الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ديمقراطية وفلسفة الدولة: تمرين في كيفية عدم القيام بالسياسة (مترجم)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ديمقراطية وفلسفة الدولة:

تمرين في كيفية عدم القيام بالسياسة

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

استمر السيرك المسرحي بريكست خلال هذا الأسبوع في ويستمينستر مع ازدراء الحكومة البريطانية للبرلمان ورفضها الإفصاح بالكامل عن المشورة القانونية من المدعي العام بشأن اتفاقية الانسحاب وخروج بريطانيا التي تفاوض عليها رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وفي غضون ذلك، سافرت رئيسة الوزراء ومعاونوها في جميع أنحاء البلاد لتسويق الاتفاق للجمهور، على الرغم من أنه من المرجح أن يتم التصويت عليه من عدد كبير من أعضاء البرلمان من جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك الشريك البرلماني للحكومة - الحزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي، مما أدى إلى مزيد من الفوضى السياسية وعدم اليقين في البلاد. وبالتالي، من غير المستغرب قيام رئيسة الوزراء يوم الاثنين 10 كانون الأول/ديسمبر بتأجيل التصويت على الاتفاقية من قبل البرلمان، مما أضاف مزيداً من الفوضى العارمة لهذه العملية. كما أخفقت جميع الأحزاب الأخرى في تقديم أي خطة بديلة ترضي الجمهور البريطاني باعتبارها وسيلة لتأمين مستقبل أفضل للبلاد، وكل هذا إلى جانب الطعن السياسي المستمر والمكائد من السياسيين لخلع الرئيسة ماي من منصبها الوزاري، وذلك كله من أعضاء حزبها! إن كل هذه الأمور قد تركت الجمهور البريطاني غاضبا تماما وفي حالة يأس من الساسة لعدم قدرتهم على الرعاية الصحيحة لمصالح شعبهم.

 

التعليق:

 

هذه الفوضى والاضطرابات السياسية ليست مفاجئة. في الحقيقة كان من المتوقع، لهذا الفشل الذريع لخروج بريطانيا من الاتحاد أن يكشف ببساطة العيوب المتأصلة، والتناقضات والأخطار من النظام الديمقراطي وسياسة الدولة. أولا، في أي نظام تتخذ فيه القوانين من البشر، ستكون هناك دائما مصالح وأولويات متضاربة بين الناس الذين سيعتقدون جميعا أن رأيهم صحيح، مع عدم وجود وسائل ملموسة لاتخاذ قرار بشأن ما هو الصحيح وما هو الخطأ، كما أنها مجرد منافسة بين البشر الذين يتقاسمون نفس القدرة الفكرية المحدودة للتنبؤ بما سيكون خيرا للأمة أو لا، ومن المفهوم أن هذا يسبب الانقسام والاحتكاك داخل المجتمعات، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى العنف. مع هذا الفشل الذريع لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، هناك الشد السياسي للصراع بين أولئك الذين يشعرون بقوة تجاه استعادة هيمنة السيادة الوطنية البريطانية في قوانينها السياسية والاقتصادية والقضائية وغيرها مما يرونه غير مرغوب فيه وتعطيله التدخل في شؤون البلاد، وأولئك الذين يؤيدون بقوة مفهوم الرأسمالية والسوق الحرة والعلاقة مع أوروبا من حرية حركة السلع ورأس المال والخدمات والعمل التي يعتقدون أنها تساعد التجارة والأعمال التجارية والاقتصادية في بريطانيا، وحتما، أدت الآراء القوية والمتجذرة إلى الانقسام داخل الأسر وبين الأزواج والأصدقاء والمجتمعات المحلية في بريطانيا، على مدى السنتين الماضيتين، خلال وبعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد، وكان هناك أيضا ارتفاع في جرائم الكراهية ضد المهاجرين بسبب ارتفاع في الحماس القومي والتطرف اليميني المناهض للمهاجرين في البلد، مجرد واحدة من التداعيات الخطيرة لنموذج السياسة الوطنية للدولة.

 

وداخل البرلمان أيضا، فإن مبدأ التعددية السياسية الذي يحتفل به في ظل النظام الديمقراطي قد أوجد في الواقع مصالح وأولويات متضاربة للأحزاب السياسية المختلفة التي تسفر عن أزمات سياسية وجمود، ومع كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، فإن حزب العمال، والديمقراطيين الليبراليين، والحزب الديمقراطي الاشتراكي، وحتى الحزب الوطني الاسكتلندي، لدى كل منهم رؤيته الخاصة لما يرغبون في الحصول عليه من اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد. والواقع أنه من المثير للضحك أن السياسيين لا يمكنهم حتى الاتفاق على ما هو أكثر "ديمقراطية" - لإجراء تصويت شعبي ثان على اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد، أو الذهاب مع نتائج الاستفتاء الأول والخروج من أوروبا بالاتفاق التفاوضي أو بدون اتفاق، وقد حدثت هذه المآزق السياسية في الهيئات التشريعية الأخرى أيضا كما رأينا في أزمة أمريكا "سقف الديون" الناجمة عن الانقسامات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتي كشفت الخلل السياسي في النظام الديمقراطي وأدت أساسا إلى توقف البلاد.

 

ثانيا، من الواضح أن الأحزاب السياسية والسياسيين على حد سواء هم الذين يتنافسون على الميزة السياسية في هذا الفشل الذريع لخروج بريطانيا بدلا من السعي الحقيقي لتحقيق مصالح الشعب الفضلى، وتحاول الأحزاب السياسية المعارضة تقويض الحكومة لخلق مناخ لانتخابات عامة أخرى تأمل أن تدفعها إلى السلطة، وفي الوقت نفسه، فإن أعضاء مختلفين من حزب رئيسة الوزراء ماي المحافظ يهاجمون قيادتها من أجل حصولهم أنفسهم على مفاتيح داونينج ستريت، كل هذه المكائد السياسية القذرة والمناورة والانتهازية التي تتجاهل الاحتياجات الحقيقية للشعب هي النظام الغذائي اليومي النموذجي للسياسة في ظل النظام الرأسمالي الديمقراطي، ومن غير المستغرب لماذا أصبح الكثيرون في الغرب خائبي الأمل بالديمقراطية، حيث ينظرون إليها على أنها نظام يخدم مصالح الحكام والأعمال والنخبة الثرية فقط.

 

وثالثا، أصبحت الديمقراطية وسياسة الدولة القومية والاعتزاز الوطني أفيون الجماهير، والناس يعتنقونها بآمال في غير محلها بأنها الوسيلة لحل مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، في الواقع إنها لا تقدم حلا لمشاكلهم؛ بل ضاعفتها عليهم، وهذا هو المتوقع فقط لأنها تشكل "المحاكمة والخطأ" شكل من أشكال السياسة حيث السياسيون يستخدمون التخمين لمحاولة معرفة أفضل طريقة لحكم الدولة، بالتأكيد، فإن مثل هذا النموذج السياسي الذي يحكم بالأساس دولة معصوبة العينين لا يمكن أبدا أن يكون أفضل نظام لكيفية حكم الشعب، ولذلك فليس من المستغرب أن نرى نوع الشغب الذي حدث في فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين بسبب الوضع الاقتصادي السيئ للجماهير في البلاد.

 

كل هذا يجب أن يكون بالتأكيد غذاء للفكر بالنسبة لنا نحن المسلمين؛ أن الديمقراطية ونموذج الدولة القومية لا يمكن أبدا أن يكونا منقذين من عدم الاستقرار السياسي والدمار الاقتصادي والظلم، ومن المؤكد أنه تذكير بأن النظام السياسي الوحيد الذي حدده الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يعلم أفضل طريقة لتنظيم شؤون البشرية، بدلا من عقول البشر الضعيفة والعاجزة، ووحده يمكن أن يوجد دولة قوية وعادلة ومزدهرة في بلادنا الإسلامية، فضلا عن تقديم نموذج الحكم السديد للدول الأخرى في العالم.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتورة نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

آخر تعديل علىالأربعاء, 12 كانون الأول/ديسمبر 2018

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع