جهاد الخازن
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الإعلام وظيفة للاسترزاق أم قضية للحياة؟ سؤال يخطر على البال عندما تتابع استقالات الإعلاميين من فضائياتهم تحت وهج الثورة، وعندما تتابع كيف تحوّل مجموعة من إعلاميي الفضائيات المصرية الرسمية -بين عشية وضحاها- من منافحين عن النظام المستبد إلى ثائرين يتبنون قضية الثورة.
وسؤال يتجدد عندما تقرأ للإعلامي المخضرم صاحب زاوية عيون وآذان في جريدة الحياة اللندنية، قوله بتاريخ 24/12/2003: "ثم هناك حسني مبارك، وثقتي بوطنيته وإخلاصه ومحبته، من ثقتي بنفسي. بل إنها ثقة تجعلني أفضّل أن يكون هو المفاوض عن فلسطين ووزيره، بدل بعض الذين تفاوضوا، والذين رفضوا التفاوض".
ولكن القارئ يلاحظ أن ثقته بمبارك تتحول إلى نشوة بالثورة "المعجزة" التي انقلبت على ثقته المطلقة! ومن ثم يتغنّى "الواثق" بالانفتاح الذي حصل بعد سقوط "الوطني المخلص الذي أحب"، ويتحدث عن انبهاره خلال زيارته لمصر: "كان حديثي في مصر على مدى أسبوع عن ثورة الشباب، وهي معجزة"، وذلك في عيونه وآذانه بتاريخ 12/4/2011، وينقل فيها أن "مصر حكمها طبّال ووزراء لم يحصلوا على الإعدادية".
فإذا تبين له أن ثقته -التي تفوق ثقته بنفسه- كانت في "طبّال"، فكيف يمكن أن تكون ثقتنا بإعلامي يُثبت كلامُه سخافةَ منطقه وسطحيةَ طرحه!
هذا السؤال يفتح الردَّ لما تمخّضت عنه أبحاثُ الإعلامي جهاد الخازن، الذي تفتّق في زاويته قبل يومين عن نتيجة أبحاثه الفذّة وهو يحضّر لزاويته-عيون وآذان، إذ يقول: "لاحظت وأنا أجمع مادة هذه الزاوية وأراجع المعلومات مع مسؤولين أن نتانياهو يلتقي مع حزب التحرير في معارضة المصالحة الفلسطينية". وهو لا يكلّف نفسه -وهو يجمع مادة زاويته!- عناء زيارة موقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين، ليقرأ النصيحة التي وجهها الحزب لقيادات حماس من خلال مجموعة من الوفود الرسمية، بل ولا يحسن اختيار الردّ على خطابي الذي وجّهته له قبل أن أخطّ مقالي هذا، حيث وفرّت عليه عناء البحث، وأعطيته فرصة تجنّب هذا الرد، لأنه في برج "غربي" عالٍ في لندن يخاطب برج الحرية في نيويورك.
إذاً، ليس ثمة غرابة، في هذه الأنواع من الاستنتاجات الساذجة، وقد تبين موضع الثقة التي وضعها في "طبّال" وانقلابها.
بل وتزول الغرابة عندما يلاحظ المتابع لأبحاث الخازن السياسية (!) أنه لا ييأس من روح الأنظمة البائدة، فيطرح الحلول على الثائرين من جنس الأنظمة العربية الهالكة، إذ يعنون زاويته المذكورة بتاريخ 13/4/2011، بعنوان "أركز على عمرو موسى". بل ويردّ ما اعتبرها "تهمة غريبة" عن نفسه في عيونه وآذانه بتاريخ 28/4/ 2011، فيؤكدّها على نفسه إذ أراد أن يدفعها فيقول: "الرئيس بشار الأسد أفضل ألف مرة لسورية من بديل من الجماعات الأصولية المتطرفة"، ويأتي ذلك الدفاع الفاشل بعدما استهدفته مجموعة من الاتصالات كما يقول بأنه لم ينتصر للثائرين على نظام بشار.
وهو يخوّف من الجماعات "الأصولية" حسب تعبيره ولا يخشى من النظام الذي أهلك الزرع والنسل، فيقول "المعارضة الأخرى التي أرفضها إطلاقاً، فهي جماعات أصولية سرية تريد أن تعود بسورية إلى عصور الظلام، وهي حسنة التمويل (من أين؟) ولها اتصالات خارجية مشبوهة"... هو منطق النظام السوري نفسه. وطبعا، لا ينسى -كموظف في جريدة الحياة اللندنية- أن يدافع عن أمير المال السعودي تركي بن عبد العزيز الذي يعتبره "من خيرة الرجال"، "وشهرته أنه ربما كان أكرم إنسان في السعودية".
هذه هي قناعات الإعلاميّ بالمتسلّطين على رقاب الأمة، وذلك هو بهتانُه ضدّ من يخرج على تلك الأنظمة، ولعل عودة إلى ماضيه الذي تحدّث عنه، تكشف أنه كلّما كتب عن حزب التحرير كتب بذاكرة تسيطر عليها عقلية طفولية يغيب عنها وعي الإعلامي المفترض تماما، حيث يستذكر أحداث النكبة في عيونه وآذانه بتاريخ 5/6/2007، فيقول "كان الراديو يذيع خطاب استقالة جمال عبد الناصر، وقد تحلّق النازحون الجدد حوله يبكون، وبينهم شاب، أعتقد بأنه من حزب التحرير الاسلامي ثار، وأخذ يصرخ: يا ناس، هذا الذي شردكم، لماذا تبكون عليه؟ الناس ثاروا وهجموا على الشاب وأوسعوه ضرباً، ولولا وجود بعض المسنين العقلاء الذين تدخلوا لحمايته لكان قتل".
هذا هو مستوى ومخزون التحليل السياسي عند الإعلامي جهاد الخازن، وإذا طبّقنا منطقه في التحليل السياسي، نستنتج أنه يتغنى بمصالحة بين الذين تفاوضوا والذين رفضوا التفاوض، بينما ثقته بهم هي أقل من ثقته بالطبّال الذي ينتظر أن يحاكم على جرائمه في القاهرة.
أليست هذه ممالك إعلامية يتربع على عروشها إعلاميّون متسلّطون تعلّموا من الأنظمة منطق الاستخفاف بالشعوب، وحملوا سلاح التضليل الإعلامي لحراسة تلك الأنظمة، كما حملت الأجهزة الأمنية سلاح القمع، بل هو مشهد في سخافته كمشهد أصحاب موقعة الجمل حين حملوا سياطهم وعصيهم ضدّ الثوار، وظنّوا أنهم قادرون على الحركة بعكس تيار الأمة.
قد يقول قائل أن هذا الرد الإعلامي تضمن ألفاظا لا تليق بحقّ إعلامي بارز، ولكنّ من يقرأ كيف اعتبر الإعلامي البارز ثلّة من المصلين في المسجد الأقصى "قطيعًا"، لأنهم رفضوا الزيارة التطبيعية لوزير خارجية مصر -أحمد ماهر وقد أفضى إلى الله ولا حديث عنه هنا- إذ يقول الخازن بتاريخ 24/12/2003 تعليقا على ذلك "من هم هؤلاء الذين اعتدوا .."، ليقول "ومع ذلك فهناك قطاع صغير يحاول أن يقود الجميع معه إلى الهاوية. هل هو قطاع أو قطيع؟ "إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون".
هذه هي التعبيرات والوصوفات التي استخدمها الإعلامي البارز لثلة من المصلّين المرابطين في المسجد الأقصى، وهكذا تعامل مع حدث سياسي بالشتم والسب، وهو يستخف بالناس تماما كما تستخف الأنظمة -التي يحميها- بالشعوب.
والخازن يستهجن موقف حزب التحرير من المصالحة، وحزب التحرير يدعو لأن يتفق ويتصالح الطرفان على أساس تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وإنهاء وجود دولة يهود، لا على أساس دويلة هزيلة في حدود 67، والخازن يشبّه هذا الموقف المشرّف بمواقف "نتنياهو الذي يريد تهجير أهل فلسطين أو على الأكثر إعطاءهم دويلة هزيلة في أقل من حدود 67 تحافظ على أمن يهود"، فهل من عاقل يمكن أن يجري هذه المقارنة؟
إذاً، حق لنا أن نتساءل: هل زاويته هي لمن لهم آذان لا يسمعون بها وعيون لا يبصرون بها؟ بل وقلوب لا يفقهون بها!
وأمام هذا الاستعلاء الإعلامي الأجوف، حق للشعوب أن تزاوج مع شعارها "الشعب يريد إسقاط النظام" شعار "الشعب يريد إسقاط ممالك الإعلام"؟
الدكتور ماهر الجعبري - عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين