الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح16 تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً ج2

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 278) .


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل). إن الربا المقصود في هذه الآية هو المال الحرام من الرشوة وغيرها الذي كان يأكله اليهود كما قال تعالى: (أكالون للسحت). وليس المقصود بها الربا بحسب التعريف الشرعي. وعليه فإن الربا حرام من أول تشريع. ولا يوجد ما يدل على أنه حرم على مراحل. وتعدد النصوص الواردة في الموضوع كان لوقائع معينة. ولا يوجد فيها ما يدل على التدرج.


الوجه الآخر المقابل للصدقة .. الوجه الكالح الطالح هو الربا! الصدقة عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة، وتعاون وتكافل .. والربا شح، وقذارة ودنس، وأثرة وفردية .. والصدقة نزول عن المال بلا عوض ولا رد. والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه. من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده. ومن لحمه إن كان لم يربح أو خسر، أو كان قد أخذ المال للنفقة منه على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا .. ومن ثم فهو - الربا - الوجه الآخر المقابل للصدقة .. الوجه الكالح الطالح! لهذا عرضه السياق مباشرة بعد عرض الوجه الطيب السمح الطاهر الجميل الودود! عرضه عرضا منفرا، يكشف عما في عملية الربا من قبح وشناعة. ومن جفاف في القلب وشر في المجتمع، وفساد في الأرض وهلاك للعباد. ولم يبلغ من تفظيع أمر أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا.

 

ولا بلغ من التهديد في اللفظ والمعنى ما بلغ التهديد في أمر الربا - في هذه الآيات وفي غيرها في مواضع أخرى- ولله الحكمة البالغة. فلقد كانت للربا في الجاهلية مفاسده وشروره. ولكن الجوانب الشائهة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية في مجتمع الجاهلية كما بدت اليوم وتكشفت في عالمنا الحاضر، ولا كانت البثور والدمامل في ذلك الوجه الدميم مكشوفة كلها كما كشفت اليوم في مجتمعنا الحديث. فهذه الحملة المفزعة البادية في هذه الآيات على ذلك النظام المقيت، تتكشف اليوم حكمتها على ضوء الواقع الفاجع في حياة البشرية. أشد مما كانت متكشفة في الجاهلية الأولى. ويدرك - من يريد أن يتدبر حكمة الله وعظمة هذا الدين وكمال هذا المنهج ودقة هذا النظام - يدرك اليوم من هذا كله ما لم يكن يدركه الذين واجهوا هذه النصوص أول مرة. وأمامه اليوم من واقع العالم ما يصدق كل كلمة تصديقا حيا مباشرا واقعا.

 

والبشرية الضالة التي تأكل الربا وتوكله تنصب عليها البلايا الماحقة الساحقة من جراء هذا النظام الربوي، في أخلاقها ودينها وصحتها واقتصادها. وتتلقى - حقا - حربا من الله تصب عليها النقمة والعذاب .. أفرادا وجماعات، وأمما وشعوبا، وهي لا تعتبر ولا تفيق! وحينما كان السياق يعرض في الدرس السابق دستور الصدقة كان يعرض قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يريد الله للمجتمع المسلم أن يقوم عليه، ويحب للبشرية أن تستمتع بما فيه من رحمة .. في مقابل ذلك النظام الآخر الذي يقوم على الأساس الربوي الشرير القاسي اللئيم.


أيها المؤمنون:


إنهما نظامان متقابلان: النظام الاقتصادي الإسلامي، والنظام الرأسمالي الربوي! وهما لا يلتقيان في تصور، ولا يتفقان في أساس ولا يتوافقان في نتيجة .. إن كلا منهما يقوم على تصور للحياة والأهداف والغايات يناقض الآخر تمام المناقضة. وينتهي إلى ثمرة في حياة الناس تختلف عن الأخرى كل الاختلاف .. ومن ثم كانت هذه الحملة المفزعة، وكان هذا التهديد الرهيب المرعب! إن الإسلام يقيم نظامه الاقتصادي - ونظام الحياة كلها - على تصور معين يمثل الحق الواقع في هذا الوجود. يقيمه على أساس أن الله - سبحانه- هو خالق هذا الكون. فهو خالق هذه الأرض، وهو خالق هذا الإنسان .. هو الذي وهب كل موجود وجوده .. وأن الله سبحانه وهو مالك كل موجود بما أنه هو موجده قد استخلف الجنس الإنساني في هذه الأرض ومكنه مما ادخر له فيها من أرزاق وأقوات ومن قوى وطاقات، على عهد منه وشرط. ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى، يصنع فيه ما يشاء كيف شاء. وإنما استخلفه فيه في إطار من الحدود الواضحة". (لم ينته الاقتباس).


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع