الصائم مع القرآن والسنة الصائمُ بعيدُ النظرِ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ربَّما استغرَبَ القارئُ والسامعُ هذا العنوانَ لهذِهِ الْحَلْقةِ من هذا البرنامَجِ!!
ولكنَّ نظرةً إلى العقيدةِ الإسلاميةِ الراقيةِ التي رَبَطَتْ كلَّ عَمَلٍ مِنْ أعمالِ العبادِ باليومِ الآخِرِ؛ هذه النظرةُ للعقيدةِ الإسلاميةِ تُرِيْنا بُعْدَ النَّظَرِ الذي يكتسبُهُ المؤمنُ بهذه العقيدةِ الراقيةِ.
إنَّ مِنْ رَوْعَةِ هذه العقيدةِ الراقيةِ أنّها جَعَلَتْ الإنسانَ يستخدمُ عَقْلَهُ، ليسَ في ما بينَ يديهِ وما يَقَعُ عليهِ حِسُّهُ فحسب، بلْ إنَّها عَقَدَتْ بِرِباطٍ وَثيقٍ بينَه وبينَ مَنْ خَلَقَهُ، يَعْبُدُ اللهَ كأنَّهُ يَراهُ، فإنْ لم يَرَ العبدُ خالقَهُ، فإنَّ العبدَ يُوقِنُ أنَّ الخالقَ يَراهُ.
إن العبدَ المؤمنَ والصائمَ يَنْظُرُ للمستقبلِ دوماً، لأنّهُ يَعرِفُ أنَّ أَجَلَهُ محتومُ ولا بُدَّ آتِيْهِ، لا يَتَقَدَّمُ عنْ أَجَلِهِ ساعةً ولا يتأخَّرُ.
إنّهُ يَنْظُرُ إلى الْحُفْرَةِ منَ الأرضِ التي سيُوْضَعُ فيها بعدَ مَوْتِهِ، ويُدْرِكُ أنَّها المنزلةُ الأولى من منازلِ الآخرةِ.
إنّهُ يَتَصَوَّرُ يومَ البعثِ، ويتصوَّرُ أهوالَهُ، ويتصوَّرُ الحسابَ، ويتصوَّرُ النعيمَ المقيمَ، والعذابَ الأليمَ، ويربِطُ أعمالَهُ بذلكَ الموقفِ العظيمِ، الْمُمْتلئِ خوفاً من الله تعالى ومن عذابِه، والْمُمْتلئِ شوقاً إلى لقاء اللهِ والفوزِ بنعيمِهِ.
إنَّ الصائمَ حينَ يَبْدَأُ صَوْمَهُ منَ الفجرِ يُدْرِكُ أنَّ صَوْمَهُ سوفَ ينْتَهيْ بعدَ ساعاتٍ، ويعمَلُ للفوزِ بالجنةِ التي لا ينتهيْ نعيمُها، ويعمَلُ للنجاةِ من النارِ التي يَيْأَسُ منْ يَدْخُلُها من الخروجِ منها.
ويحفَظُ حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي يرويهِ عن ربّه جلَّ وعلا: ( قالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلا الصيامَ، فإنه لي وأنا أجْزِيْ به، والصيامُ جُنَّةٌ، وإذا كانَ يومُ صَوْمِ أحدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إني امْرُؤٌ صائمٌ. والذيْ نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخَلُوْف فَمِ الصائِمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِنْ رِيْحِ الْمِسْكِ. للصائمِفَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ )فَمَنْ أبْعَدُ نَظراً من الصائمِ؟؟
والصائمُ حينَ يُحِسُّ ويَشْعُرُ بحالِ أخيهِ المسلمِ، ويَجوعُ مختاراً كما يَجوعُ غيرُهُ من الفقراءِ والمساكينِ والمحتاجينَ، ويَقومُ بِسَدِّ حاجَتِهِم، وتفريجِ كُرُباتِهم، ينتظرُ وينظرُ لذلكَ اليومِ الذي يُفَرِّجُ اللهُ فيهِ عنهُ كُرْبَةً منْ كُرَبِ الآخرةِ، وما أكثرَها!!
والصائمُ الذي يحمِلُ دعوةَ الإسلامِ، لِيُوْجِدَ الإسلامَ في واقِعِ الحياةِ مُطَبَّقاً مِنْ خلالِ الدولةِ التي هيَ طريقةُ الإسلامِ في إيجادِ الإسلامِ في المجتمعِ، وطريقةُ الإسلامِ في حملِ الإسلامِ لغيرِ المسلمينَ في الكياناتِ الأخرى، الصائمُ حينَ يقومُ بهذا ينْظُرُ بثاقبِ نَظَرِهِ إلى المستقبلِ القريبِ الذي يَرَى فيه دولةَ الخلافةِ قائمةً في الأرضِ تُقيمُ شَرْعَ اللهِ، وتحملُهُ رسالةَ هدًى للعالَمينَ.
الصائمُ مِنْ أولى الناسِ بِبُعْدِ النَّظَرِ، الصائمُ من أولى الناسِ بأنْ يَرَى ما وَراءَ الجِدارِ، بلْ يَرَى ما بَعْدَ اليومِ، ويَرَى ما بَعْدَ الواقعِ المخالِفِ للإسلامِ، ليرى الواقعَ الموافقَ لما أرادَ اللهُ، ويَرَى ما بعدَ ذلكَ حينَ تتقدّمُ البَعَثَاتُ الفكريةُ منتشرةً في أنحاءِ الأرضِ حاملةً الهدى والنورَ للعالمينَ، ويَرى من جانبٍ آخرَ تلكَ الجيوشَ الجرارةَ التي يأمرُ الخليفةُ بانطلاقِها، تحملُ الإسلامَ هدًى ونوراً وسعادةً لجميعِ الناسِ، وتحمِلُ ناراً تتلظى، وموتاً زؤاماً لمنْ يقفُ في وجهِ الدعوةِ ويُريدُ مَنْعَها من الوصولِ إلى الناس.
إنّهُ الصائمُ الذيْ أكرمَهُ اللهُ بطاعته، منتظراً الثوابَ العظيمَ، ناظراً للفوزِ الكبيرِ.
فمنْ أولى من الصائمِ بِبُعْدِ النظرِ، بعدَ أنِ امْتَلَكَ الْمِنْظارَ الحقيقيَّ للأشياءِ، وما وراءَ الأشياءِ، امتلكَ المنظارَ الحقيقيَّ لهذا الكونِ، ولِما وراء هذا الكونِ، رأى بعقله المستنيرِ ما قبلَ الكونِ، ورأى بفكرِهِ المستنيرِ ما بعدَ الكونَ، فارْتَبطَ بالخالقِ، وعَمِلَ لِما بعدَ موتِهِ للقاءِ اللهِ، لِيَفْرَحَ حينَ لقاءِ اللهِ بِصَومِه؟