الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام  (ح146) الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ وَالأَربَعونَ بَعدَ المِائَةِ الصَّلَاحِيَّاتُ الَّتِي يَملِكُهَا الخَلِيفَةُ(2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح146) الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ وَالأَربَعونَ بَعدَ المِائَةِ

الصَّلَاحِيَّاتُ الَّتِي يَملِكُهَا الخَلِيفَةُ(2)

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالأَربَعينَ بَعدَ المِائَةِ، وعنوانُها: الصَّلَاحِيَّاتُ الَّتِي يَملِكُهَا الخَلِيفَةُ (الجُزءُ الثانيْ)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادةُ السادسةُ والثلاثونَ 36- يـَملِكُ الخَلِيفَةُ الصَّلَاحِيَّاتُ الآتِيَةُ:

 

د- هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ وَيَعزِلُ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةَ، وَهُمْ جَمِيعاً مَسئُولُونَ أَمَامَهُ, كَمَا أَنَّهُمْ مَسئُولُونَ أَمَامَ مَجلِسِ الأُمَّةِ.

 

هـ- هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ وَيَعزِلُ قَاضِيَ القُضَاةِ وَالقُضَاةَ بِاستِثنَاءِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ فِي حَالَةِ نَظَرِهِ فِي قَضِيَّةٍ عَلَى الخَلِيفَةِ أَوْ مُعَاوِنِيهِ أَوْ قَاضِي قُضَاتِهِ. وَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ وَيَعزِلُ كَذَلِكَ مُدِيرِي الدَّوَائِرِ، وَقُوَّادَ الجَيشِ، وَأُمَرَاءَ أَلوِيَتِهِ، وَهُمْ جَمِيعاً مَسئُولُونَ أَمَامَهُ وَلَيسُوا مَسئُولِينَ أمَامَ مَجلِسِ الأُمَّةِ.

 

و- هُوَ الَّذِي يَتَبَنَّى الأَحْكَامَ الشَّرعِيَّةَ الَّتِي تُوضَعُ بِمُوجَبِهَا مِيـزَانِـيَّـةُ الدَّولَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ فُصُولَ الـمِيزَانِيَّةِ وَالـمَبَالِغَ الَّتٍي تَلزَمُ لِكُلَّ جِهَةٍ سَواءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقاً بِالوَارِدَاتِ أَمْ بِالنَّفَقَاتِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.

 

أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ.

 

وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ الفَقْرَاتِ الثَّلاثِ الأَخِيرَةِ (د, ه, و) الوَارِدَةِ فِي الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:

 

وَأَمَّا الفَقْرَةُ (د) فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي كَانَ يُعَيِّنُ الوُلَاةَ، فَعَيَّنَ مُعَاذاً وَالياً عَلَى اليَمَنِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْزِلُ الوُلَاةَ، فَعَزَلَ العَلَاءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ عَنِ البَحْرَينِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا شَكَوْا مِنهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوُلَاةَ مَسئُولُونَ أَمَامَ أَهْلِ الوِلَايَةِ كَمَا هُمْ مَسئُولُونَ أَمَامَ الخَلِيفَةِ، وَمَسئُولُونَ أَمَامَ مَجلِسِ الأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُمَثِّلُ جَمِيعُ الوِلَايَاتِ. هَذَا بِالنِّسبَةِ لِلوُلَاةِ. أَمَّا الـمُعَاوِنُونَ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ مُعَاوِنَانِ هُمَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَلَـمْ يَعزِلْـهُمَا وَيُوَلِّ غَيرهُمَا طَوَالَ حَيَاتِهِ.

 

فَهُوَ الَّذِي عَيَّنَهُمَا، وَلَكِنَّهُ لَـمْ يَعْزِلْهُمَا، غَيرَ أَنَّهُ لَـمَّا كَانَ الـمُعَاوِنُ إِنَّمَا أَخَذَ السُّلْطَةَ مِنَ الخَلِيفَةِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ نَائِبٍ عَنهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ عَزلِهِ قِيَاساً عَلَى الوَكِيلِ؛ لِأَنَّ لِلمُوَكِّلِ عَزلَ وَكِيلِهِ، إِلَّا إِذَا وَرَدَ نَصٌّ بِـمَنعِهِ عَنْ عَزلِهِ فِي حَالَاتٍ خَاصَّةٍ.

 

وَأَمَّا الفَقرَةُ (هـ) فَإِنَّ دَلِيلَهَا أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَلَّدَ عَلِيًّا رضي الله عنه قَضَاءَ اليَمَنِ، وَفِي الاستِيعَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَيَّنَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاضِياً عَلَى "الجَنَد"، نَاحِيَةً فِي اليَمَنِ.

 

وَقَد كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُولِّي وَيَعزِلُ الوُلَاةَ وَالقُضَاةَ. فَعَيَّنَ شُرَيحاً قَاضِياً لِلكُوفَةِ، وَأَبَا مُوسَى قَاضِياً لِلبَصْرَةِ، وَعَزَلَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ عَنْ وِلَايَتِهِ فِي الشَّامِ، وَوَلَّى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفيَانَ ثُمَّ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ: "يَا أَمِيرَ الـمُؤمِنِينَ: أَعَجزْتُ أَمْ خُنْتُ؟". قَالَ: "لَـمْ تَعْجَزْ, وَلَـمْ تَـخُنْ". قَالَ: "فَفِيمَ عَزَلْتَنِي؟" قَالَ: "تَحَرَّجْتُ أَنْ أُؤَمِّرَكَ, وَأَنَا أَجِدُ أَقْوَى مِنكَ". كَمَا وَرَدَ فِي مُصَنَّفِ عَبدِ الرَّزَّاقِ: «وَوَلَّى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَبَا الأَسْوَدِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ عَزَلْتَنِي؟ وَمَا خُـنْتُ، وَلَا جَنَـيْتُ؟ فَقَالَ: إِنّي رَأَيْـتُكَ يَعْلُو كَلَامُكَ عَلَى الخَصْمَيْن». وَقَدْ فَعَلَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ ذَلِكَ عَلَى مَرأىً وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَـمْ يُنكِرْ عَلَى أَيٍّ مِنهُمَا مُنكِرٌ.

 

فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ القُضَاةَ بِوَجْهٍ عَامٍّ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنهُ مَنْ يُعيِّنُ القُضَاةَ، قِيَاساً عَلَى الوَكَالَةِ، إِذْ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ صَلَاحِيَاتِهِ، كَمَا لَهُ أَنْ يوكِّلَ عَنهُ فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ.

 

وَأَمَّا استِثْنَاءُ عَزْلِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ فَهُوَ فِي حَالَةِ نَظَرِ القَاضِيْ قَضِيَّةً مَرفُوعَةً عَلَى الخَلِيفَةِ أَوْ مُعَاوِنِيهِ أَوْ قَاضِيْ قُضَاتِهِ، وَذَلِكَ استِنَاداً إِلَى القَاعِدَةِ الشَّرعِيَّةِ (الوَسِيلَةُ إِلَى الحَرَامِ حَرَامٌ)، حَيثُ إِنَّ جَعْلَ صَلَاحِيَّةِ عَزلِهِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لِلخَلِيفَةِ يُوجِدُ تَأْثِيراً فِي حُكْمِ القَاضِيْ، وَبِالتَّالِي يُعَطِّلُ حُكْماً شَرعِياً، وَهَذَا حَرَامٌ، وَيَكُونُ وَضْعُ صَلَاحِيَّةِ عَزْلِ قَاضِي المَظَالِمِ بِيَدِ الخَلِيفَةِ وَسِيلَةً إِلَى الحَرَامِ، وَبِخَاصَّةٍ وَأَنَّهُ يَكْفِيْ فِي القَاعِدَةِ هَذِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَلَيسَ القَطْعُ؛ وَلِذَلِكَ تُجعَلُ صَلَاحِيَّةُ عَزْلِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لِـمَحكَمَةِ المَظَالِمِ، وَفِي الحَالَات الأُخْرَى يَبقَى الحُكْمُ عَلَى أَصْلِهِ أَيْ أَنَّ حَقَّ تَعيِينِهِ وَعَزْلِهِ هُوَ لِلخَلِيفَةِ.

 

وَأَمَّا تَعيِينُ مُدِيرِي الدَّوَائِرِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَـيَّنَ كُتَّاباً لِلإِدَارَةِ فِي أَجْهِزَةِ الدَّولَةِ، وَكَانُوا بِـمَثَابَةِ مُدِيرِي الدَّوَائِرِ. فَعَيَّن الـمُعَيقِيبَ بْنَ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوسِيَّ عَلَى خَاتَمِهِ، كَمَا عَـيَّنَهُ عَلَى الغَنَائِمِ أَيضاً، وَعَـيَّنَ حُذَيفَةَ بْنَ اليَمَانِ يَكتُبُ خَرْصَ ثِمَارِ الحِجَازِ، وَعَـيَّنَ الزُّبَيرَ بْنَ العَوَّامِ يَكتُبُ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ، وَعَـيَّنَ الـمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَكتُبُ الـمُدَايَنَاتِ وَالـمُعَامَلَاتِ، وَهَكَذَا.

 

وَأَمَّا قُوَادُ الجَيشِ وَأُمَرَاءُ أَلوِيَتِهِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَـيَّنَ حَمْزَةَ بْنَ عَبدِ الـمُطَّلِبِ قَائِداً عَلَى ثَلَاثِينَ رَجُلاً؛ ليَعتَرِضَ قُرَيشاً عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ. وَعَـيَّنَ عُبَيدَةَ بْنَ الحَارِثِ عَلَى سِتِّينَ، وَأَرسَلَهُ إِلَى وَادِيْ رَابِغٍ لِمُلَاقَاةِ قُرَيشٍ. وَعَيَّنَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى عِشرِينَ، وَأَرسَلَهُ نَحْوَ مَكَّةَ. وَهَكَذَا كَانَ يُعَيِّنُ قُوَّادَ الجُيُوشِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الخَلِيفَةَ هُوَ الَّذِي يُعيِّنُ القُوَادَ وَأُمَرَاءَ الأَلوِيَةِ.

 

وَهَؤُلَاءِ جَمِيعاً كَانُوا مَسئُولِينَ أَمَامَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيسُوا مَسئُولِينَ أَمَامَ أَحَدٍ غَيرِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القُضَاةَ، وَمُدِيرِي الدَّوَائِرِ، وَقُوَّادَ الجَيشِ وَرُؤَسَاءَ أَركَانِهِ، وَسَائِرَ الـمُوظَّفِينَ، لَيسُوا مَسئُولِينَ إِلَّا أَمَامَ الخَلِيفَةِ، وَلَيسُوا مَسئُولِينَ أَمَامَ مَجْلِسِ الأُمَّةِ. وَلَا يُسأَلُ أَحَدٌ أَمَامَ مَجلِسِ الأُمَّةِ سِوَى الـمُعَاوِنِينَ، وَالوُلَاةِ، وَمِثلُهُمُ العُمَّالُ؛ لِأَنَّهُمْ حُكَّامٌ، وَمَا عَدَاهُمْ لَا يَكُونُ أَحَدٌ مَسئُولاً أَمَامَ مَجلِسِ الأُمَّةِ بَلْ كُلُّهُمْ مَسئُولُونَ أَمَامَ الخَلِيفَةِ.

 

وَأَمَّا الفَقرَةُ (و) فَإِنَّ مُوَازَنَةَ الدَّولَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَبوَابِ الوَارِدَاتِ وَأَبوَابِ النَّفَقَاتِ مَحصُورَةٌ فِي الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ، فَلا يُجبَى دِينَارٌ وَاحِدٌ إِلَّا بِحَسَبِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، وَلَا يُنفَقُ دِينَارٌ إِلَّا بِحَسَبِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ. غَيرَ أَنَّ وَضْعَ تَفصِيلَاتِ النَّفَقَاتِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِفُصُولِ الـمُوَازَنَةِ، فَهُوَ الَّذِي يُوكَلُ لِرَأْيِ الخَلِيفَةِ وَاجتِهَادِهِ، وَكَذَلِكَ فُصُولُ الوَارِدَاتِ، فَمَثَلاً هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ أَنْ يَكُونَ خَرَاجُ الأَرْضِ الخَرَاجيَّةِ كَذَا، وَأَنْ تَكُونَ الجِزيَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ كَذَا، وَهَذِهِ وَأمثَالُهَا هِيَ فُصُولُ الوَارِدَاتِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: يُنفَقُ عَلَى الطُّرُقِ كَذَا، وَيُنفَقُ عَلَى المُستَشفَيَاتِ كَذَا، وَهَذِهِ وَأَمثَالُهَا هِيَ فُصُولُ النَّفَقَاتِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَرجِعُ إِلَى رَأْيِ الخَلِيفَةِ، وَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُهُ حَسَبَ رَأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الوَارِدَاتِ مِنَ العُمَّالِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَولَّى إِنفَاقَهَا، وَكَانَ بَعضُ الوُلَاةِ يَأْذَنُ لَهُمْ بِتَسَلُّمِ الأَمْوَالِ، وَبِإِنْفَاقِهَا كَمَا حَصَلَ حِينَ وَلَّى مُعَاذاً اليَمَنَ, ثُمَّ كَانَ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ يَنفَرِدُ كُلٌّ مِنهُمْ بِوَصْفِهِ خَلِيفَةً فِي أَخْذِ الأَموَالِ، وَفِي إِنفَاقِهَا حَسَبَ رَأيِهِ وَاجتِهَادِهِ. وَلَـمْ يُنكِرْ عَلَى أَحَدٍ مِنهُمْ مُنكِرٌ، وَلَـمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيرُ الخَلِيفَةِ يَتَصَرَّفُ فِي قَبْضِ دِينَارٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَصْرِفُهُ إِلَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ الخَلِيفَةُ فِي ذَلِكَ، كَمَا حَصَلَ فِي تَولِيَةِ عُمَرَ لِمُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً، يَقبِضُ وَيُنفِـقُ. وَهَـذَا كُلُّهُ يَـُدلُّ عَلَى أَنَّ فُصُولَ مُوَازَنَةِ الدَّولَةِ إِنَّـمَا يَضَعُهَا الخَلِيفَةُ، أَوْ مَنْ يُنِيبُهُ عَنهُ.

 

145

 

هَذِهِ هِيَ الأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ عَلَى تَفصِيلَاتِ صَلَاحِيَّاتِ الخَلِيفَةِ. وَيَجمَعُهَا كُلُّهَا مَا رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «... الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْـئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالبَيهَقِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ «الْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، أَيْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِرِعَايَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إِنَّـمَا هُوَ لِلْخَلِيفَةِ، وَلَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنهُ مَنْ يَشَاءُ، بِمَا يَشَاءُ، كَيفَ يَشَاءُ، قِيَاساً عَلَى الوَكَالَةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالأحد, 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع