الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الدولة المدنية جحر ضب... فلا تدخلوه وراءهم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لأنهم يعلمون مدى حساسية المسلمين من مصطلح العلمانية لوصف الدولة التي ينبغي أن يطالب بها المسلمون,جاءوا لهم بمصطلح الدولة المدنية وزينوه وجمَّلوه لينخدع الناس به على أنه يعني دولة عصرية حديثة ذات مؤسسات متطورة أساسها المواطنة يتساوى المواطنون فيها أمام القانون الذي يختارونه دون تمييز في العرق أو اللون أو الدين, وأنها دولة حرية وعدالة لا مكان للقمع أو لقانون الطوارئ أو لمثله فيها.

 

لقد أفلس الغرب حضاريا وانكشفت سَوْأتُه وبان للقاصي والداني إفلاسه الفكري, بينما يلهث وراءه المضبوعون في بلاد الإسلام مقتفين أثره حتى لو دخل جحر ضب دخلوه وراءه. وهؤلاء المضبوعون يريدون أن يسوقوا لنا بضاعته الفاسدة على أنها العلاج الشافي من جميع الأسقام ,بينما ما يقدمونه لنا ما هو إلا السم الزعاف. وما على الواعين من الأمة إلا أن يقفوا بحزم لينبهوا الأمة لما يحاك لها, فيقولوا لها من هنا الدرب أيها التائهون.

 

إن الدولة المدنية مفهوم مستورد من الغرب, وهم يقصدون به أن تستقل الدولة بشؤونها عن هيمنة وتدخل الدين"الكنيسة", لما حصل عندهم من ظلم واستبداد من الحكام باسم الكنيسة, ولم يكن هذا يوما إشكالا في الإسلام البتة. حيث إن الحاكم في الإسلام ليس ظل الله على الأرض, ولا هو معصوم عن الخطأ, ومتى تقاعس عن القيام بواجبه فان الشريعة تأمر بنصحه وإرشاده, فان استقام بقي وإلا فالعزل طريقه.

 

ولنا أن نتساءل هل يمكن قبول الدولة المدنية دون قبول الأساس الذي تقوم عليه؟ والواقع أن الدولة المدنية ليست من قبيل الأمور المدنية, أو العلمية التي يمكن للمسلمين أخذها من أي كان. بل هي من الأمور التي تخضع لوجهة النظر في الحياة, فهي تشكل حلا طبيعيا عند الغرب لمسألة فصل الدين عن الحياة, وبالتالي ترك الشرائع السماوية والاحتكام إلى عقول البشر في التشريع للحياة العامة, وهي ما يسمونها الديمقراطية عندهم.. إن الظن عند من يحاول الترويج لتلك الدولة بقوله إن هذه الدولة المدنية ستكون ذات مرجعية إسلامية, إن ظنه أنه بهذا القول قد تخلص من الإشكال بأن أُرْضِيَ طَرَفَي النزاع "من يطالب بدولة إسلامية ومن يطالب بدولة علمانية" ما هو إلا ظن لا يغني من الحق شيئا. ذلك أن الحق هو أن الدولة المدنية لم يعرفها الإسلام أبدا, لأنه أتى بشكل جديد في الحكم لم يكن على مثال سابق ولا حتى مثال لاحق, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشكل لنظام الحكم في الإسلام بالاسم والمسمى, فسماه النبي صلى الله عليه وسلم خلافة عندما بين أن الذي يرعى شؤون المسلمين هم الخلفاء حيث قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء, كلما هلك نبي خلفه نبي, وإنه لا نبي بعدي, وستكون خلفاء فتكثر, قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوْا ببيعة الأول فالأول, وأعطوهم حقهم, فإن الله سائلهم عما استرعاهم". والخلافة هي ولا شك تتميز عن أشكال الحكم المعروفة في العالم, سواء أكان في الأساس الذي يقوم عليه, أم في الأفكار والمفاهيم والمقاييس والأحكام التي ترعى بمقتضاها الشؤون, أم بالدستور والقوانين التي يضعها موضع التطبيق والتنفيذ, فالخلافة ليست نظاما ملكيا حيث لا وراثة, فالبيعة هي الطريقة لنصب الخليفة, كما أنه لا امتيازات وحقوق خاصة للخليفة, والخليفة ما هو إلا نائب عن الأمة في الحكم والسلطان, وهو مقيد في جميع تصرفاته وأحكامه ورعايته لشؤون الأمة ومصالحها بالأحكام الشرعية. كما أنه ليس نظاما جمهوريا يضع الشعب فيه قوانينه بحسب الأغلبية, إذ التشريع في الدولة الإسلامية هو لله وحده ولا يحق لأحد من دون الله أن يشرع لا بالأغلبية ولا بالأقلية. ونحن حين نرفض الديمقراطية نرفضها لذلك, لأنها تجعل التشريع للبشر وليس لله رب العالمين، إذ هو وحده له الحكم وله الأمر "إن الحكم إلا لله" وقال تعالى: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ"، ويقول أيضا: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".

 

انه سؤال أخير للذين يدعون للدولة المدنية من الإسلاميين, ما الذي يدعوكم للإصرار على المطالبة بالدولة المدنية تلك؟ وما هي المكاسب التي تبغونها من وراء دعوتكم تلك؟ لم الخوف من الحديث عن الدولة الإسلامية التي هي دولة عالمية وهي رحمة للعالمين؟ فهي التي ترعى الشؤون وتحمي الثغور وتوفر الأمن والأمان لرعاياها مسلمين وغير مسلمين, وإن قلتم هذه هي تلك, فلم تعدلون عن المسمى الصحيح للدولة التي يريدها منكم رب العالمين.

 

 

شريف زايد

مصر

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع