الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الدولة البوليسية في السودان: عوداً على بدء

بسم الله الرحمن الرحيم

الدولة البوليسية في السودان: عوداً على بدء

 

الخبر:

 

كشفت صحيفة الكرامة، المقربة من الحكومة السودانية، أن أبرز التعديلات على قانون جهاز الأمن والمخابرات الجديد تتمثل في المادة 25 الخاصة بالاعتقال التحفظي، والمادتين 29 و37 الخاصتين بسلطات الأعضاء ومدير المخابرات، والمادة 33 الخاصة بحصانة عضو الجهاز، والمادة 46 المتعلقة بحصانة الأعضاء والمتعاونين.

 

التعليق:

 

في الماضي القريب عشنا تفاصيل الدولة البوليسية في عهد نظام الإنقاذ، حيث لا تستطيع أشباه الدول أن تعطي مساحة لأي تعبير ولو بالرأي، فمجرد كلمة ربما زجت بقائلها في غياهب السجون، وربما ضاقوا بها ذرعا فتمت تصفيته جسديا، وهذا ما حدث فعليا بعد ثورات الربيع العربي، أيضا يبدو بكل وضوح أننا نعيش مرحلة تشهد وتشجع اتجاها محموما، للإشارة إلى أدوار معجزة، تمكنت الأجهزة الاستخباراتية من خلالها من قمع الحريات، وسجن الناس في دولة بوليسية، تكمم الأفواه، وتفرض حكمها بالحديد والنار، لدرجة تفوق النازية.

 

بعد سقوط نظام البشير جرت تعديلات دستورية، حيث سحبت بعض الصلاحيات من جهاز الأمن، ليصبح مختصا بجمع المعلومات، وتحليلها، وتقديمها إلى السلطات المختصة، وقد كان هذا تغييرا إيجابيا نوعا ما، يجعل الناس في متنفس من أمرهم، لكن سرعان ما "عادت حليمة لعادتها القديمة!"، وضاق القائمون على الأمر بآراء الناس وانتماءاتهم؛ لإجبارهم على الخضوع لكل ما تراه الدولة، وإلا فهو متهم، وتتم محاكمته قبل أن تثبت إدانة فعلية، ولو بتلفيق تهم من مناوئين له (تتم تسميتهم بالمتعاونين)، أو غيرهم من أفراد الجهاز.

 

جاء في تعريف المتعاون، "أنه شخص لا ينتسب رسميا إلى الجهاز، وهو مواطن عادي يقدم المعلومات إلى الجهاز مقابل مبلغ مالي"، وهذا المصطلح لم يكن موجودا في قانون جهاز المخابرات السابق في عهد البشير.

 

هذه التعديلات تجعل الكل يشكك في الكل، والجميع يتجسس على الجميع، وهذا من شأنه أن يهدد تماسك المجتمع المتفكك أصلا بعامل الحرب، وبعوامل أخرى، خاصة أن بعض المتعاونين يمكن أن يقدموا معلومات ضد غيرهم، من منطلق خلاف شخصي.

 

وليس أدل دليل على ذلك من الحادث الذي اتهم فيه حزب المؤتمر السوداني، الاستخبارات العسكرية، باعتقال رئيس فرعيته صلاح الطيب بمنطقة القرشي بولاية الجزيرة، وقتله تحت التعذيب، في حين لم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش عن الحادثة، وهذا إشارة، ولا ندري ربما يحدث ما حدث في سنوات حكم الإنقاذ، حيث تحولت السجون لبيوت أشباح، لا لشيء إلا لكلمة قيلت أو رأي تم تبنيه.

 

نحن بالفعل قادمون للدولة البوليسية، أو الدولة الشرطيّة، وهي تلك الدولة التي تمارس فيها الحكومة إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع، تتحكم من خلالها في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. طبعا في وضع السودان الذريعة هي ظروف الحرب، والحاجة للأمن. وعادة تُظهر الدولة البوليسية عناصر من الشمولية، والسيطرة المقيتة، وعادة ما يكون هناك فرق صغير أو لا يوجد فرق بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب السلطة التنفيذية، لحظة عودة الفراعنة والنازيين أمام صمت وتأييد الجميع.

 

 إن الحكم البوليسي يتولى فيه أشخاصٌ عسكريون، أو حزب واحد مقاليد الحكم والسيطرة، وهنا تتبع سياسات العنف والإقصاء والتهميش لبقية المكونات السياسية، وحتى المجتمعية المطالبة بالتغيير أو بالحقوق. ويمكننا ملاحظة هذه السياسات بوضوح في الأنظمة المنبثقة من انقلابات عسكرية خاصة في بلاد المسلمين على مر تاريخها الحديث.

 

فالنظام الأمني في تركيا بعد هدم الخلافة وما فعله المجرم مصطفى كمال، وفي العراق، وليبيا، ومصر، وسوريا، وغيرها، يتم استعمال جهاز الأمن للسيطرة على جميع مفاصل المجتمع، كذلك رسم توجهات المجتمع الدينية والسياسية والاقتصادية؛ ففي مصر على سبيل المثال يسيطر الجيش على المصانع، والمعامل، ويمتلك قوة اقتصادية هائلة، نستطيع أن نقول بأنها هي المسيطرة على سياسات الدولة الاقتصادية، وهذا يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات، أعلاها المتنفذون في الدولة، والعسكريون، وأصحاب رؤوس الأموال، وهذا يسبب أضراراً كبيرةً على فئاتٍ كثيرة وكبيرة من المجتمع، حيث إن البطالة تنخر المجتمع في مصر، وتسبب سخطاً وعدمَ رضا عام، فنجد عزوفا عن الزواج، والرغبة في الهجرة وترك البلاد، فإذا لم يكن هناك منفذ لضعاف الإيمان، فإنهم يتوجهون إلى الانتحار.

 

 وكذلك هناك دول بوليسية تنطلق من منطلقات دينية، وتتخذ من الدين ذريعة لفرض السيطرة، وتكميم الأفواه، فليس من المعقول أن يخالف أحدهم السلطة الدينية التي "تستمد شرعيتها من الله" كما تدعي هذه الأنظمة. وأفضل مثال على هذه الدول التي "تستمد شرعيتها من الله" هي إيران في وضعها الحالي عندما انتهجت هذا المنهج بعد الثورة المسماة (إسلامية)، وهيمنة نظام الولي الفقيه على مقاليد الحكم. وهذا النظام يستعمل النظام البوليسي والقمعي في تصفية معارضيه، حيث نجد أن إيران من أكثر الدول المنفذة لحكم الإعدام وخصوصا ضد الأكراد والعرب الإحوازيين والسنة. ومن أخطر التأثيرات على المجتمع الإيراني النفور من الدين وكذلك الشذوذ في كل مفاهيمه حتى باتت تشبه أوروبا في عصورها المظلمة.

 

 أما في كوريا الشمالية، فالاقتصاد هو السياسات التي تتبعها الدولة، فهذه السياسات تؤدي إلى أزمات مجتمعية متوالية ومتراكمة أهمها البطالة، الفقر، الخوف والانتحار.

 

إن الفراغ القيمي والمبدئي الذي يعيشه العالم، وتجاربه الفاشلة في إيجاد دولة نموذجية تقيم العدل، وتحفظ الأمن، دون تعسف ولا جور، يفرض حتمية وجود الدولة الإسلامية التي صهرت كل الاختلافات في بوتقتها، لأنها شغلت الناس بمعالي الأمور وأشرفها فانصرفوا يقيمون الحق ويوالونه، فأصبح الجميع في أمن وأمان.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

 

آخر تعديل علىالسبت, 18 أيار/مايو 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع