الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 84) السبب الخامس من أسباب التملك الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج4) استحقاق المهر وتوابعه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 84)
السبب الخامس من أسباب التملك
الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج4) استحقاق المهر وتوابعه

 

 

الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الرابعة والثمانين, وعنوانها: "الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد: استحقاق المهر وتوابعه". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:


ثالثا: استحقاق المهر وتوابعه بعقد النكاح، فإن المرأة تملك هذا المال، على الوجه المفصل في أحكام الزواج. وليس هذا المال بدل منفعة، فإن المنفعة متبادلة بين الزوجين، وإنما هو مستحق بنص الشرع. قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة). أي عن طيب نفس، بالفريضة التي فرض الله تعالى، والنحلة العطية، أي عطية؛ لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه. وروى أحمد عن أنس قال: "جاء عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهيم؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب. قال: أولم ولو بشاة".


ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: الصداق أو المهر في الفقه الإسلامي هو: "ما يلتزم الرجل بدفعه للمرأة، لملك عصمتها" وهو دليل إكرام الله تعالى للمرأة، حيث جعل المهر حقا مفروضا على الزوج، وألزمه بدفعه بالمعروف. ولم يحدد الشرع الإسلامي قدرا معلوما للمهر، فقد ثبت بألفاظ عدة سواء أكان قليلا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولو بخاتم من حديد". أم كثيرا ولو قنطارا كقول رب العزة: (وإن أر‌دتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطار‌ا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا). (النساء20) أو ببذل منفعة، بل هو بالمعروف. قال تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدر‌ه وعلى المقتر‌ قدر‌ه متاعا بالمعر‌وف حقا على المحسنين). (البقرة 236) ومبنى الأمر فيه بالتراضي.


الصداق هو: ما يلزم دفعه للمرأة في النكاح, أو هو: المال الملتزم للمخطوبة لملك عصمتها. ويسمى: "صدقة" لقول الله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وهو مأخوذ من الصدق لدلالته على صدق رغبة الزوج في المخطوبة، أو لصدق الزوجين في موافقة الشرع، ويسمى أيضا: مهرا وطولا (بفتح الطاء) وأجرة, ونفقة, ونحلة, ولا يعد ركنا في صحيح النكاح، فلو جرى عقد النكاح بغير تسمية المهر؛ فالعقد صحيح، ويحدد المهر بعد ذلك. كما أن المهر ليس شرطا لصحة العقد، بل هو لازم شرعا لأجل النكاح، بمعنى أنه لو اشترط إسقاط المهر، وجرى الاتفاق على ذلك، وتم العقد؛ فالعقد فيه فساد لكنه صحيح والشرط باطل، فيلزم بعد ذلك لإزالة الفساد تحديد المهر بقدر من المال يرضى به الزوجان، أو بفرض "مهر المثل" عند الاختلاف.


جاء في تفسير الطبري معنى "آتوا": "أمر من الله تعالى ببذل الصداق للمرأة، وإعطائها إياه، ليكون حقا خالصا لها. فإن بقي عند الزوج؛ فهو دين في ذمته. وإذا قبضت منه صداقها؛ فهو بنظر الشرع ملك خالص لها، تتصرف فيه كيفما شاءت، إن كانت رشيدة وليس للزوج أن يأخذ منه شيئا، إلا إن أعطته منه عن طيب نفس. والأمر في الآية للأزواج، وقيل للأولياء".


وأما توابع المهر الزائدة عليه؛ فهي مختلفة باختلاف الأعراف, ففي بعض البلدان من يشترط لابنته التي يزوجها مطالب إضافية، تحت مسميات متعددة من مثل: غرفة النوم, وأثاث البيت, وقد يوجد في بعض الأعراف دفع مال زائد على المهر للمخطوبة أو لوليها أو لعمها أو لخالها بما يسمى: عباءة العم, وهدمة الخال, وكسوة أم العروس وأخواتها.


وقد يكون من المطالب الأساسية المتعارف عليها ما يستهلك في العرس مثل تكاليف صالة الأفراح, وفريق المغنين والمصورين, وتكاليف الزينة, وتكاليف سيارات نقل الضيوف والمهنئين, وتكاليف ضيافتهم, وتكاليف سيارة نقل العروس إلى الصالة, ومنها إلى بيت الزوجية, وتكاليف ما يسمى بشهر العسل, وغير ذلك من التكاليف التي يمكن الاستغناء عن كثير منها, والتي هي بمنزلة "مهر إضافي" يرهق كاهل العريس, ويحمله ما لا يطيق حمله من الديون.


وربما صارت هذه المطالب تقاليد متبعة مما يؤدي بالشباب إلى العزوف عن الزواج أو تأخيره إلى حين الاستطاعة وهذا له سلبياته على الفرد والمجتمع, وقد عبر عنها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالفساد العريض. روى ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". وروى أحمد في مسنده عن عائشة، قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه". فالمعروف عادة أن الشخص يدفع المهر بقدر معلوم بالتراضي، ثم يتزوج وانتهى الأمر.


وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم تيسير وتسهيل أمور الزواج عمليا, وإليكم الدليل على ذلك. عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي, فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله, إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال: "هل عندك من شيء؟". قال: لا والله يا رسول الله. قال: "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟". فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال: "انظر ولو خاتما من حديد". فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله, ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل ما له رداء - فلها نصفه. فقال رسول الله: "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء". فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا, فأمر به فدعي فلما جاء قال: "ماذا معك من القرآن؟". قال: معي سورة كذا, وسورة كذا, وسورة كذا. عددها. قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟". قال: نعم. قال: "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن".


يفهم من هذا الحديث: استحباب المعونة في تزويج المحتاج للزواج، ومشروعية الزواج بيسير المهر، ومعنى: "ولو خاتما من حديد" للمبالغة في القلة، وللدلالة على صحة بذل المهر اليسير في الزواج، عند حصول التراضي، حيث ورد في بعض الروايات كما في فتح الباري أن الرجل خطبها لنفسه فوافقت. وليس في الشرع الإسلامي ما يمنع من زيادة المهر لمن يقدر عليه.


وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما رأى مغالاة الناس في المهور؛ بين لهم أن المبالغة في مقدار صداق المرأة؛ هو خلاف الأفضل، وقال: "ألا لا تغالوا في صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه، ولا أنكح شيئا من بناته على أكثرمن اثني عشر إوقية". رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال أبو عيسى الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" وقال الترمذي أيضا: "الإوقية: أربعون درهما".


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع