أيها المسلمون هذا نداؤنا إليكم لما يحييكم للأستاذ خالد العمراوي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الأرواح التي تزهق والدماء التي تهرق والبيوت التي تدمر، سواء في غزة اليوم أو العراق وأفغانستان والشيشان وكشمير والصومال والسودان من قبل، هي دماءكم وأرواحكم وبيوتكم أيها المسلمون وليست أرواح حكامكم ولا دماءهم ولا قصورهم التي ينعمون بالعيش الهانئ فيها بين نساءهم وأبناءهم وخدمهم وحشمهم. فأنتم الضحية وهم المجرمون الذين يشحذون السكاكين لأعداءكم. فمن الخطاء إذا أن تتوسلوا إليهم وتستعطفونهم ليهبّوا لنجدتكم وليفتحوا لكم الحدود ويسمحون لكم بالجهاد في سبيل الله والدفاع عن أنفسكم، أو أن تطالبونهم بقطع علاقاتهم مع أعداءكم من يهود وصليبيين حاقدين عليكم.
فلا تحلمون ولا تطمعون في استجابتهم لأي مطلب من مطالبكم. فالحدود لن تفتح لكم، لأن حكامكم وُجدوا من أجل ضمان بقاءها مغلقة في وجوهكم خدمة للكافر المستعمر الذي رسمها على خريطتكم ليمنع بها تواصلكم وتلاحمكم ببعضكم كأمة واحدة. فحكامكم إذا هم حراس لمخلفات الاستعمار الكافر، وهم العقبة الكئود أمام وحدتكم لتضلوا هكذا ممزقين ومقسمين إلى رقيعات هزيلة.
وأما الجهاد الذي تطالبون به فإنه في قاموسهم مدرج ضمن مفردات الإرهاب والتطرف، ولذلك رصدوا لكم رجال مخابراتهم لينكلوا بكم ويلاحقونكم أين ما كنتم ويرمون بكم في غياهب سجونهم عقابا لكم على تبنيكم لهذه المفردات. فلا تتوهمون أنهم سيستجيبون لكم ويطلقون أيديكم ويمدونكم بالسلاح لتدافعوا به عن أنفسكم. بل قل إن بلادكم مباحة للكفار المستعمرين من يهود وصليبيين ومحرمة عليكم. فهم فقط ، أي الكفار المستعمرون، لهم حق إنشاء القواعد العسكرية على أرضكم وحق استغلال مياهكم ومضايقكم وأجواءكم ومواقعكم الإستراتيجية ليديروا منها عمليات التقتيل والتدمير فيكم، ومحاصرتكم وحرمانكم من التسلح والقتال دفاعا عن أنفسكم. أي من أرضكم وبأموالكم يقاتلونكم ويخربون عماركم بمصادقة من حكامكم. أما أنتم فلا حق لكم في القتال والجهاد والدفاع عن أعراضكم وأنفسكم، والتحرر من قيودهم والاستقلال عنهم نهائيا.
وأما مطالبتكم إياهم بقطع العلاقات مع يهود خاصة والدول الغربية الاستعمارية عامة، فهيهات هيهات أن يستجيبوا لكم. وكيف سيستجيبون لكم وهم يستقوون بهم عليكم ومتواطئون معهم في العدوان عليكم. أفلا ترون كيف يتوددون لهم وكيف يتقربون لهم بكل الوسائل والأساليب. أوَ ما رأيتموهم وهم يرقصون معهم في قصورهم، ويتبادلون معهم كؤوس الخمر في لقاءاتهم ويشربون على نخب هزائمكم وهوانكم على الناس. أوَ لم تروا في الأيام القليلة الماضية قبل أحداث غزة كيف هبوا لإنقاذ الخزينة الأمريكية وبنوك الرأسماليين من الإفلاس والانهيار الاقتصادي وأمدوهم بأموالكم لينقذوهم من أزمتهم الاقتصادية. فحكامكم أيها المسلمون أوفياء لأعداءكم. وسفاراتهم في بلادكم هي أوكار اجتماعاتهم السرية. فمن داخلها يأتمرون بكم ويخططون لخنقكم وتكبيلكم وتكميم أفواهكم. فإن كنتم تطمعون في قطع علاقاتهم بهم أو طردهم من بلادكم فإنكم واهمون.
وأما استصراخكم للجيوش في البلاد العربية والإسلامية ليتحركوا من ثكناتهم ويهبّوا لنجدتكم ونصرتكم، على اعتبار أن قوتكم المادية كامنة فيهم، فإنه من الواضح أن هذا الاستصراخ لم يلامس بعد عقولا واعية وأذانا صاغية، لكأنكم تناشدون قوما لا يبصرون ولا يفقهون ما يحيط بكم ولا ما يجري عليكم. فبالرغم من كون الجيوش تعلم أن لها شأنا وثقلا في تغيير المعادلات وقلب الموازين، وأن الحكام يحسبون لهم ألف حساب ويتخوفون من تحركاتهم وتحول ولائهم إلى خصومهم والانقلاب عليهم، قلت بالرغم من علمهم بذلك إلا أنهم أبوا استغلال هذا الثقل واستعمال هذه القوة لنصرتكم والتفاعل مع قضيتكم ولو شكليا بالضغط على أصحاب القرار. وهذا يدلكم على أن جيوشكم في قبضة حكامكم ورهن إرادتهم. فلا ينفرون من أقفاصهم الحديدية إلا للاستعراضات أو لقمعكم وفرض حالة الطوارئ عليكم وليس لنصرتكم ونجدتكم وإغاثتكم والدفاع عن أعراضكم وأرواحكم. لقد دنّس الحكام كرامة الجيوش وحطّوا من قدرهم بركوبهم على رقابهم وسوقهم نحو مرابض الركوع والاستسلام لقراراتهم المذلة. فحولوهم إلى مجرد حراس لعروشهم مجردين من مفردات العزة والنخوة والمروءة.
أوَ لا يعلم الجيوش أن آمال أمتهم متعلقة بهم وأنها في حاجة لنصرتهم؟ فما نعجب له ونحتار فيه هو أن يجد يهود جيشا يدافع عنهم ويحفظ لهم أرواحهم وأموالهم وعمرانهم، وهم أذل خلق الله، والأمة الإسلامية، وهي خير الأمم،لا تجد جيشا واحدا من بين جيوشها المنتشرة في العالم الإسلامي ينبري للدفاع عنها ويحفظ لها كرامتها وقدرها، أوَ ليس هذا عجيب غريب؟
أيها المسلمون إنكم اليوم في قبضة الكفار وعملاءهم، ولقد ناديناكم منذ عقود في ساعة السلم والرخاء لكي تنضموا إلينا وتعملوا معنا للتغيير والإطاحة بهذه الأنظمة العميلة واستئصال شأفة الخونة المجرمين من حكام ورجال مخابرات والطابور الذي يسير وراءهم. فلو استجبتم لنا لكانت أحداث غزة أو جنين أو العراق أو أفغانستان القشة التي قسمت ظهورهم، ولكن عدم استجابتكم لنا وسباتكم لسنين ثم يقظتكم لساعة من الزمن لن تهدد عروش هؤلاء الطواغيت، بل لا تزيدهم إلا استخفافا بكم. لأنهم يعلمون أن صراخكم وولولتكم وشذبكم وتنديداتكم واستنكاركم وشتمكم لا يدوم إلا ساعة ثم تعودون إلى الشخير. فهل بهذه الأعمال الظرفية والهامشية ستسقطون هذه الأنظمة العميلة؟ فإن كنتم تظنون أنكم بهذه المسيرات الحاشدة والتظاهرات الجماهيرية العارمة وحرقكم للدمى والأعلام سترعبونهم وتفزعونهم إلى أن تضطروهم إلى مراجعة مواقفهم المخزية والاستسلام لمطالبكم، فإنكم لازلتم، وللأسف الشديد، في وهمكم القديم.
إن التغيير أيها المسلمون لا يكون إلا بأيديكم وليس بأيدي عملاء الغرب وخونة هذه الأمة. فالواجب عليكم أن تتحركوا ومن فوركم للتغيير ولا تنتظروا وقوع المزيد من الأحداث المروعة لتحرككم. فبلادكم تحكم منذ عقود بأحكام الكفر، وحكامكم الذين يحكمونكم يرعون مصالح أعداءكم قبل مصالحكم، وأرضكم مستباحة لليهود والصليبيين ومحرمة عليكم، وأموالكم تحت تصرف الدول الرأسمالية وليست تحت تصرفكم، والقتل والتشريد والتدمير واقع بكم، ونقمة الأنظمة منصبة عليكم وليس على أعداءكم. فماذا تريدون أكثر من هذا لكي تستفيقوا وتنتبهوا ومن ثمة تنهضوا للتغيير، أوَ لا يكفيكم كل هذا أم تريدون المزيد حتى يشبع أعداءكم تشفيا فيكم وشربا على نخب هوانكم واستسلامكم وقصوركم وفشلكم وتخاذلكم وشطحاتكم الهستيرية كما يقولون؟
أيها المسلمون إننا نجدد النداء وندعوكم مرة أخرى قبل فوات الأوان لتستجيبوا لنا وتعملوا معنا من أجل التغيير فنحن منكم وأنتم منا فما يصيبكم يصيبنا وما يجري عليكم يجري علينا. فنحن جسم واحد متماسك بعقيدة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلنجعل من هذا التماسك العقائدي دافعا للعمل نحو وحدة العالم الإسلامي بإلغاء الحدود ولحم الشعوب الإسلامية في وطن واحد وأمة واحدة ودولة واحدة باستئناف الخلافة الإسلامية. فبها وحدها يقضى على اليهود والصليبيين وعلى مطامعهم الاستعمارية في بلادنا وعلى عملاءهم وأنظمتهم. فلا تتوسلوا للحكام ولا تستعطفوهم ولا تطأطئوا رؤوسكم لهم ولا تقبلوا بقراراتهم المجحفة وقرارات مجلس الرعب والظلم والتعدي على الشعوب، فليس هذا هو الذي يحييكم ويمسح عنكم العار والذل والهوان وإنما استجيبوا لله والرسول فيما دعاكما إليه لتحيوا من جديد. قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) [الأنفال: 24/25].
كتبه للإذاعة : خالد إبراهيم العمراوي
في 13 محرم 1430 هـ
الموافق : 9 يناير ( جانفي) 2009