الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالة أمريكا هي الخاسرة الحقيقية في مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"بقدر ما تأمل واشنطن في أن تتمكن من تدبر أمورها من خلال حماية مصر لمصالحها، كما فعلت لفترات طويلة، إلا أنّ الموقف الأمريكي في مصر سوف يتغير، وسيتراجع دورها فيه" - ستيفن كوك


لقد نوقشت ثلاث قضايا رئيسية على نطاق واسع في أعقاب الإطاحة بالرئيس مرسي، وهي:


- أنّ الانقلاب كان بتحريض الولايات المتحدة وتنفيذ الجنرال السيسي.


- فشل الإسلام السياسي خلال فترة حكم مرسي، ومعنى ذلك بالنسبة للمنطقة.


- فشل حركة التمرد والمعارضة بصفة عامة في إيجاد تصور واضح لما بعد مرسي، وخطأ الاعتقاد بأنّ فلول نظام مبارك يمكن أن يقدموا أفضل مما قدمه الإخوان أو المعارضة.


إلا أنّ هناك موضوعاً آخر قلما يُذكر، وهو انحسار النفوذ الأمريكي في مصر.


منذ ظهور جمال عبد الناصر إلى واجهة الحياة السياسية في مصر عام 1956م وحظوظ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تزداد، فقد تمكنت أمريكا للمرة الأولى من استخدام مكانة مصر كبوابة للعالم العربي؛ لبسط نفوذها السياسي في البلدان التي كانت تُعتبر خارج هيمنتها ومعقلاً للبريطانيين. فتغير المشهد السياسي في المنطقة، وازداد نفوذ أمريكا في مصر وخارجها بشكل كبير، ولم تتأثر قبضة أمريكا على مصر حتى بعد هلاك عبد الناصر، فقد استمرت هيمنتها كالمعتاد في عهد الرئيس السادات، وفي عهد الناصر الحقيقي والمدافع المخلص عن المصالح الأمريكية (حسني مبارك). وظل الحال على ما هو عليه حتى عام 2011م عندما اندلعت الاحتجاجات الضخمة ضد مبارك، حيث بدأت الهيمنة الأمريكية في مصر تترنح، ولم يبق خيار لأمريكا أمام الصحوة السياسية عند عامة الناس وحماسهم للحكم بالإسلام سوى إعادة النظر في حساب التفاضل والتكامل في المشهد السياسي في مصر، واضطرت أمريكا في نهاية المطاف إلى عقد صفقة مع الإخوان المسلمين مقابل حمايتهم لمصالحها وحرصهم عليها وضمان الاستقرار لهيمنتها، فتم دمج مرسي والإخوان مع بقايا نظام مبارك القديم، وتم إيجاد وسط سياسي جديد يظل تحت أعين الجيش. فاطمأنت أمريكا بعد أن أزالت العقبات من أمامها، كيف لا تطمئن وقناة السويس تعمل كالمعتاد، وأمن "إسرائيل" مستقر، والأنفاق التي تربط مصر بغزة تهدم فور العلم بوجودها، وحماس مقيدة جيداً، ومرسي منشغل في تنفيذ السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة!


ولكن الرياح جرت على عكس ما تشتهيه أمريكا، وفشلت أمريكا ومساعدها مرسي في تحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة، فقد أثار دعم مرسي غير المحدود للسياسات الأمريكية الشارع المصري ضده. وكانت المعارضة أول المستفيدين من موجة المشاعر المعادية لمرسي، حيث مكّنتها من الاستيلاء على قلوب وعقول المصريين العلمانيين والغالبية العظمى من المسلمين لفترة قصيرة، فبعد أن مكّنت هذه الشريحة حزب الحرية والعدالة ومرسي إلى الواجهة السياسية المصرية قبل عام واحد فقط، أصبحت ضده وطالبت بخلعه.


لقد استشعرت أمريكا بتراجع شعبية مرسي، فانقلبت عليه قبل بضعة أشهر من خلال الجيش، وحفزت المعارضة نحو العصيان المدني الشامل، وفي نهاية المطاف، تمت إزاحة مرسي من خلال انقلاب عسكري، والذي رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بأنّه انقلاب. فعادت أمريكا إلى المربع رقم واحد، وأصبحت عالقة مع بقايا نظام مبارك البائد، وهي الآن تبذل قصارى جهدها لزرع فكرة أنّ ما حصل ليس انقلاباً!


إنّ أمريكا اليوم تواجه عداء الجمهور المصري، فوفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو للمواقف العالمية، في مايو/أيار 2013م، فقد كان 16% فقط من المصريين يحملون موقفاً إيجابياً تجاه الولايات المتحدة (ويمكن للمرء أن يتخيل نسبة الإيجابيين اليوم)، لقد فقد السياسيون الناصريون ما تبقى من مصداقية لهم، وأنصار الإخوان غاضبون، ولن يطول الوقت حتى يفقد الجيش ماء وجهه بين عامة الناس.


وإن تمكنت أمريكا بطريقة أو بأخرى تشكيل حكومة من فلول مبارك غير الأسوياء، ومن التكنوقراط الجدد، مع المبتدئين من أمثال البرادعي، فإنّ لنا أن نسأل حينها: "ماذا سيكون مصير مصر؟!". ليس على المرء أن ينظر بعيداً، ولينظر إلى الحكومات التي شكلتها أمريكا في أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان، التي هي وببساطة فشل أمريكي في هذه البلدان، فقدرة أمريكا- على أقل تقدير- ضعيفة جداً أمام المشاعر المناهضة لها على نطاق واسع، وسجلها في أماكن أخرى مثل ليبيا وسوريا والصومال ليس بأحسن حالاً.


ومن المرجح أن تنضم التجربة المصرية إلى صفوف الإخفاقات السياسية للولايات المتحدة، فالوضع في مصر لا يتحسن، ومن المرجح أن تنزلق البلاد إلى الفوضى. إنّ أمريكا باختصار لم تعد قوة عظمى كما كانت من قبل، وهي الآن تخسر سيادتها ومصداقيتها في العالم الإسلامي بشكل سريع، ويمكن أن تكون مصر القشة التي تقصم ظهر أمريكا. ويتوقع العديد من المراقبين انخفاضاً حاداً للهيمنة الأمريكية، فقد جاء في مجلة المشاهد الإنجليزية: "النفوذ الأمريكي الآن في تقهقر، لدرجة أنّ أوباما تخلى عن معظم نفوذه الدولي تقريباً"، والزمن سيكشف مدى صحة هذا القول.

 



عابد مصطفى

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع