الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 154) التوازن الاقتصادي في المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 


إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 154)
التوازن الاقتصادي في المجتمع

 


الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الرابعة والخمسين بعد المائة, وعنوانها: "التوازن الاقتصادي في المجتمع". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة التاسعة والأربعين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.


يقول رحمه الله: "أوجب الإسلام تداول المال بين جميع أفراد الرعية، ومنع حصر تداوله بين فئة من الناس. قال تعالى: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم). (الحشر 7) فإذا كان المجتمع على حال من التفاوت الفاحش بين أفراده في توفير الحاجات، وأريد بناؤه من جديد، أو حصل فيه هذا التفاوت من إهمال أحكام الإسلام، والتساهل في تطبيقها، كان على الدولة أن تعالج إيجاد التوازن في المجتمع بإعطائها من أموالها التي تملكها لمن قصرت به حاجته، حتى تكفيه إياها، وحتى يحصل بهذه الكفاية التوازن في توفير الحاجات. وعليها أن تعطي المال منقولا، وغير منقول؛ لأنه ليس المقصود من إعطاء المال قضاء الحاجة مؤقتا، بل المقصود توفير وسائل قضائها، بتوفير ملكية الثروة التي تسد هذه الحاجات، وإذا كانت الدولة لا تملك مالا، أو لم تف أموالها بإيجاد هذا التوازن، لا يصح أن تملك من أموال الناس، فلا تفرض ضرائب من أجل هذا التوازن؛ لأنه ليس من الأمور التي فرضت على جميع المسلمين، وهكذا كلما رأت الدولة اختلالا بالتوازن الاقتصادي في المجتمع، عالجت هذا الخلل بإعطاء من قصرت بهم الحاجة من أموال الدولة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار خص المهاجرين بأموال الفيء، الذي غنمه من بني النضير، من أجل إيجاد التوازن الاقتصادي. فقد روي أنه لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير صلحا، وأجلى اليهود عنها، سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لهم، فنزلت: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه). (الحشر 6) الآيات، فجعل الله أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء، فقسمها النبي بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى رجلين اثنين هما أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فقد كانت حالهما كحال المهاجرين من حيث الفقر. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم, ولم نقسم لكم من الغنيمة شيئا". فقالت الأنصار: بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالغنيمة. فأنزل الله (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). (الحشر 9) فقوله تعالى: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم). (الحشر 7) أي كيلا يتداول بين الأغنياء فقط، والدولة في اللغة اسم للشيء الذي يتداوله القوم، وهي أيضا اسم لما يتداول من المال، أي كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون بلغة لهم يعيشون بها، واقعا في يد الأغنياء ودولة بينهم. وما فعل بفيء بني النضير، وهو من أموال الدولة، قد خص به الفقراء، وحرم منه الأغنياء، لتوازن توفير الحاجات بينهم. ويفعل ذلك في أموال بيت المال، إذا كانت هذه الأموال لم تأت مما يجمع من المسلمين، بل مثل أموال الغنائم. أما إذا كان المال جمع من المسلمين، فلا يصرف على التوازن. ويفعل ذلك في كل وقت؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وعليه فإن على الخليفة أن يوجد التوازن الاقتصادي بإعطائه الفقراء من الرعية وحدهم، من أموال الدولة التي في بيت المال، حتى يوجد التوازن الاقتصادي بهذا العطاء. إلا أن هذا لا يعتبر من نفقات بيت المال الثابتة، بل هو معالجة لحالة معينة من أموال معينة".


وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:


حكم الإسلام في تداول المال:


1. أوجب الإسلام تداول المال بين جميع أفراد الرعية.
2. منع الإسلام حصر تداول المال بين فئة من الناس.


أسباب حصول التفاوت الفاحش في توفير الحاجات:
يحصل التفاوت الفاحش بين أفراد المجتمع في توفير الحاجات لسببين اثنين:
1. إهمال أحكام الإسلام.
2. التساهل في تطبيق أحكام الإسلام.


معالجة الإسلام لحصول التفاوت الفاحش في توفير الحاجات:
إذا حصل التفاوت الفاحش بين أفراد المجتمع في توفير الحاجات، وأريد بناؤه من جديد كان على الدولة أن تعالج إيجاد التوازن في المجتمع بالكيفية الآتية:
1. بإعطائها من أموالها التي تملكها لمن قصرت به حاجته، حتى تكفيه إياها وحتى يحصل التوازن في توفير الحاجات.
2. بإعطائها المال منقولا، وغير منقول.
3. ليس المقصود من إعطاء المال قضاء الحاجة مؤقتا.
4. المقصود من إعطاء المال توفير وسائل قضاء الحاجة بتوفير ملكية الثروة التي تسدها.
5. لا يصح أن تملك الدولة من أموال الناس إذا لم تملك مالا أو لم تف أموالها بإيجاد التوازن.
6. لا تفرض الدولة ضرائب من أجل هذا التوازن.
7. إيجاد التوازن فرض على الدولة, وليس من الأمور التي فرضت على جميع المسلمين.
8. كلما رأت الدولة اختلالا بالتوازن الاقتصادي في المجتمع، عالجت هذا الخلل بإعطاء من قصرت بهم الحاجة من أموال الدولة.


إيجاد التوازن الاقتصادي زمن النبي عليه السلام:
حين رأى النبي عليه السلام التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار فعل الآتي:
1. خص المهاجرين بأموال الفيء، الذي غنمه من بني النضير، من أجل إيجاد التوازن الاقتصادي.
2. قسم النبي الفيء بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى رجلين اثنين هما أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فقد كانت حالهما كحال المهاجرين من حيث الفقر.


إيثار الأنصار المهاجرين على أنفسهم:
1. قال النبي عليه السلام للأنصار: "إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم, ولم نقسم لكم من الغنيمة شيئا".
2. فقالت الأنصار: بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالغنيمة.
3. أنزل الله تعالى قوله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).


معنى قول الله تعالى: كي لا يكون دولة:
1. الدولة في اللغة اسم للشيء الذي يتداوله القوم. والدولة أيضا اسم لما يتداول من المال.
2. أي كيلا يتداول المال بين الأغنياء فقط. أي كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون بلغة لهم يعيشون بها، واقعا في يد الأغنياء ودولة بينهم.


بعض الأحكام المتعلقة بمسألة إيجاد التوازن:
1. ما فعل بفيء بني النضير، وهو من أموال الدولة، قد خص به الفقراء، وحرم منه الأغنياء، لتوازن توفير الحاجات بينهم.
2. أموال بيت المال إذا لم تأت مما يجمع من المسلمين مثل أموال الغنائم, فإنه يخص بها الفقراء ويحرم منها الأغنياء.
3. إذا كان المال جمع من المسلمين، فلا يصرف على التوازن.
4. يفعل ذلك في كل وقت؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
5. على الخليفة أن يوجد التوازن الاقتصادي بإعطائه الفقراء من الرعية وحدهم، من أموال الدولة التي في بيت المال، حتى يوجد التوازن الاقتصادي بهذا العطاء.
6. لا يعتبر هذا الإعطاء من نفقات بيت المال الثابتة، بل هو معالجة لحالة معينة من أموال معينة.


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع