الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الصبر عند الابتلاء (2)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،

 

أما بعد أحبتي في الله،

 

يقولُ الحقُ جلَّ وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200] ويقولُ سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155] فالصبرُ هو ضبطُ النفس وتوطينُهَا على التسليم المطلق بقضاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والرضا بما يكونُ من غيرِ تأففٍ أو اعتراض، وقد بيَّنَ علماءُ سلفِنا الصالح أنواع الصبرِ وحصروهَا في مواطنَ ثلاثة:

 

أولها: الصبرُ على البلوى، وفي هذا بيَّنَ الحبيبُ المصطفى e: «ما أعطيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ من الصبرِ» فاللهُ عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ عبداً ابتلاهُ حتى يلقى اللهَ وليسَ عليهِ ذنب، واعلموا عبادَ اللهِ: أنَّ الذهبَ يجربُ بالنَّارِ أما المؤمنُ فيُختبرُ ويُمتحنُ بالإبتلاءاتِ، فمن صبرَ فلهُ الرضى ومن سَخِط فعليهِ السُّخط.

 

وثاني مواطن الصبر: الصَّبرُ على الطاعةِ، لأنَّ تأدية العباداتِ وإقامة الشعائرِ تحتاجُ إلى أناةٍ وحُسْن تأتيْ إنْ كانتْ متعلقة بإخضاع الجوارح وتهذيبِ النفوس كالصلاةِ والصيام والزكاةِ وغيرها، وتحتاجُ إلى جَلدٍ وشدَّةِ بأس وقوةِ ساعدٍ إنْ كانتْ مُتعلقة بإقامةِ حدٍّ أو قتال عدو أو دفع محتل، أو التكتـُّل مَعَ حركةٍ لحمل الدعوةِ ونشرٍ للإسلام.

 

وأمَّا ثالث مواطن الصبر: الصبرُ عن المعصيةِ، وحبسُ النفس عن الوقوع فيما نهى اللهُ ورسُوله عنه، يقول عليه الصلاة والسلام «حُفتِ الجنَّة بالمكارِهِ، وحُفتِ النَّارُ بالشهوات» فالنفسُ البشرية كما تميلُ إلى الدَّعةِ والراحةِ فإنَّها كذلكَ تميلُ إلى التلذذِ والاستمتاع، فلا بدَّ وأنْ توطنَ على حبِّ الطاعةِ وإتيانِهَا، وبُغض المعصيةِ ومجانبتِهَا.

 

أيها الأحبة،

 

يقول الحق سبحانه ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الانشراح] وقد أوضحَ عليهِ السلام معنى هاتين الآيتين فقال: «ما غلبَ عسرٌ يسرين» ويقولُ أيضاً: ﴿إنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وإنَّ الفرجَ مَعَ الكربِ وإنَّ مَعَ العُسرِ يُسرا﴾.

 

 وعن خبَّابِ بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول اللهِ e وهو مُتوسِّدٌ بُردةً لهُ في ظلِّ الكعبةِ فقلنا: ألا تدعوا لنا؟ ألا تستنصِر لنا؟ فقال: «قد كانَ مَنْ قبلـَكُم يُؤخذ الرجلُ فيُحفرُ لهُ في الأرض فيُجعلُ فيها، ثمَّ يُؤتى بالمنشارِ فيُوضعُ على رأسِهِ فيُجعلُ نصفين، ويُمشـَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِهِ وعظمهِ، ما يصدُّهُ ذلكَ عن دينهِ، واللهِ ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموتٍ، لا يخافُ إلاَّ اللهَ، والذئبَ على غنمهِ، ولكنَّكم تستعجلون».

 

إخوتي في الله،

الإبتلاءُ هو إختبارُ معادن المؤمنينَ ومدى تحمُّلِهم، فأشدُّ الناس إبتلاءً الأنبياء، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلْ، ولقد ابتليُ منْ هوَ خيرٌ منَّا فصبر ونالَ من الأذى ما لم يحتمِلْهُ بشر، وكلما عَظُمَ البلاءُ زادَ الثباتُ وعظُمَ اليقينُ بقربِ نصرِاللهِ، وصدقَ اللهُ القائل ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].

 

أحبتي الأكارم،

 

قال الله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب: 10-11]

 

هذا وصفٌ لِمَا وقعَ على المسلمينَ يومَ الخندق، وقد اجتمعَ الأحزابُ منْ كلِّ حدبٍ وصوب، وأحاطوا بالمدينةِ إحاطة السوارِ بالمعصم، والرسولُ e يَحفِرُ الخندقَ بيديهِ الشريفتين ويبشِرُ بكنوزِ كسرى وقيصر، ثم صدقَ اللهُ وعدهُ، ولبسَ سُراقة سواري كسرى، وفتحتِ القسطنطينية، ليكونَ نعمَ الأميرُ أميرها، ونعمَ الجيشُ جيشها، وقد بشرنا كذلكَ بفتح روما معقل الصليببيةِ، أي وربي قد تحققَ الفتحُ الأولُ، وسيكون بإذن الله الفتح الثاني، وسيبلغُ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهار، ويسودَ الحقُّ وتنعمَ الإنسانية بعدل الإسلام.

 

 أيها الإخوة الأكارم:

 

كلما ألمَّ بالمسلم كربٌ لجأ لركن شديد يأوي إليهِ، فإنهُ لا ملجأ منَ اللهِ إلا إليه، فاللهُ قد خلقنا ليبلوَنا أيُّنا أحسنُ عملا، ثم ليميزَ الخبيثَ من الطيبِ، فلنصبر على البلوى، فليست تحِقُّ في ذاتِ ربنا الشكوى، ولنعملْ مَعَ العاملينَ لتغييرِ الواقع السيئ المريرِ الذي تعيشهُ الأمة من أقصاها إلى أقصاها.

 

قد ابتليَ السابقونَ الأولونَ فصبروا على البأساءِ والضراءِ وزلزلوا، أوذوا فأخذوا بشروطِ النصر وتوكلوا على اللهِ فجاءهُمُ النصرُ والفتحُ المبين، فالحمدُ للهِ الذي خلقنا في هذا الزمان العصيبِ، ليبلوَنا أنصبرُ على بلائهِ فنفوز، أم نجزعُ لقضائهِ فنخسر، واعلموا عبادَ اللهِ أنَّ آلامَ المخاض تسبقُ الولادة، وأحلكُ سوادِ الليل آخرُهُ، وفجرنا لا بدَّ أن ينبلج، فقد وعدنا من إذا وعدَ أوفى، بالنصرِ المؤزرِ المبين، كما وعدَ نبيُّهُ الكريمَ فقال: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].

 

وفي الختام فإني أحب أن أزفَّ لكمْ بشرى محمدٍ e إذ يبشرُ العاملينَ الذينَ يثقونَ بوعدِ اللهِ، فيقول: «إنَّ من ورائِكم أياماً، الصبرُ فيهنَّ مثلُ القابض على الجمرِ، للعامل فيهنَّ، مثلُ أجرِ خمسينَ رجلاً، يعملونَ مثلَ عملِكم»، قالوا يا رسول الله: أجرُ خمسينَ منا أم منهم؟ قال: «بل أجرُ خمسينَ منكم»

 

فاصبروا عباد الله واعملوا مع العاملينَ المخلصينَ لإعزازِ هذا الدين، وإظهارِهِ على الدين كله، وما النصرُ إلاّ من عندِ اللهِ ينصرُ من يشاء وهو العزيز الحكيم، وكفى به ناصرا ومعينا، وما النصرُ إلا صبرُ ساعة، والحمد لله رب العالمين.

 

آخر تعديل علىالسبت, 26 أيار/مايو 2018

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع