الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 91) أحكام الأراضي  (ج2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي

(ح 91)

أحكام الأراضي  (ج2)

 

 

 

الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الحادية والتسعين, وعنوانها: "أحكام الأراضي". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة التاسعة والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.

 

يقول رحمه الله: "وعلى هذا، فإن رقبة الأرض، في جميع البلاد التي افتتحها الإسلام عنوة، أو صلحا على أن الأرض لنا، تكون ملكا للدولة، وتعتبر أرضا خراجية، سواء أكانت لا تزال تحت يد الأمة الإسلامية، كمصر، والعراق، وتركيا، أم أصبحت تحت يد الكفار، كإسبانيا، وأوكرانيا، والقرم، وألبانيا، والهند، ويوغسلافيا ونحوها. وكل أرض أسلم عليها أهلها كإندونيسيا، وكل أرض في جزيرة العرب هي ملك لأهلها، وتعتبر أرضا عشرية. أما منفعة الأرض فهي من الأملاك الفردية، سواء أكانت أرضا خراجية، أم أرضا عشرية، وسواء أقطعتهم إياها الدولة، أم تبادلوها بينهم، أم أحيوها، أم احتجروها. وهذه المنفعة تعطي المتصرف بالأرض من الحقوق ما يعطى لمالك العين، وله أن يبيعها، ويهبها، وتورث عنه، وذلك لأن للدولة أن تقطع (أي تعطي) الأراضي للأفراد، سواء أكانت الأرض عشرية، أم خراجية. إلا أن الإقطاع في الأرض الخراجية هو تمليك منفعة الأرض، مع بقاء رقبتها لبيت المال. وأما في الأرض العشرية فهو تمليك لرقبة الأرض ومنفعتها".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: من الآراء والاجتهادات العمرية موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تقسيم الأرض المفتوحة على الفاتحين المنتصرين من الصحابة الذين طالبوه بتقسيمها عليهم باعتبارها غنيمة غنموها بسيوفهم, ومعهم في ذلك دليلان شرعيان: الأول استجابة لقول الله جل في علاه: (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير). (الأنفال 41)

 

والثاني اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما قسم أرض خيبر على المقاتلين الذين فتحوها, وكان عمر نفسه واحدا منهم. طالبوه بذلك عندما فتح سعد بن أبي وقاص فارس والعراق, وكانت أرضه تسمى السواد من كثافتها وخضرتها, بحيث يراها الرائي من بعيد كأنها كتلة سوداء, وطالبوه بتقسيم أرض الشام عندما فتحت الشام, وطالبوا قائده عمرو بن العاص عندما فتح مصر أن يقسم أرضها عليهم, ولكن عمر رضي الله عنه أبى عليهم ذلك, ولم يستجب لمطالبهم هذه لاعتبارات رآها أقرب لمقاصد الشرع من التقسيم الذي يعتبره المطالبون حقا لهم, أثبته لهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

روى أبو عبيد في الأموال عن إبراهيم التيمي قال: لما فتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمه بيننا فإنا افتتحناه عنوة, قال: فأبى وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا بينكم في المياه. قال: فأقر أهل السواد في أرضهم, وضرب على رؤوسهم الجزية, وعلى أرضيهم الطسق أي الخراج, ولم يقسم بينهم.

 

وروى أبو عبيد عن ابن الماجشون قال: قال بلال لعمر في القرى التي افتتحها عنوة: "اقسمها بيننا, وخذ خمسها". فقال عمر رضي الله عنه: لا, هذا عين المال, ولكني أحبسه فيما يجري عليهم وعلى المسلمين". فقال بلال وأصحابه: "اقسمها بيننا". فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اكفني بلالا وذويه! قال: فما حال الحول ومنهم عين تطرف.

 

وروى أبو عبيد عن سفيان بن وهب الخولاني قال: "لما افتتحت مصر عنوة بغير صلح قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص اقسمها. فقال عمرو بن العاص: لا أقسمها. فقال الزبير: لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر. فقال عمرو: لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين, فكتب إلى عمر. فكتب إليه عمر أن دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة".

 

وقال أبو عبيد: "أراه أراد أن تكون فيئا موقوفا للمسلمين ما تناسلوا, يرثه قرن بعد قرن, فتكون لهم قوة على عدوهم. ومعنى كلام عمر رضي الله عنه, وتفسير أبي عبيد له: أنه يريد أن يكون وقفا على الأجيال القادمة يتوارثونه جيلا عن جيل.

 

وقال أبو عبيد: وحدثنا أبو الأسود عن أبي لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق: "أما بعد فقد بلغني كتابك: أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم, وما أفاء الله عليهم, فانظر ما أجلبوا عليك في العسكر من كراع أو مال, فاقسمه بين من حضر من المسلمين, واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين. فإنا لو قسمنا بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء".

 

وقال أبو عبيد: وحدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي إسحق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين, فأمر أن يحصوا, فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين, فشاور في ذلك فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "دعهم يكونوا مادة للمسلمين".

وقال أبو عبيد: وحدثنا هشام بن عمار الدمشقي عن يحيى بن حمزة قال: حدثني تميم بن عطية العنسي قال: أخبرني عبد الله بن أبي قيس الهمداني قال: قدم عمر الجابية, فأراد قسم الأرض بين المسلمين, فقال له معاذ: "والله إذن ليكونن ما تكره, إنك إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم, ثم يبيدون, فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة, ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسدا, وهم لا يجدون شيئا, فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم. قالوا: فصار عمر إلى قول معاذ. وهكذا اتفق رأي عمر وعلي ومعاذ ومعهم عثمان وطلحة على عدم التقسيم لما يترتب عليه من مفاسد, والنظر في أمر يسع أول الناس وآخرهم. وهذا ما أكدته شتى الروايات عن عمر فقد روى عنه زيد بن أسلم أنه قال: "تريدون أن يأتي آخر الناس وليس لهم شيء؟! وعنه قال: "لولا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها". وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا واحدا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر, ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها".

 

وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأحكام الشرعية المتعلقة بالأراضي الخراجية والعشرية التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:

 

1. إن رقبة الأرض، في جميع البلاد التي افتتحها الإسلام عنوة، أو صلحا على أن الأرض لنا، تكون ملكا للدولة.

2. تعتبر هذه الأرض أرضا خراجية، سواء أكانت لا تزال تحت يد الأمة الإسلامية، كمصر، والعراق، وتركيا، أم أصبحت تحت يد الكفار، كإسبانيا، وأوكرانيا، والقرم، وألبانيا، والهند، ويوغسلافيا ونحوها.

3. كل أرض أسلم عليها أهلها كإندونيسيا، وكل أرض في جزيرة العرب هي ملك لأهلها، وتعتبر أرضا عشرية.

4. منفعة الأرض هي من الأملاك الفردية، سواء أكانت أرضا خراجية، أم أرضا عشرية، وسواء أقطعتهم إياها الدولة، أم تبادلوها بينهم، أم أحيوها، أم احتجروها.

5. هذه المنفعة تعطي المتصرف بالأرض من الحقوق ما يعطى لمالك العين، وله أن يبيعها، ويهبها، وتورث عنه.

6. للدولة أن تقطع (أي تعطي) الأراضي للأفراد، سواء أكانت الأرض عشرية، أم خراجية.

7. الإقطاع في الأرض الخراجية هو تمليك منفعة الأرض، مع بقاء رقبتها لبيت المال.

8. الإقطاع في الأرض العشرية هو تمليك لرقبة الأرض ومنفعتها.

9. رفض عمر بن الخطاب تقسيم أرض سواد العراق؛ لتكون وقفا للأجيال القادمة, يتوارثونها جيلا بعد جيل, وحتى لا يتجمع المال في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم. 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع