الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 86) السبب الخامس من أسباب التملك  الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج6)  اللقطة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 86)
السبب الخامس من أسباب التملك
الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج6) اللقطة (2)

 

 

 

الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الخامسة والثمانين, وعنوانها: "الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد: اللقطة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.


يقول رحمه الله: "أما إن كانت اللقطة في الحرم فلا تعتبر لقطة؛ لأن لقطة الحرم حرام. كما جاء في الحديث المروي من طريق عبد الرحمن بن عثمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج، ولا يجوز أن يأخذها إلا للحفظ على صاحبها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد" رواه البخاري. أما إن كانت مما لا يمكن حفظها، بأن كانت مما لا يبقى، كالأكل، والبطيخ، وما شاكله فهو مخير بين أن يأكله ويغرم ثمنه لصاحبه إن وجد، وبين أن يبيعه ويحفظ ثمنه مدة الحول. وهذا كله إذا كانت اللقطة مما يطلب عادة، بأن كان لها ثمن لا يتركه صاحبه إن ضاع. أما إن كانت من التوافه، كالتمرة، واللقمة، وما شاكل ذلك، فإنه لا يعرف عليه، وإنما يملكه في الحال". ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته:


رابعا: بيان ما يصنع باللقطة:


أما بيان ما يصنع باللقطة، فالكلام في ثلاثة مواضع: الأول في التعريف بها، والثاني في مدة التعريف، والثالث في بيان مكان التعريف.


أولا: التعريف باللقطة:


فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله تعالى من طريق زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فزعم أنه قال: "اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة". وفي رواية: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فقال: "عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها، فأدها إليه".


فالحديثان دليلان على وجوب التعريف باللقطة بصفاتها، وجنسها، وقدرها؛ لذلك أجاب عليه الصلاة والسلام السائل بقوله: "اعرف عفاصها ووكاءها". والعفاص بكسر العين: هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة، جلدا كان أو غيره. والوكاء بكسر الواو: هو الخيط الذي يشد به الوعاء الذي تكون فيه النفقة. وقد ذكر الإمام النووي أن الواجب على الملتقط أن يعرف علامات لقطته؛ حتى يعرف صدق واصفها إذا وصفها من كذبه، ولئلا يختلط بماله ويشتبه به.


ثانيا: مدة التعريف:


فقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم عرفها سنة". ظاهره وجوب التعريف، وظاهره أيضا التعريف ظرف سنة، وبه قال الجمهور. ووقع في رواية عند الإمام البخاري من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه بلفظ: "أخذت صرة مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عرفها حولا". فعرفتها حولا، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: "عرفها حولا". فعرفتها، فلم أجد، ثم أتيته ثلاثا، فقال: "احفظ وعاءها، وعددها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها". فاستمتعت، فلقيته بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال، أو حولا واحدا.


وذكر الإمام الحديث في موضع من صحيحه، فزاد: "ثم أتيته الرابعة، فقال: "اعرف عدتها، ووكاءها، ووعاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع به". والجمع بين حديث أبي وحديث زيد بن خالد الجهني المذكور فيه سنة فقط: أن حديث أبي محمول على الورع والمبالغة في التعفف عن اللقطة، وحديث زيد على ما لا بد منه، ويحتمل أن يكون عليه السلام عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه المطلوب الذي ينبغي، فأمر ثانيا بإعادة التعريف، ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها. أما قوله: "فاستمتع بها" فعن أبي حنيفة قال: "إن كان غنيا، تصدق بها، وإن جاء صاحبها، تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه.


أما الضوال وهي (جمع ضالة من الحيوان) فقد سئل عليه السلام عن ضالة الغنم، قال: "لك، أو لأخيك، أو للذئب". قال: وضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لك ولها؟ معها حذاؤها خفها, وسقاؤها جوفها, ترد الماء، وتأكل الشجر". قال الإمام ابن حجر: "كأنه أفرد الغنم بترجمة؛ ليشير إلى افتراق حكمها عن الإبل، وقد انفرد مالك بتجويز أخذ الشاة, وعدم تعريفها، متمسكا بقوله: "لك"، وأجيب بأن اللام ليست للتمليك، كما أنه قال: أو "للذئب"، والذئب لا يملك باتفاق، وقد أجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد، لأخذها منه، أما حكمة النهي عن التقاط الإبل، أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها، من تطلبه لها في رحال الناس. ففي الحديث أشار عليه السلام إلى عدم التقاط الإبل؛ لما ركب في طباعها من جلد وصبر على العطش والمأكول؛ لذا غضب عليه السلام واحمر وجهه لما سئل عن الإبل، فزاد في رواية أخرى: "دعها حتى يجدها ربها".


ثالثا: مكان التعريف:


والتعريف بها يكون في مجمع الناس ومحافلهم، كالأسواق وأبواب المساجد؛ لأن التعريف في هذه الأماكن أسرع إلى تشهير الخبر وإذاعته، ثم يقول: من ضاعت له نفقة؟ ونحو ذلك من العبارات، ولا يذكر شيئا من الصفات. وبعد التعريف بها، إن جاء صاحبها، وأقام البينة أنها ملكه، أخذها. وعند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "في المال يعرفه سنة، ثم يأكله إن شاء، فإن جاء صاحبه غرمه له، وقال: يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان أو معسرا إن شاء، إلا أني لا أرى له أن يخلطها بماله، ولا يأكلها حتى يشهد على عددها، ووزنها، وظرفها، وعفاصها، ووكائها، فمتى جاء صاحبها غرمها له، وإن مات كانت دينا عليه في ماله، ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف، إن أحب أن يأكلها فهي له، ومتى لقي صاحبها غرمها له، وليس ذلك له في ضالة الإبل ولا البقر؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما. إذا عرفها حولا ولم يحضر صاحبها، كان له أن ينتفع بها وإن كان غنيا، وتكون قرضا عليه.


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

آخر تعديل علىالسبت, 20 حزيران/يونيو 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع