- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
أساس النظام الاقتصادي (ح 36)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: "أسَاسُ النِّظَامِ الاقتِصَادِي". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 56) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"المَنفَعَةُ هِيَ صَلاحِيَّةُ الشَّيءِ لإِشبَاعِ حَاجَةِ الإِنسَانِ. فَهِيَ تَتكَوَّنُ مِنْ أمرَينِ: أحَدِهِمَا مَبلَغُ مَا يَشعُرُ بِهِ الإِنسَانُ مِنَ الرَّغبَةِ فِي الحُصُولِ عَلَى شَيءٍ مُعَيَّنٍ. وَالثَّانِي المَزَايَا الكَامِنَةُ فِي نَفسِ الشَّيءِ، وَصَلاحِيَّتِهَا لإِشبَاعِ حَاجَةِ الإِنسَانِ، وَلَيسَ حَاجَةِ فَردٍ مُعَيَّنٍ. وَهَذِهِ المَنفَعَةُ إِمَّا نَاتِجَةٌ عَنْ جُهْدِ الإِنسَانِ، أو عَنِ المَالِ، أو عَنهُمَا مَعًا. وَتَشمَلُ كَلِمَةُ جُهدِ الإِنسَانِ: الجُهْدَ الفِكْرِيَّ، وَالجُهْدَ الجِسْمِيَّ الَّذِي يَبذُلُهُ لإِيجَادِ مَالٍ، أو مَنفَعَةِ مَالٍ. وَتَشمَلُ كَلِمَةُ المَالِ كُلَّ مَا يُتَمَوَّلُ لِلانتِفَاعِ بِهِ، بِالشِّرَاءِ أوِ الإِجَارَةِ أو الإِعَارَةِ، إِمَّا بِاستِهلاكِ عَينِهِ إِفنَاءً كَالتُّفَاحَةِ، أو بِعَدَمِ استِهلاكِهَا كَالسَّيارَةِ، وَإِمَّا بِالانتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَينِهِ كَالمُنخُلِ إِعَارَةً، وَكَسُكنَى الدَّارِ الَّتِي فِي حِيَازَةِ غَيرِهِ إِجَارَةً.
وَيَشمَلُ المَالُ النَّقْدَ كَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَالسِّلَعِ كَالثِّيَابِ وَالأغذِيَةِ، وَالعَقَارَاتِ كَالدُّورِ وَالمَصَانِعِ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَمَوَّلُ. وَبِمَا أنَّ المَالَ هُوَ الَّذِي يُشبِعُ حَاجَاتِ الإِنسَانِ، وَمَا جُهْدُ الإِنسَانِ إِلاَّ أدَاةٌ لِلحُصُولِ عَلَى المَالِ عَينًا وَمَنفَعَةً، لِذَلِكَ كَانَ المَالُ هُوَ أسَاسُ المَنفَعَةِ. وَأمَّا جُهدُ الإِنسَانِ فَهُوَ مِنَ الوَسَائِلِ، الَّتِي تُمَكِّنُ مِنَ الحُصُولِ عَلَى المَالِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ الإِنسَانُ بِفِطرَتِهِ يَسعَى لِلحُصُولِ عَلَى هَذَا المَالِ لِيَحُوزَهُ. وَعَلَيهِ يَكُونُ جُهْدُ الإِنسَانِ وَالمَالُ هُمَا الأدَاةَ الَّتِي تُستَخدَمُ لإِشبَاعِ حَاجَاتِ الإِنسَانِ، وَهُمَا الثَّروَةُ الَّتي يَسعَى الإِنسَانُ لِلحُصُولِ عَلَيهَا لِيَحُوزَهَا. فَالثَّروَةُ هِيَ مجمُوعُ المَالِ وَالجُهْدِ.
وَحِيَازَةُ الأفرَادِ لِلثَّروَةِ تكُونُ إِمَّا مِنْ أفرَادٍ آخَرِينَ كَحِيَازَةِ المَالِ بِالهِبَةِ، وَإِمَّا مِنْ غَيرِ الأفرَادِ كَحِيَازَةِ المَالِ الخَامِ مُبَاشَرَةً، وَتكُونُ إِمَّا حَيَازَةً لِلعَينِ استِهلاكًا وَانتِفَاعًا، كِحِيَازَةِ التُّفَاحَةِ وَحِيَازَةِ الدَّارِ مُلكًا، وَإِمَّا حِيَازَةً لِمَنفَعَةِ العَينِ كاستِئجَارِ الدَّارِ، وَإِمَّا حِيَازَةً لِلمَنفَعَةِ النَّاتِجَةِ عَنْ جُهْدِ الإِنسَانِ، كَخَرِيطَةِ دَارٍ مِنْ مُهَندِسٍ.
وَهَذِهِ الحِيَازَةُ بِجَمِيعِ مَا تَصدُقُ عَلَيهِ إِمَّا أنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ كَالبَيعِ وَإِجَارَةِ المَالِ وَإِجَارَةِ الأَجِيرِ، وَإِمَّا بِغَيرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَالإرثِ وَالعَارِيَّةِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَالمُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي حِيَازَةِ الثَّروَةِ، وَلَيسَتْ فِي إِيجَادِ الثَّروَةِ. وَهِيَ تَأتِي مِنَ النَّظرَةِ إِلَى الحِيَازَةِ أي المُلكِيَّةِ، وَمِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ المُلكِيَّةِ، وَمِنْ سُوءِ تَوزِيعِ الثَّروَةِ بَينَ النَّاسِ، وَلا تَأتِي مِنْ غَيرِ ذَلِكَ مُطلَقًا. وَلِهَذَا كَانَتْ مُعَالَجَةُ هَذِهِ النَّاحِيَةِ هِيَ أسَاسُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ. وَعَلَى ذَلِكَ فَالأسَاسُ الَّذِي يُبنَى عَلَيهِ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ قَائِمٌ عَلَى ثَلاثِ قَوَاعِدَ هِيَ: المُلكِيَّةُ، وَالتَّصَرُّفُ فِي المُلكِيَّةِ، وَتَوزِيعُ الثَّروَةِ بَينَ النَّاسِ".
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. المَنفَعَةُ: هِيَ صَلاحِيَّةُ الشَّيءِ لإِشبَاعِ حَاجَةِ الإِنسَانِ. وَتَتكَوَّنُ مِنْ أمرَينِ:
أ- مَبلَغُ مَا يَشعُرُ بِهِ الإِنسَانُ مِنَ الرَّغبَةِ فِي الحُصُولِ عَلَى شَيءٍ مُعَيَّنٍ.
ب- المَزَايَا الكَامِنَةُ فِي الشَّيءِ نَفسِهِ، وَصَلاحِيَّتُهَا لإِشبَاعِ حَاجَةِ الإِنسَانِ.
2. المَالِ: هُوَ كُلَّ مَا يُتَمَوَّلُ لِلانتِفَاعِ بِهِ، ويَشمَلُ ثلاثة أشياء:
أ- النَّقْدَ كَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.
ب- وَالسِّلَعِ كَالثِّيَابِ وَالأغذِيَةِ.
ت- وَالعَقَارَاتِ كَالدُّورِ وَالمَصَانِعِ.
3. المَالُ هُوَ أسَاسُ المَنفَعَةِ. وَيُمكِنُ الانتِفَاعُ بِهِ بِإحدَى الطُّرُقِ الآتِيَةِ:
أ- بِالشِّرَاءِ.
ب- بِالإِجَارَةِ.
ت- بِالإِعَارَةِ.
4. المُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ هِيَ فِي حِيَازَةِ الثَّروَةِ، وَلَيسَتْ فِي إِيجَادِ الثَّروَةِ. وَتَأتِي مِنَ ثَلاثَةِ أشْيَاءَ:
أ- مِنَ النَّظرَةِ إِلَى الحِيَازَةِ أي المُلكِيَّةِ.
ب- وَمِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ المُلكِيَّةِ.
ت- وَمِنْ سُوءِ تَوزِيعِ الثَّروَةِ بَينَ النَّاسِ.
5. حِيَازَةُ الأفرَادِ لِلثَّروَةِ خَمْسَةُ أنوَاعٍ هِيَ:
أ- حِيَازَةُ الثَّروَةِ مِنْ أفرَادٍ آخَرِينَ كَحِيَازَةِ المَالِ بِالهِبَةِ.
ب- حِيَازَةُ الثَّروَةِ مِنْ غَيرِ الأفرَادِ كَحِيَازَةِ المَالِ الخَامِ مُبَاشَرَةً.
ت- حَيَازَةُ العَينِ استِهلاكًا وَانتِفَاعًا، كِحِيَازَةِ التُّفَاحَةِ وَحِيَازَةِ الدَّارِ مُلكًا.
ث- حِيَازَةُ مَنفَعَةِ العَينِ كاستِئجَارِ الدَّارِ.
ج- حِيَازَةُ المَنفَعَةِ النَّاتِجَةِ عَنْ جُهْدِ الإِنسَانِ، كَخَرِيطَةِ دَارٍ مِنْ مُهَندِسٍ.
6. أسَاسُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ قَائِمٌ عَلَى ثَلاثِ قَوَاعِدَ هِيَ:
أ- المُلكِيَّةُ.
ب- وَالتَّصَرُّفُ فِي المُلكِيَّةِ.
ت- وَتَوزِيعُ الثَّروَةِ بَينَ النَّاسِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.