- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح144) الحَلْقَةُ الرَّابِعَةُ وَالأَربَعونَ بَعدَ المِائَةِ
الأُمَّةُ هِيَ الَّتِي تُنَصِّبُ الخَلِيفَةَ وَلَكِنَّهَا لَا تَملِكُ عَزْلَهُ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالأَربَعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "الأُمَّةُ هِيَ الَّتِي تُنَصِّبُ الخَلِيفَةَ وَلَكِنَّهَا لَا تَملِكُ عَزْلَهُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادةُ الخامسةُ والثلاثونَ 35- الأُمَّةُ هِيَ الَّتِي تُنَصَّبُ الخَلِيفَةَ, وَلَكِنَّهَا لَا تَملِكُ عَزْلَهُ مَتَى تَمَّ انعِقَادُ بَيعَتِهِ عَلَى الوَجْهِ الشَّرعِيِّ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ الخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ: إِنَّ هَذِهِ الـمَادَّةَ ذَاتُ شِقَّينِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الَّتِي تَملِكُ نَصْبَ الخَلِيفَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الأُمَّةَ لَا تَملِكُ عَزْلَهُ. أَمَّا الشِّقُّ الأَوَّلُ فَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ البَيعَةِ، فَلَا يَملِكُ أَحَدٌ تَوَلِّيَ مَنصِبِ الخِلَافَةِ إِلَّا بِالبَيعَةِ، لِأَنَّ البَيعَةَ هِيَ طَرِيقَةُ نَصْبِ الخَلِيفَةِ. وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ بَيعَةِ الـمُسلِمِينَ لِلرَّسُولِ r، وَمِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ r لَنَا بِالبَيعَةِ، وَمِنْ أَنَّ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ إِنَّـمَا تَوَلَّى كُلٌّ مِنهُمْ الخِلَافَةَ بِالبَيعَةِ.
أَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي فَإِنَّ أَدِلَّتَهُ الحَثُّ عَلَى طَاعَةِ الخَلِيفَةِ، وَلَو ظَلَمَ، مَا لَمْ يَكُنْ كُفراً بَوَاحاً. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». أَخرَجَهُ مُسلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَلِمَةُ "أَمِيرِهِ" هُنَا عَامَّةٌ، وَيَدخُلُ تَحْتَهَا الخَلِيفَةُ، لِأَنَّهُ أَمِيرُ الـمُؤمِنِينَ.
وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدٍ الْجُعْفِيِّ عِندَ مُسلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ مِثْلَهُ وَقَالَ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ».
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ، وَاللَّفظُ لِمُسلِمٍ، مِنْ طَريقِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي اللهُ عنه قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ r فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ وُلاَةٍ يَسْتَأْثِرُونَ عَلَيْكَ بِهَذَا الْفَيْءِ؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، أَضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي فَأَضْرِبُ بِهِ حَتَّى أَلْحَقَكَ، قَالَ: أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقَانِي». أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الزَّينُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِيهَا أَنَّ الخَلِيفَةَ يَعْمَلُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ, وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَ الرَّسُولُ r بِطَاعَتِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ظُلْمِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأُمَّةَ لَا تَملِكُ عَزْلَ الخَلِيفَةِ.
وَأَيضاً فَإِنَّ الرَّسُولَ r رَفَضَ أَنْ يُقِيلَ الأَعرَابيَّ بَيعَتَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ r، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ البَيعَةَ إِذَا حَصَلَتْ لَزِمَتِ الـمُبَايِعِينَ، وَهَذَا مَعنَاهُ أَنْ لَا حَقَّ لَـهُمْ بِعَزلِ الخَلِيفَةِ، إِذْ لَا حَقَّ لَـهُمْ بِإِقَالَةِ بَيعَتِهِمْ لَهُ. وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الأَعرَابِيَّ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِسلَامِ بِإِقَالَتِهِ مِنْ بَيعَتِهِ، لَا مِنْ طَاعَةِ رَئِيسِ الدَّولَةِ، لَا يُقَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ عَمَلُهُ ارتِدَاداً، وَلَقَتَلَهُ الرَّسُولُ r، لِأَنَّ الـمُرتَدَّ يُقْتَلُ، وَلِأَنَّ البَيعَةَ لَيسَتْ بَيعَةً عَلَى الإِسلَامِ بَلْ عَلَى الطَّاعَةِ. وَلِذَلِكَ كَانَ يُرِيدُ الخُرُوجَ مِنَ الطَّاعَةِ لَا الخُرُوجَ مِنَ الإِسلَامِ. وَعَلَيهِ فَلَا يَصِحُّ لِلمُسلِمِينَ أَنْ يَرجِعُوا عَنْ بَيعَتِهِمْ، فَلَا يَملِكُونَ عَزْلَ الخَلِيفَةِ.
إِلَّا أَنَّ الشَّرعَ بَيَّنَ مَتَى يَنعَزِلُ الخَلِيفَةُ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ لِعَزلٍ، وَمَتَى يَستَحِقُّ العَزْلَ، وَهَذَا كَذَلِكَ لَا يَعنِي أَنَّ عَزْلَهُ لِلأُمَّةِ. وَإِنَّما هِيَ تُحَاسِبُهُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ القَوِيَّةِ عَلَى ظُلْمِهِ، وَتُقَاتِلُهُ إِذَا أَعْلَنَ الكُفْرَ البَوَاحَ، وَأَمَّا صِلَاحِيَّةُ عَزلِهِ عِندَمَا يَستَحِقُّ العَزْلَ فَقْدَ جَعَلَهَا الشَّرعُ لِـمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.