الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

لماذا قد تكون تركيا بصدد رفع الحظر عن الخمار "مترجم"

بسم الله الرحمن الرحيم


منذ اليوم الأول الذي جيء فيه بحزب العدالة والتنمية بما يسمى جذوره الإسلامية للسلطة في تركيا، والكثير من المسلمين في البلاد يعتقدون بأنه سيكون باستطاعتهم الحصول على حقوقهم لممارسة واجباتهم الإسلامية والعيش كمسلمين بكرامة وشرف. ويقود تلك الأماني الاعتقادُ بأن حظر الخمار المفروض على الفتيات والنساء في المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها من المباني العامة لعقود سوف يرفع الآن! ولكن كان على المسلمين في تركيا الانتظار عشر سنوات أخرى من أجل أن يشهدوا احتمال إزالة هذا الحظر على واجب إسلامي أساسي على المؤمنات.


ففي الخامس عشر من فبراير، أعلن وزير تركيا للاتحاد الأوروبي، إيجمين باجيس، عند تقديم تقرير إلى مجلس الوزراء بشأن قوانين ارتداء الخمار (غطاء الرأس) في القطاع العام في مختلف البلاد الأوروبية، أن القوانين التي تنظم حظر الخمار في تركيا ليس لها أسس قضائية وبالتالي لم يكن مطلوباً من الحكومة تعديل قانونٍ ليحل محل الممارسة الحالية. إذن ووفقاً لباجيس فإن إزالة حظر الخمار حتى في ظل النظام العلماني الفاسد في تركيا كان مسألة بسيطة كل هذا الوقت. إنها أحد الأمور التي يعرفها العديد من الشعب التركي منذ سنوات ولكنها أحد الأمور التي اختارت حكومة إردوغان بشكل مناسب التغاضي عنها خلال عقدها في السلطة ولذلك فهي قد فشلت في إسقاطه على الرغم من قدرتها "البسيطة" للقيام بذلك.


إن دراسة بعض الأحداث الأخيرة حول مسألة الخمار في تركيا تكشف عن أن تخفيف الحظر مؤخراً في مختلف قطاعات المجتمع كان لعبة مرتبة مزورة لها أجندة لتحقيق أهداف معينة ساخرة لهذه الحكومة الديمقراطية العلمانية؛


فقد بدأت القصة كلها في نوفمبر الماضي مع إدخال قوانين جديدة تسمح لطالبات مدرسة "إمام خطيب" بارتداء الخمار في حين استمر الحظر في جميع المدارس الحكومية في جميع أنحاء البلاد. بالطبع فإن هذا أدى إلى انتقادات كبيرة لأن بعض العلمانيين المتشددين والكماليين ظنوا أنه سوف يرفع الحظر في المدارس العادية أيضاً. وقد هدأت الحكومة تلك المخاوف عندما أعلن وزير التربية والتعليم، عمر دينجر بأنه "لو أردنا أن نرفع حظر الخمار كاملاً، لفعلنا ذلك!"


وفي يناير 2013، قرر مجلس الدولة التركي السماح للمحاميات بارتداء الخمار داخل المحاكم. وفي فبراير 2013 اقترحت فاطمة شاهين وزيرة شؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية بأن يتم رفع حظر الخمار في البرلمان التركي، حيث صرحت بأنه "إذا كنا نريد للديمقراطية التقدم فيجب أن يشمل أيضا النواب اللاتي يرتدين الخمار". وفي الشهر نفسه وصفت سعاد كيليج وزيرة الرياضة والشباب التركي حظر الخمار في مناسبة رياضية بأنه "متخلف وبدائي". ثم جاءت التعليقات من وزير تركيا للاتحاد الأوروبي إيجمين باجيس بأن رفع الحظر عن الخمار سيكون عملية أبسط مما يعتقد الكثير. إلى جانب كل هذا، ربما كان أهم عمل خلال الشهر الماضي هو حملة "عشرة مليون توقيع من أجل حرية اللباس في الأماكن العامة" التي أطلقها الاتحاد العام لنقابات العمال الموظفين (ميمور- سين).

 

وقد تجاوزت العريضة العشرة ملايين وقدمت إلى وزير العمل في تركيا في مارس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المدير العام لـ (ميمور- سين) أحمد غندغدو، أعلن بأنه سيتم رفع الحظر نهائياً بالتأكيد عن الخمار في تركيا بعد الخامس عشر من مارس، حتى لو لم يغير البرلمان في القوانين وأنه في ذلك التاريخ سوف يتجاهل موظفو الخدمة المدنية حظر الخمار من خلال الاستمرار في عملهم في حين يرتدين الخمار. وأكد بأنهم يريدون أن تمحى أية قوانين تتعارض مع عملية التحول الديمقراطي، وأنهم لا يريدون أن تحجز حقوق المرأة في التعليم والعمل والسياسة أكثر من ذلك.


ولكن السؤال هو لماذا تخفف الحكومة التركية من حظر الخمار وحتى تبدو أنها تأمل في رفعه كلياً، علما بأنه لم يتغير شيء يتعلق بهذا الموضوع يخفف من العملية التشريعية/القضائية لإزالة حظر الخمار في البلاد؟ هذا هو السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يوضع في الاعتبار عند النظر في أحداث الأشهر القليلة الماضية.


إذن ما الذي يغير الموقف الأخير للحكومة التركية نحو الخمار؟


أولاً: في السنوات الأخيرة، قام إردوغان وحزب العدالة والتنمية بسياساتهم الرأسمالية بزيادة عمالة الإناث كوسيلة لزيادة النمو الاقتصادي في البلاد؛ لذلك فإن إزالة الحظر على الخمار سوف يساعد في تحقيق هذا الهدف الاقتصادي من خلال إزالة العقبات أمام الكثير من النساء لدخول العمل في القطاع العام.


ثانياً: تريد الحكومة أن تخفف من الغضب الشعبي بسبب إدخالها حزمة القضاء الرابع المثيرة للجدل والتي ستؤدي إلى إطلاق ممكن من السجن لأعضاء إيرجينكيون، باليوز أو حزب العمال الكردستاني، وهي منظمات اتخذت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها أو حاولت زعزعة استقرار الدولة. لذلك فإن رفع حظر الخمار سوف يكون بمثابة "محلي مناسب" للحد من الغضب الشعبي لهذه السياسة الجديدة.


وأخيرا: فإن موقف تركيا كما يسمى "النموذج" للعالم العربي كما قدمها عدد من السياسيين والحكومات العربية والغربية، قد شُكك فيه من قبل العالم الإسلامي والبلاد الأوروبية خلال الأشهر القليلة الماضية ولهذا فهي تحتاج إلى دفعة جديدة. وبالتالي فإن إمكانية رفع الحظر سوف يخدم هذا الغرض.


في أسلوبها الحقيقي كما في أي نظام علماني رأسمالي يعمل فقط على الانتهازية، فإن علاقة الحكومة التركية بالخمار استندت إلى الانتهازية الصرفة وبتسجيل نقاط سياسية بدلا من أي إحساس بالواجب الإسلامي لتمكين المرأة المسلمة بالوفاء بواجباتها الإسلامية بارتداء الزي الذي أمرها خالقها به.


إن هذه على أية حال قيادة لا تزال تسمح بالخمور وبالزنا وبالربا أن توجد بحرية داخل المجتمع.


ليس تخفيف الحظر أو رفعه مبني على أي معنى للبرّ أو إنشاء العدالة والحقوق للناس. فإن هذه الحكومة ما زالت سيئة السمعة لسجنها حملة الدعوة للإسلام، ليس لشيء سوى أنهم يحاسبونها على الفساد والاضطهاد وعدم تطبيقها الإسلام. ومع ذلك، فإن أحد أهم الأسباب لتخفيف الحظر أو إمكانية رفعه هو حرص الحكومة التركية على أن تثبت للمسلمين في تركيا بأن النظام الديمقراطي يعمل من أجل تأمين حقوقهم. أي أنه فقط بالانخراط في العملية الديمقراطية فإن هذا التغيير أصبح ممكنا. إن الهدف إذن هو تقديم النظام الديمقراطي كنظام ذي مصداقية وأنه يعمل، وبالتالي فإن على المسلمين في تركيا أن يستمروا في تبنيه والعمل للتغيير من داخله!


قد يعتقد البعض بأن رفع الحظر يدل على نجاح النظام الديمقراطي، ولكن هذا هو اعتقاد خاطئ مضلل. لأن النظام الناجح لا يحتاج لأكثر من عشرة أعوام من أجل ضمان حقوق الناس السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه نفسه النظام الديمقراطي الذي جرد المرأة في تركيا لسنوات من القدرة على الالتزام بلباسها الإسلامي في التعليم والعمل. وهو نفسه النظام الديمقراطي وبحماية من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الذي حكم في عام 2006 لصالح جامعة إسطنبول ضد ليلى شاهين، الطالبة في كلية الطب في تركيا التي منعت من استكمال شهادتها الطبية من قبل الجامعة بسبب خمارها. وعلاوة على ذلك ففي عام 2008 صرح رئيس الوزراء إردوغان بشأن حظر الخمار: "ليست هناك حاجة لانتظار دستور جديد.. إن هذا سهل حله.. علينا فقط أن نجلس معا وسيتم حلها بالإجماع على حكم مشترك" مشيراً إلى قدرة الحكومة على رفع الحظر إذا ما رغبت حقاً في ذلك، بغض النظر عن انخراط الناس في العملية الديمقراطية. ولكنهم اختاروا ألا يفعلوا، مما يدل على طبيعة الديمقراطية الحقيقية كنظام في ظله تخضع حقوق الناس لأهواء الحكام والبرلمانات.


إن تخفيف أو رفع حظر الخمار بالتالي ليس هو انعكاسا لنجاح العملية الديمقراطية أو النظام بل إنه انعكاس للمصالح السياسية لمن هم في السلطة. بالتأكيد يجب رفع الحظر عن الخمار في تركيا لأن الخمار (غطاء الرأس) والجلباب هو الزي الواجب على المرأة في الحياة العامة كما أمر الله سبحانه وتعالى وهو فرض بحسب القرآن والسنة. ولكن رفع الحظر لا يجب أن يكون سبباً للاحتفاء بنظام تركيا الديمقراطي أو ما يسمى بالحكومة "الإسلامية المعتدلة" التي تحكم الدولة حالياً. فهي ببساطة السياسة المألوفة الساخرة العلمانية للحكومات الرأسمالية والأحزاب السياسية التي تقودها المصالح الشخصية. وعلاوة على ذلك، فإن علينا كنساء مسلمات أن نفهم أن المرأة المسلمة في تركيا قد عانت في ظل حظر الخمار نظرا لغياب نظام الله سبحانه وتعالى.


علينا أن ندرك أن مثل هذا الحظر لم يكن ليحدث لو كنا نعيش حياتنا كعباد لله سبحانه وتعالى في ظل أحكامه وقوانينه وليس في ظل نظام علماني ديمقراطي وضعي. وفي الوقت نفسه، ليس فقط موضوع الخمار هو الذي يجب أن يحل وليست فقط المشاكل الداخلية التي تحتاج إلى حل، بل إن الأمة الإسلامية اليوم تواجه جبلا كبيرا من المشاكل التي تحتاج إلى حل. بما في ذلك تعرض المسلمين للقتل والاغتصاب والتعذيب في سوريا المجاورة وفي كل أنحاء العالم الذي يحتاج وضع نهاية عاجلة.


إن الإسلام لم يأت بأحكام للأفراد فقط، بل أيضا أحكام تتعلق بالإنسان بوصفه عضوا في المجتمع تنظم كل جانب من جوانب حياة المسلم بما في ذلك واجباتهم نحو إخوانهم المسلمين. إن المؤمن عليه مسؤولية القيام بجميع هذه الأوامر من الله سبحانه وتعالى وأن يطبق جميع أحكام الله. وأن لا يرضى بالقيام بالقليل من الواجبات لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)).


إن الطريقة الوحيدة التي يعيش فيها المسلم رجلا كان أم امرأة حياة كريمة، هي فقط بالعيش في ظل نظام الخلافة الذي يحرص القادة العلمانيون في تركيا وكما في بقية بلاد العالم على منعه وتأخيره. إنها الدولة الوحيدة التي ستطبق كل أحكام الله ليس فقط في تركيا بل في كل بلادنا الإسلامية التي تشمل ضمان الحماية الكاملة للباس الإسلامي للمرأة.


إن القوانين في هذا النظام وحقوق الأفراد المفروضة ليست عرضة للتغيير بحسب أهواء الحاكم الذي في السلطة، بل هي ثابتة لا تتغير، لأن التشريعات في دولة الخلافة تؤخذ من النصوص الإسلامية وليس من عقول متقلبة أو مصالح شخصية لسياسيين أو حكام. علاوة على ذلك، فإنها الدولة التي ستوحد المسلمين تحت ظل نظام واحد يضمن حمايتهم كأمة واحدة ويحل مشاكلهم كبشر وليس على أساس الجنسيات أو المصالح الوطنية.


لذلك فإنّ تطلُّع المؤمنين المخلصين في تركيا بالتأكيد لا يجب أن تكون فقط على رفع حظر الخمار في البلاد بل يجب أن يوجه إلى إزالة الأنظمة القمعية في تركيا وجميع البلاد الإسلامية التي عانى الناس في ظلها لفترة طويلة، والانضمام للعمل لإقامة الدرع والحارس للأمة، الخلافة.

 

يقول تعالى: ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)).

 

 

 

أم خالد
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع