الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"

 

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

 

الحلقة الحادية والثلاثون: كيف يعالج الإسلام مشاكل الإنسان علاجا لا يتغير عبر الزمان والمكان – ج2

 

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا

 

أما الواقع الفاسد، فقد جاءت الشريعة لتغيره تغييرا جذريا انقلابيا، فتعاملت مع الواقع لا على أساس جعله مصدر التفكير ولكن على أساس جعله محل التفكير، فالمجتمع الغارق في الفساد، لم تأت الشريعة لتلتقي معه في منطقة الوسط، بل فاصلت الجاهلية مفاصلة تامة، منطقها: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ [الكافرون]، ومنطقها: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون]، ومنطقها: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ [الإسراء]، ومنطقها: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ [هود: 88].

 

وهنا نجد أن الإسلام ليس بمسؤول عن كل المشاكل التي نتجت عن تطبيق غيره سواء الاشتراكية أو الرأسمالية، فالإسلام ليس بمسؤول عن إيجاد حل مرحلي لمشكلة فرض التأمين على المسلمين إجباريا مع أنه يتناقض مع شريعتهم، وليس بمسئول عن إيجاد حل مرحلي لمشكلة الفقر التي ألجأت بعض المسلمين إلى الربا، فلو كان الإسلام مطبقا لمنع التأمين ولمنع الربا ولمحا الفقر، فهو لا يتخذ الواقع مصدرا للتفكير بل يُغَيِّرُ الواقعَ بمفاهيمه الجذرية الانقلابية فيمحو الكفر ويضع الإسلام موضع التطبيق فورا.

 

كذلك فإن الإسلام راعى في تشريعه تحقيق العبودية لله وحده، فالإنسان الذي يقنن لغيره إنما ينصب نفسه إلها من دون الله، وبالتالي فالإسلام هو إخراج للعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين، وهنا تجد بعض التشريعات إنما جاءت لتختبر طاعة العباد لربهم بغض النظر أصطدمت مع مصالحهم الآنية ونظرتهم الضيقة للأمور أم توافقت معها، فالغربي يبحث عن علة لتحريم الخنزير، فلا يجد، ومقياسه النفعية وبالتالي لا يقف على حقيقة تحقيق العبودية لرب العالمين، وهي من أهم مطالب الشرع، فالتزام ما أمر الله ورسوله فيه تحقيق العبودية لله وحده وفيه تسليم له تعالى بأنه أحق بالحاكمية، وأنه وحده العليم بما يصلُح للبشر وما يُصلحهم.

 

وأخيرا فقد منح الشريعة ما لا يوجد في غيرها من التشريعات، فقد جعلها مقاييس مبنية على الاعتقاد، فكانت وازعا عقديا يزع الانسان للالتزام بها مخافة الله، ومحبة في الله، ورجاء في جنب الله، مما يجعل الإنسان ليس بحاجة إلى قوة مصلتة عليه لتردعه ليلتزم القانون، بل تجعله يخضع لسلطان الله في السر والعلن، فلا يرى الإفلات من عقوبة الحاكم في الدنيا غنيمة ولا مكسبا، فهو يعلم أن الله يراقبه، ولكنها أيضا وضعت العقوبة الحكيمة المناسبة للمخالفة لهذه الأوامر، فكانت العقوبات زواجر جوابر، تردع من تسول له نفسه التهاون في تنفيذ أوامر الله تعالى.

 

فهذه أمثلة ستة تضع خطوطا عريضة لطريقة الإسلام في علاج المشاكل، وهي: أن الإسلام عالج المشاكل علاجا جذريا متعلقا بجنس الإنسان، وثانيها أنه راعى الظروف غير الاعتيادية والتي يظهر فيها اضطرار المسلم لما حرم عليه من مأكل ومشرب، وثالثها: تعلق نظام الإسلام بأمور معينة هي ما نبع من وجهة النظر في الحياة، وما يدخل في مفهوم الحضارة، وأما الجانب المتعلق بالمدنية فقد تركه للإنسان يبدع فيه كيف شاء، ورابعها أنه لم يجعل الواقع مصدر تفكيره ولكن محل تفكير من أجل تغييره بالمفاهيم الصحيحة لا الالتقاء معه في منتصف الطريق، وخامسها تحقيق العبودية لله وحده سبحانه لأنه الحاكم وحده، وسادسها أنه وضع آلية لتطبيقها وتنفيذها تضمن التنفيذ الذاتي لها في غياب السلطان، ولكنها أيضا وضعت العقوبات الزواجر الجوابر للخارجين عليها لتضمن حسن تطبيقها.

 

لقد اختلف الإسلام في طريقته في حل المشاكل كليا عن القوانين الوضعية، فقد كان حلا مخالفا للتشريع الذي يحل مشاكل الناس باعتبارهم فلانا أو علانا، يريد هذا تقنينا يبيح له الزنا وذاك يبيح له الخمر، فيفصَّلُ التشريعُ على كيف المتشرِّعين أو المحسوبين عليهم من أرباب الصناعات ورأس المال، أو على أساس المحسوبيات والنفعيات والأهواء مما يجعل التشريع قاصرا عن الصمود أياما علاوة على أن يصلح للبشرية في رحلة الحياة الدنيا.

 

ولقد تناولت الشريعة الإسلامية مشاكل الإنسان لتنظم سلوكه، فراعت التحقق من أن يكون الحل هو الحسن وما سواه هو القبيح على الحقيقة، ولقد راعت إحقاق الحق والعدل، وضمنت أن يؤدي السلوك إلى إعمار الأرض بالعمل الصالح لا العيث في الأرض فسادا، فكان الشرع متجنبا الأهواء والمصالح الآنية الضيقة، راقيا بالإنسان عن درجة البهيمية في إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، مراعيا إنسانيته وعقله، محققا مصلحته على الحقيقة لا على التخريص، رحمةً لسائر الناس، مبنيا على نظرة صحيحة للكون والإنسان والحياة قائمةٍ على حلٍ صحيحٍ للعقدة الكبرى مبنيةٍ على العقل متوافقةٍ مع الفطرة.

 

وعلى صعيد آخر في البحث، فإن الشريعة الإسلامية جاءت باللغة العربية، فوسعت علاج المشاكل التي كانت في زمن المصطفى r، والتي ستطرأ إلى يوم الدين، فقد أكمل الله الدين، وهذا محور له بحثه الطويل، وقد تناولنا بالبحث والتأصيل لهذه الموضوعات في كتابنا: لا يصلح الإنسان في أي زمان أو مكان إلا بالإسلام، فراجعه ففيه تكملة واستقصاء للأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع. والحمد لله رب العالمين.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع