الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
موقف المسلمين من انتهاك مقدساتهم انتكاسٌ واستسلامٌ! أم وعيٌ وتحفُّزٌ لعملٍ مُجدٍ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موقف المسلمين من انتهاك مقدساتهم

انتكاسٌ واستسلامٌ! أم وعيٌ وتحفُّزٌ لعملٍ مُجدٍ؟

 

 

 

الخبر:

 

انتشر خبر حرق نسخة من المصحف في السويد يوم السبت 2023/1/21 وما تبعه من حرق نسخة أخرى بعد ذلك بيومين في لاهاي بهولندا، وكان الأمر في الحالتين بموافقة حكومتَيِ البلدين. وقد كانت ردود فعل المسلمين على العملين باهتة. أما دور الفتوى والمنظمات الإسلامية الرسمية فقد وصفت هذا العمل بالاستفزازي وبأنه جريمة كراهية. وأما حكام المسلمين فقد تركزت مواقفهم على التحذير مما قد يؤدي إليه إحراق المصحف من تأجيج مشاعر المسلمين ومن كراهية وصدامات.

 

التعليق:

 

إنها ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها المقدسات الإسلامية، سواء بالاعتداء على القرآن الكريم، أو بالإساءة للنبي محمدٍ ﷺ، أو بهدم المساجد، ناهيك عن الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال وسائر ضروب الظلم والقهر. والأمر اللافت في مواقف هذه الجهات الثلاث هو موقف عموم المسلمين.

 

فموقف حكام المسلمين لا يستحق التوقف عنده، فهم أعداء للأمة ويوالون أعداءها، وتبغضهم ويبغضونها. ولا يعنيهم القرآن الكريم ولا أي شيءٍ من مقدسات المسلمين. ولذلك لم تكن مواقفهم استنكار الاعتداء على القرآن، بل كانت استنكار الأعمال التي قد تثير المسلمين وتؤدي إلى ردود فعل خارجة عن السيطرة، أي أنها كانت دفاعاً عن استقرار حكمهم وأنظمتهم، وليس عن القرآن الكريم.

 

أما مواقف دور الفتوى والمنظمات الإسلامية التابعة للأنظمة، فكانت بين صامت لا حِسَّ له ولا مسؤولية، ودسيسةِ تافهٍ لا يصدر عنه إلا المخادعة والتضليل، أو ساذج لا رأي له، فلا يملك أكثر من أن يفتي بمقاطعة البضائع! ولم يكن بين هذه الجهات من يطالب الحكام بقطع العلاقات مع هذه الدول، أو يُصدر للعالم بياناً بضلالها وكفرها وفساد مناهجها، ويدعوها إلى الإسلام. ولذلك خرج هؤلاء بتفاهة التحذير من الإسلاموفوبيا وإثارة الكراهية بين الأديان.

 

ولذلك، لا تستحق مواقف حكام المسلمين ودور الفتوى والمنظمات الدينية الرسمية كثير وقوف عندها، وبخاصةٍ بعد أن تكررت مواقفهم، وتبين أنهم صنائع الكافر وأدواته، ووظيفتهم تكريس خضوع الأمة وجهلها، وإشغالها بتوافه التطلعات وسفاسف الأمور. ولكن الذي يستحق المراقبة والدراسة هو الموقف الباهت من الأمة بعد أن كانت منها سابقاً مواقف أضخم وأعظم تجاه أعمال مماثلة. فهل هو يأس من النتائج بسبب الفشل المتكرِّر؟ هل هو شعور بالهزيمة؟ أم أن الغرب قد نجح بترويض المسلمين على رؤية مقدساتهم تنتهك؟ أم أنه شيءٌ آخر؟

 

يستحق هذا الأمر الوقوف عنده والفهم الدقيق له، لأن الأمة هي موضع العمل، وطاقاتها هي موارد قوى التغيير، وما تدل عليه الوقائع المتعاقبة تاريخياً وحديثاً، أن اليأس لا محل له في الأمة. وإذا تسرب إلى أفرادٍ أو جماعات من المسلمين فهو لا يصيب عموم الأمة. وقد أظهرت وسائل التواصل الحديثة - رغماً عن وسائل إعلام الأنظمة - حجم غضب المسلمين الممزوج بالحيرة والألم بسبب انغلاق سُبُل الردود الفعالة لديهم.

 

وأما أنَّ تكرُّر انتهاك مقدسات الإسلام وأحكامه قد أشعر المسلمين بعدم جدوى المواجهة فاستسلموا للأمر مُحْبَطين، فهو أيضاً غير صحيح. فالإسلام عقيدة حية ومؤثرة بشكل دائم، ولا يكاد المسلم يسقط حتى ينهض من جديد ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُمْ مُبْصِرُون﴾. ولو تسرب الإحباط إلى بعض المسلمين أو إلى أي مجموعةٍ منهم، فلن يتعدى الأمر ساعةً من زمن ثم سرعان ما يتلاشى. وإنما الأمر عجز عموم المسلمين أو حيرتهم إزاء كيفية القيام بعملٍ يؤدب المنتهِكين ودولِهم ويشفي الصدور. وقد دل على هذا الأمر ردود فعل كثيرة متفرقة هنا وهناك. ومع أنها ليست الرد اللازم والمُجدي، فهي علاماتٌ على أنه لا يمكن ترويض الأمة الإسلامية على انتهاك دينها.

 

والحقيقة والله أعلم أن هذه المواقف من الأمة دليلٌ على استفادتها من التجارب الكثيرة التي استجابت فيها لدعوات ضالة أو تائهة إلى التحرر والتغيير. فقد تكرر منها الخروج بالملايين، في بلدان كثيرة، وقدمت كل أنواع التضحيات في مناسبات وقضايا كثيرة. ثم اكتشفت أنها لطالما انقادت لعملاء وتجار قضايا، ولخطابات كاذبة، ولطالما سارعت في مشاريع بغير تفكير جاد، واندفعت في أعمال تزيدها ضعفاً وتقييداً. ولذلك، فإن ما نجده من الأمة ليس يأساً من إمكانية التغيير، ولا استسلاماً لهيمنة الكفر، ولا رضا بالحكام العملاء، ولا تعايشاً مع انتهاك مقدسات الإسلام وأحكامه، وإنما هو تريث ونظر لاستيضاح الطريق وإلى أين يوصِل قبل السير فيه، أي أنه تفكير في العمل لمعرفة جدواه قبل القيام به. وهذا هو التفكير الذي ينبغي أن يتوسط ما بين الإحساس والعمل. لذلك، فإن ردود الفعل الباهتة دليل وعي، لأنها تريثٌ بحثاً عن عمل مجدٍ يحقق النكاية، فيُخزي الكافرين ويشفي الصدور.

 

نعم، إن هذا الموقف دليلُ وعيٍ ورقيٍّ وليس العكس. وتحريك الأمة اليوم للقيام بأي عمل، أو للسير في منهج تغييري، يستلزم تقديم رؤية مقنعة لمستوى التفكير العام فيها، بأن هذا العمل أو هذا المنهج يحقِّق الهدف والتغيير المنشود، ويتغلَّب على قوى الأعداء ويجهض مكرها الكبير. ولا يكفي أن يكون المشروع في حقيقته ناجحاً ومُوْصِلاً، بل يجب أن يكون مقنعاً للأمة بحيث تراه مجدياً ويستحق تكاليف السير فيه.

وعلى أية حال، فإنه لا يمكن لوم الأمة أو الشعوب على مواقفها، لأنها لا تستطيع السير في مشروع واحد ما لم يكن هناك متصدر للمشروع. فالمسؤولية تقع على من يتصدر للتغيير ولقيادة الأمة أو سَوْقِها لتفعيل طاقاتها في طريق الهدف المنشود. وإنَّ الأمة اليوم لتترقَّب مجيء القائد بمشروعه المجدي والمقنع، بشوق وأملٍ كبيريْن.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

آخر تعديل علىالأحد, 29 كانون الثاني/يناير 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع