يوم الدين، وحرام محمد عليه الصلاة والسلام حرامٌ إلى يوم الدين. لن يشكك المسلمون في دينهم أو يضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميزان أخلاقيات الغرب، وعقارب الساعة لن ترجع للوراء ليهاب المسلمون هجمة فكرية تستهدف دينهم ومعتقداتهم، بل إننا نفخر بإسلامنا العظيم ولا نرضى عنه بديلاً ونسير على سبيل الهادي الأمين.


دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصارَى فِي نَبِيِّهِمُ         وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحاً فِيهِ وَاحْتَكِمِ
وَانْسِبْ إِلَى ذاتِهِ مَا شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ       وَانْسِبْ إِلَى قَدْرِهِ مَا شِئْتَ مِنْ عِظَمِ
فَإِنَّ قَدْرَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ      حَدٌّ فَيُعْرِبُ عَنْهُ ناطِقٌ بِفَمِ

 

وفي الختام، فإنا نوجّه دعوة صادقة إلى من تأثر من المسلمين بالحملات الإعلامية المضللة، وبآراء المستشرقين الحاقدين على الإسلام، ومن هزّت قناعاتِه بإسلامه الحالةُ المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية، رجالا ونساء، في مشارق الأرض ومغاربها، ندعو الجميع ليدخلوا معنا في حوار فكري عميق نجلي فيه الحقائق، بعيدا عن المهاترات الإعلامية الرخيصة السطحية، ونبرز فيه عظمة أفكار الإسلام وانطباق أحكامه على الواقع، وصدق معالجاته لما تعيشه البشرية جمعاء من ضنك، وفي المقابل نظهر فساد الفكر الغربي ومعالجاته وتهافته، ليس فيما يتعلق بالمرأة فحسب، وإنما في كل معالجاته لما يواجه الإنسان وهو يسعى لإشباع حاجاته العضوية وغرائزه، ليحيى من حَيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.


(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

 

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

أم يحيى بنت محمد

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع